سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الرعب.. إله البشر الخفي وسلاح السلطة الأمضى

محمد حمود_

تفرض ثقافة الرعب هيمنتها على الأذهان والوجدان فتستبدّ بها بما تبثّه من هواجس وتشيعه من رهبة، فيما يجد الناس نصيباً لهم من الخوف؛ الأمر الذي يدفعهم إلى الاستثمار في الرعب والانخراط في التخويف. فما الذي يحدث؟.
من المدرسة إلى الوظيفة
يبدأ الأمر مع مدرسة يُدرِك تلاميذُها عواقبَ تقاعسهم عن الحضور المنتظم أو أداء الواجبات، ويتواصل مع استعمال مؤثِّرات الترغيب والترهيب في مؤسسات الدولة والمجتمع، بأدوات ناعمة قد لا تُلحَظ أساسا.
فمشهد الموظّف المنكسر المفصول من عمله لمخالفته الأنظمة كفيلٌ بتحريض زملائه على الاتعاظ، وهو مشهد تُكرِّسه السلطة بأن تستحضره في سياقات متعددة بما يحقق هدفها بانصياع الشعوب.
إنها سلطة الرعب التي تُستعمَل بطرائق متعددة عبر البيئات كافّة وتخالج مجالات الحياة المتعددة، لضمان الانضباط والرضوخ، وقد تُمارَس بأساليب فجّة أو ناعمة.
رعب على لقمة العيش
قد يتفاقم الرعب على لقمة العيش فيُلجئ الأفرادَ والمجتمعات إلى الانصياع وخفض الرؤوس واستمراء المهانة، وقد يتنازل الناس طوْعاً عن أقساط من حريّتهم وكرامتهم فتُضرَب عليهم الذِّلة والمَسكنة؛ فتُستعبَد الشعوب بالرعب على رغيف خبزها.
 لمواقع التواصل رعبها أيضاً 
الأمر ذاته يُمارَس في وسائل التواصل الافتراضي والإنترنيت عموماً؛ فخشية أحدهم من تعليق حسابه على منصّة ما أو إلغاء حضوره الافتراضي بقرار لا يُناقَش؛ هو نظير الطّرد المُهين؛ الذي يقض مضاجع الكثيرين.
الأجهزة الأمنية والقوانين الضابطة
من أعراض ثقافة الرعب والتخويف أيضاً إقدام الأبوين في بعض المجتمعات على ترهيب الأطفال بالشرطة بما يشي بخبرة الراشدين مع هذا الجهاز ومخاوفهم منه، وبما يكشف عن انطباع شائع بأنها جهاز للقمع.
كما تفرض السلطة سلطانها الرّادع على الجمهور برهبةٍ من تجاوز الضوابط المفروضة؛ بدءاً من إشارة المرور عند ناصية الشارع.
تجارة الرعب
الرعب تجارة أيضاً؛ فقد تتهاوى قطاعاتٌ وتنهار صناعاتٌ وتبور تجاراتٌ إنْ انقشع الرعب وتبدّدت الرهبة. فلا تنهض شركات التأمين بدون رعب تستثيره ثم تتطوّع بتقديم “حلولها” لما يؤرِّق الزبون المحتمل.  وتحرِّك بعض شركات الحماية الإلكترونية مخاوف الجمهور من القرصنة، بما يستنفرهم لشراء أنظمة الحماية المعروضة. كذلك؛ تكشِف بعض الوقائع عن ضلوع بعض بؤر الصناعة الدوائية في زيادة جرعة التخويف من جوائح داهمة؛ للترويج لأدويتها.
فاقتصاد الرعب يتضخم في عالمنا، وهو يعمل على استثارة التخويف لدفع الجمهور إلى شراء ما يمنحهم الأمان؛ وإن كان شكلاً من أشكال الوهم.
الرعب والحرية
في المحصلة؛ يحرص الاستبداد على تظهير صورة وديعة عنه، وأخرى مليئة بأعراض القسوة والبطش، فالتنكيل الذي يمارسه بحقّ معارضيه؛ يعزّز سلطانه بالرعب فيصير الأحرار عبرة لمن تراوده أحلام الحرية. ولا يكفّ الاستبداد عن تخويف المجتمع من عواقب هذه الحرية؛ فإن انتفى الرعب تحرّر البشر، وبالنقيض من ذلك؛ فإنّ استسلام الإنسان لرعبه يُفضي به إلى العبودية وإن تجلّت بصفة رمزية غير صريحة.