سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الدبكة الشعبية في مقاطعة منبج.. تأصيل التراث والتعبير عن الهوية

منبج/ آزاد كردي ـ “تأسيس مركز الثقافة والفن في منبج عام 2017 كان له الفضل في الحفاظ على التراث الشعبي من خلال تشكيل فرق متنوعة تمثل الشعوب كافة؛ بهذه الكلمات القليلة توضح مدربة الدبكة الكردية في مركز الثقافة والفن بمقاطعة منبج أليسار بركل، حال الثقافة والفن في مقاطعة منبج، وتزيد: بالمهرجانات والعروض نعيد إحياء تراثنا ونوثقه للأجيال القادمة. وأن: الدبكة تعبير عن المعاناة والفرح، ومن خلالها تنقل رسائل تاريخية وتعبر عن ثقافتنا.

في هذا السياق، أجرت صحيفتنا “روناهي” حواراً مع مدربة الدبكة الكردية بمركز الثقافة والفن في مقاطعة منبج، أليسار بركل لتحدثنا عن الدبكة بشكل عام والدبكة الكردية خاصة، إضافة إلى عدد من القضايا المختلفة في الشأن، وكان الحوار كالآتي:

ـ ما أهمية الدبكة الشعبية في مقاطعة منبج، وكيف يساهم مركز الثقافة والفن في إحياء التراث الثقافي والشعبي للشعوب المختلفة في المنطقة؟

منذ البداية، عندما شرعنا بإنشاء مركز الثقافة والفن في مقاطعة منبج عام 2017 وحتى عام 2024، واجهنا العديد من التحديات في إبراز الدبكة الشعبية كجزء من فسيفساء شعوب المنطقة. لقد كانت لدينا قناعة راسخة بضرورة التعريف بتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، على الرغم من تلك الصعوبات. وبعيداً عن المراكز الثقافية وما تقدمه، نرى أهمية كبيرة في العودة إلى عاداتنا وتقاليدنا التي تتجلى في أعراسنا واحتفالاتنا المعروفة. في كل مناسبة أو حفلة، نقوم بإحياء دبكاتنا الخاصة بنا، سواء كانت كردية أو عربية أو شركسية أو تركمانية، مؤكدين بذلك غنى وتنوع تراثنا الثقافي.

على هذا الأساس، أسسنا مركز الثقافة والفن في مقاطعة منبج بهدف إحياء تراث كل شعب والمحافظة عليه. نحن نبتعد تماماً عن التأثيرات الغربية التي لا تمثل هويتنا، ونتجنب الحركات المعيبة والمخجلة، التي تبتعد عن قيمنا. لهذا السبب، نعمل بجد لتعزيز التراث الشعبي والثقافي في مقاطعتنا، وفي أي منطقة أخرى داخل سوريا أو خارجها. نستلهم تراث أجدادنا القديم، إذ لا يوجد أي شيء في هذا التراث يخالف قيم المجتمع. لذلك، يجب علينا ألا ننسى هذا التراث، بل نسعى جاهدين لتعزيزه واحترامه والحفاظ عليه للأجيال القادمة.

ـ الثقافة المشتركة والمتكاملة أحد سمات ثقافة المنطقة، كيف تعملون على ترسيخ هذه الثقافة ودعمها؟

طبعاً، نحن نسعى إلى دعم الثقافات المختلفة الموجودة في مقاطعة منبج لأن هذه المقاطعة والمناطق المحررة في شمال وشرق سوريا، مرت بالعديد من الأزمات، وقد تكون الأغلبية من الناس نست شيئاً من التراث. لذلك، نهدف إلى المساهمة في إعادة روح المحبة لأداء الدبكات، وأي شيء يتعلق بالفن. نحقق ذلك من خلال مشاركة الشعوب مع بعضها، حين تعقد الاجتماعات والمهرجانات والاحتفالات وغيرها. إن المجتمع، وخاصة الفئة الشابة، هم العامل الأساسي في تعزيز روح الدبكات والتراث القديم عن طريق هذه الفئة، نسعى لتقديم هذا التراث الذي كان أجدادنا يقومون به، مما يعيد إحياء الهوية الثقافية والتراثية في المنطقة.

ـ كيف ساهمت الفرقة، التي ضمت شعوباً عربية وتركمانية وشركسية وكردية، في تعزيز التراث الثقافي، وما النتائج، التي تحققت منذ عام 2018 من خلال تشكيل فرق دبكة خاصة بكل شعب؟

في البداية، شرعنا بتشكيل فرقة في مقاطعة منبج، كانت تضم شعوباً عربية وتركمانية وشركسية وكردية، بهدف إنشاء فرقة دبكة عامة تعكس تنوع المنطقة. لم يكن الهدف من البداية أن تمثل هذه الفرقة الشعب الكردي وحده، حيث لم تكن الظروف تسمح بذلك. انطلقت الفرقة كفرقة استعراضية على المسرح، بهدف تذكير شعبنا بتراثه. لبسنا الأزياء التي تدل على ثقافة الشعب العربي الأساسي في مقاطعة منبج، وقدمنا عروضاً عديدة تبرز هذا التراث.

عن طريق هذه العروض، بدأت مشاعر الغيرة الإيجابية على التراث تظهر بين الشعوب المختلفة، مما ساعدنا فيما بعد على تشكيل فرق خاصة بكل شعب. منذ عام 2018، تمكنا من تشكيل فرقة عربية وفرقة كردية، وكانت هناك مشاركات واسعة وكثيرة في المهرجانات والمناسبات من هذه الفرق. نحن مستمرون في هذا العمل إلى الآن، وهناك إقبال كبير على فرق الدبكات الشعبية لأنها تعبر عن ثقافتنا وحضاراتنا في كافة المناسبات، وتضيف جمالاً وروحاً لهذه الفعاليات.

ـ ما أهمية الدبكة في التعبير عن المعاناة والفرح وتجارب الحياة في المجتمع الكردي والعربي؟ وكيف يمكن للدبكة الشعبية أن تحمل رسائل مختلفة في حركاتها وأدواتها المستخدمة؟

اليوم عندما نقدم الدبكات؛ فإننا من خلالها نبعث برسالة تحمل معاني عدة، فالدبكة، وحركاتها تدل على معاناة أو فرح أو على شيء مررنا به، خاصة عندما نقدم دبكة كاملة تتجاوز عشر دقائق. هذه الدبكة ليست عبثية أو حركات طائشة، حيث إن لكل دبكة قصة، ولكل أغنية موقف حدث.

اليوم، أغلب دبكات الشعب الكردي تدل على حركات العمال والطبقة الكادحة التي تعمل في الأراضي والمزارع، وتعبر عن المعاناة التي كان يعاني منها أجدادنا في العمل، حيث كانوا أثناء الشغل، يحملون الأدوات التي يعملون بها في الأراضي، ويدبكون مع تلك الأدوات في الحقول وعلى البيادر. اليوم لدى الشعب الكردي، وربما العربي أيضاً، نجد في دبكتنا حركات تشتمل على آلات زراعة أو أشياء نشتغل بها ونحن ندبك. هذا أكبر دليل على أن الدبكات ليست شيئاً جديداً في عصرنا، وليست مجرد وسيلة للترفيه عن النفس، بل هي شيء كان أجدادنا يقومون به.

من الجميل أن تشاهد فرقة على المسرح تحمل بيدها أدوات زراعة أو أشياء متعبة تدلك على الزمن القديم، حيث كانت أمهاتنا وأجدادنا يعملون بها ويقومون بهذه الدبكة مع الموسيقا. أكثر ما يميز الموسيقا أصوات الطبيعة، أصوات الزمر والطبل، ومن النادر أن نجد موسيقا تحتوي على إيقاع من العصر الغربي أو شيء غير تراثي. إنها الموسيقى العربية والكردية الأصلية، وباقي الشعوب كلها تعبر عن التراث، وتستخدم آلات تراثية قديمة (آلات حية).

ـ كيف يمكننا نقل هذا التراث الشعبي للآخرين والمحافظة عليه، وهل للمهرجانات دور في ذلك؟

بخصوص ما تكلمنا عنه سابقًا وعن تراث الدبكات، نقدم هذا الموروث في جلساتنا ومناقشاتنا نتحدث فيها إلى الشعب عن تراث الدبكات. حيث إن هناك كثيراً من الناس لا يعرفون ماذا يعني دبكة تراثية، فهم يعتبرونها مجرد رقص؟ مع الاحترام لمفهوم هذه الكلمة، ولكن هناك شيء يسمى دبكة شعبية وتراث شعبي، ويجب ألا نقلل من قيمته. من خلال العروض والمشاركات في المهرجانات كافة، يمكننا أن نوثق التراث وننقله للأجيال القادمة.

على سبيل المثال، في مقاطعة منبج، ولدى الشعب العربي، هناك بعض التمييز أو التشديد بخصوص المرأة إزاء السماح لها بالدبكة. لا يمكننا إلقاء اللوم على الأشخاص بسبب الظروف الصعبة والبشعة التي مروا بها خلال فترة تواجد داعش، كنا نعيش في خوف ولم نستطع الخروج. ولكن؛ من خلال الاجتماعات والمهرجانات، استطعنا التغلب على هذه الأزمة. من خلال المهرجانات السنوية والمشاركات التي ندعو لها من خارج المنطقة والمشاركات في مناطق أخرى، نوثق تراثنا وننقله للأجيال الحالية، بدءاً من الأطفال الصغار والشباب الذين يدرسون أيضاً. يجب علينا تعليمهم تراثنا حتى يتمكنوا من تعليمه للأجيال القادمة عن تراث أجدادنا، وذلك من خلال المهرجانات والعروض التي تساهم في توثيق تراثنا.

ـ كيف تمكنتم من نبذ تلك المفاهيم الخاطئة، وأي دور يقع على عاتق جيل الشباب اليوم في تطور الدبكة بمقاطعة منبج؟

نحن من خلال هذا العمل الذي قمنا به في مقاطعة منبج بالذات، أصبحت لدينا القدرة على عكس العديد من القيم والعادات والتقاليد القديمة وذكّرنا المجتمع بها من خلال فقرات تم تقديمها. تُظهر هذه الفقرات بعض الفرح وتُظهر أخرى بعض الحزن وهذا هو أكبر ما ساعدنا على تذكير العالم بتراثه القديم، ونحن مستمرون في ذلك حتى الآن.

في البداية، لم يكن لدينا فرق مكونة من الشباب والبنات، ولكن حالياً لدينا في مقاطعة منبج فرقاً مكونة من الشباب والبنات، وأعمارهم تتجاوز العشرين. وهذا الأمر يسهم في تطور الدبكة في مقاطعة منبج بشكل كبير.

ـ كيف تمكنتم تجاوز الصعوبات التي واجهتموها، وما هدفكم لنشر الدبكة في مقاطعة منبج؟

نحن مسرورون جداً بتقبل المجتمع في مقاطعة منبج لهذا التراث. لا شيء يأتي بسهولة، فقد واجهنا صعوبات عديدة، ولكن عندما تكون لدى الإنسان إرادة وعزيمة، يمكنه التغلب على كل العقبات. هذا التراث هو جزء من ثقافتنا، وإذا لم نحافظ عليه ونحييه، فلن نستطيع بناء مجتمع حر وديمقراطي.