سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المقاومة الأخلاقية في فكر ومسيرة القائد عبد الله أوجلان

د. علي أبو الخير_

عندما نكتب عن فكر ومسيرة القائد عبد الله أوجلان ، نجد أننا أمام بحر واسع من الفكر والسلوك الإنساني، وهو فكر راقي وسلوك أخلاقي، سواء أثناء القتال ضد الأنظمة التركية أو في حالة السلام، فهو يرى (كما قال): “الأخلاق تعني التعبير عن كافة العمليات المجتمعية، والأسلوب المناسب لتنظيم الحياة، وقد ظهرت الحاجة إلى الأخلاق، وذلك من أجل تنظيم كافة الاحتياجات المجتمعية، وعلى مر تاريخ المجتمعية عندما استخدمت الأخلاق بشكل سليم، فقد أصبح ذلك سبباً أساسياً في عيش المجتمع بشكل طبيعي ومشترك، بالتالي عندما طرأ الانحراف عن معنى ومبادئ الأخلاق وقتها تسلطت الأساليب الخاطئة على أسلوب الحياة، ومثلما أراد هذا المفهوم الإطاحة بوجدان المجتمع أو الأخلاق على مر آلاف السنوات، كذلك الأمر يريد هذا المفهوم نفسه، وهو الإطاحة بأخلاق المجتمع في وقتنا الحاضر أيضاً وحتى بشكلٍ أقوى عن السابق. ومثلما هو معروف للجميع فإن المجتمع أكثر ما عاش على معاني الأخلاق”، وهو هنا يكافح من منظور أخلاقي لشعبه الكردي أولاً ولشعوب منطقة الشرق الأوسط ولكافة شعوب العالم، ونفهم هنا لماذا يهاجم السلوك المجتمعي غير الأخلاقي وغير الإنساني، لأن فكره شامل واعي بالمشكلات التي تواجه الأمم.
وقد سار القائد عبد الله أوجلان على ذلك النهج الأخلاقي منذ أن قام بقيادة الشعب الكردي وتأسيس حزب العمال الكردستاني يوم 27 تشرين الثاني 1978 مروراً بالمؤامرة الدولية التي شاركت فيها الدول العظمى وحتى يوم تغييبه وراء القضبان عام 1999.
نُبل الفروسيّة وأخلاق الفرسان
خلال تلك الفترة من عام 1978 وحتى عام 1999 لم يتخلَ القائد عبد الله أوجلان عن المقاومة الأخلاقية، فقد التزم بقواعد الفروسية التي لا تسجن أسيراً ولا تقتل بريئاً، بل كان يثقف من يأسره، ويعلمه أن الشعب الكردي ليس في عداء مع الشعوب ولكنه ضد الحكّام الذين يتحالفون مع أعداء الشعوب بلا أي أخلاق إنسانية، وأن الشعب الكردي له خصوصيته ولغته وثقافته ودينه، فأخلاق الفروسية هي التي جعلته محبوباً من شعبه بالإضافة إلى أن أعدائه قد احترموا فكره وسلوكه النبيل ثم توّج مشروعه الفكري وهو في ضيق السجن، فظلت روحه متقدة بالمقاومة السلمية الأخلاقية النبيلة، وعرف طريق التصدي للمشروع الإمبريالي الدولي وضد النظام التركي المتأسلم، وهو اليمين الديني المتحالف مع الصهيونية والرأسمالية العالمية، وهو من يرى إنه وحتى يومنا الحاضر، فإن المجتمع يستند على هذه الحقيقة للاستمرار في وجوده كما إنه يناضل ضد السلطة عبر هذه الحقيقة أيضاً.
الأخلاق والحقوق عند القائد عبد الله أوجلان
ثم انطلقت روحه وهو في سجن ايمرلي للبحث، وربما وفر له المعتقل فرصة الفكر العميق لتتجلى في مشروع الأمة الديمقراطية، وهو المشروع الذي حاز على لقب المشروع الأخلاقي الإنساني، أي أن الأخلاق هي الأساس الفكري، لأن مشروع الأمة الديمقراطية يمنع الحروب ويتصدى للمشروعات الإمبريالية، لأن الأفكار التي نادى بها تدعو للتعايش السلمي وإدارة الشعوب لذاتها، كما تحارب الطائفية وتتصدى لها، والتي تتعارض مع رؤى القوى الدولية والإقليمية الداعمة للإمبريالية.
لقد تميز المشروع الأخلاقي للقائد عبد الله أوجلان بانحيازه للطبقات الفقيرة الكادحة المظلومة، ولقد وجد حلاً للتناقضات الاجتماعية وإحقاق الحرية والعدالة الإنسانية، لأنه (كما قال) لأن النظام العالمي المتسلط قد أحدث شرخاً كبيراً في أخلاق وجدان المجتمعات، فإن بعض الناس يموتون من الجوع والبعض يعيش في ترفٍ وبذخ، وفي الوقت نفسه فقد قضى هذا الجوع والترف على المجتمع. والنظام المتسلط يفتقر إلى الثقافة والأخلاق والحقيقة والتاريخ.
وبهذا الصدد يقول القائد عبد الله أوجلان: “يرغبون في تصفية نضالنا، ولكنهم لا يعلمون بأن هذا النضال هو نضال الشعب والحقيقة، لأن النظام المتسلط يسعى إلى إضفاء المشروعية على نفسه، وذلك عن طريق وضع الحقوق مكان الأخلاق، ولكن لا تستطيع كافة قوانين ومقاييس الدولة أن تأخذ مكان الأخلاق، لأن الأخلاق قوة مرتبطة مع المجتمع، فهي التي تضفي المشروعية على المجتمع وتقوم بحماية المجتمع، وتضم كافة المكونات الاجتماعية، وتعمل على بناء الوحدة والاتحاد فيما بين مكونات المجتمع، ولكن حقوق الدولة التي تسعى إلى وضع المجتمع تحت سيطرتها وذلك عن طريق القانون،  قد وضعت المجتمع بين أربعة جدران، لأن الإنسانية لم تنمو مع الدولة أو القانون أو بعض مقاييس الدولة، وإنما توجد قوة واحدة وهي قوة الأخلاق”.
وعلى هذا النهج سار ومازال يسير القائد عبد الله أوجلان في مشروع أخلاقي إنساني، يعتمد على الفكر النبيل والسياسة المثالية، التي توحّد الشعوب وتحقق العدل وتنصر المظلومين وهم الأكثرية في العالم بأسره..