سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

إضاءة على العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية

سيهانوك ديبو_

العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية خُلاصة فكر وواقع هُزِمَ – من خلاله وعبره – الإرهاب والاستبداد معاً، كما أنه يؤسس في الوقت نفسه لـ “حوكمة متماسكة” تحاكي واقعنا وتُغيّر مجتمعنا وتنطلق من ثوابت الفقه المجتمعي وتستفيد من الدساتير والتجارب في مختلف البلدان.
هذا العقد الاجتماعي معايرة للواقع الذي نعيش فيه وانطلاقة قويمة يتم فيه تطويع الدساتير والأعراف الأخرى – على اعتبارنا جزء من محيطنا – لمصلحة وتطلعات مجتمعاتنا وليس العكس؛ لا يمكن أن يكون العكس، أي تطويع مجتمعات الشرق الأوسط وفق دساتير ومصطلحات وأدبيات وقوانين كُتبت في بلاد أخرى تم تأسيسها والإعداد بها من خلال تفاصيل انطلقت من مجتمعات أخرى.
لن يسمح هنا بأننا نعلن القطيعة الابستمولوجية – على العكس – هو (العقد الاجتماعي) مراعاة قصوى؛ لكنه محدود بحكم دقائق الوقائع التي نعيشها ونحيا من خلالها ونأملها أن تكون؛ فنحن – مرةً أخرى – جزءٌ مهمٌّ من محيطنا الإقليمي والعالمي.
لأول مرة نكون من خلال هذا العقد الاجتماعي أمام مواد تعبِّر عن مدى واقعي تتبدد فيه السلطة على اعتبارها السلطة الجموح؛ وحتى الحد منها ويَجب من سلطات توازيها وتحدها على حد قول مؤسسي التشريع والقانون والفقه الدستوري.
في كتابتنا للعقد الاجتماعي -158 عضواً- وضعنا أمام أعيننا؛ أن كل الدساتير العالمية (الأمريكية وغيرها) غير كاملة، وبعض الدساتير هي معيوبة، وإلا لماذا لا تهدأ الحروب وتنتهي في كامل القرن العشرين؟ ولماذا كل هذه الأزمات التي تشتد في كامل المنطقة والعالم؟ ولماذا اندلعت أكثر من سبعين حرب بعد إعلان الأمم المتحدة أهدافها: (السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة)!!؟
هل يُتخيَّل حين كتابة “العقد الاجتماعي” أن يتم الأخذ بدساتير الدول القومية المركزية التي فُرضت على شعوب الشرق الأوسط والذي بدروه يترنح اللحظة ويعاني من كوارث ومجازر، لا تستباح فيه إنسانية الإنسان وبشرية الكرة الأرضية وحسب؛ إنما يُراد النيل والانتقام من الشرق الأوسط على أساس أنه منبع الحضارة والرافد الأساسي الذي انطلقت من خلاله ونمت كل الحضارات
يُجيب العقد الاجتماعي على أسئلة معرفية جداً مهمة؛ أهمها: هل قَدَر شعوب ومجتمعات الشرق الأوسط أن تترنح كـ “بندول” ساعة بين طرفين، سلطة الاستبداد المركزي أو العسكرتاريا، والطرف الآخر الإسلام السياسي؟ وكلاهما متورطان ويساندان ويتعكزان على بعضهما الآخر في كل لحظة تبرق بأنه حان وقت الخلاص، وقت البداية الصحيحة. وأسئلة أخرى تحد من الضربات التي نتعرض لها من قِبل مرجعيات الفوضى الخلاقة التي تستند قبل كل شيء إلى استطالات الفوضى الذاتية. كما أن العقد الاجتماعي يجيب محاولاً وبمسؤولية كبيرة عن أحد أخطر الأسئلة التي يجب على الشرق الجواب عنها بمسؤولية: لماذا يتحول المحرر في الشرق الأوسط إلى مستبد؟
العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية يعي تماماً بأن قوة مشروعه المتجسد في الأمة الديمقراطية مَن أفشلَ مشروع داعش وإعادة إنتاج الاستبداد شديد المركزية في الوقت نفسه، فمن حقه على اعتباره رمز عالمي ضد الإرهاب أن ينقل البندقية لصالح القلم فيبرز مسألة معرفية جداً مهمة مفادها: من قاوم الإرهاب والاستبداد في جعبته فكرة أساسية لحل القضية الأكثر تعقيداً في الشرق الأوسط والأكثر حاجة في حلها التي هي القضية الديمقراطية، ولا يمكن القول – مجرد القول – بأننا أمام حل القضية الديمقراطية دون حل للقضايا العادلة للشعوب وفي مقدمتها حل عادل للقضية الكردية.
بقي القول بإن العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية يتحلى بأقصى درجات المرونة ليصل به كما المادة 133 بأنه قابل للتعديل حين التوافق على دستور ديمقراطي في سوريا، ووضع قبل ذلك آليات لتعديل المواد الأساسية وغيرها من المواد، ولا يمكن لأحد الادعاء بأننا أمام حالة تم إغلاقها في العقد الاجتماعي؛ عكس ذلك – مرة أخرى- هو الأصح: يمكن القول بأنها بداية محصنة في طريق معنى الديمقراطية وجزء من مسار يهدف للوصول إلى إنفاذ السلام في العقل المجتمعي الشرق أوسطي. والشرق الأوسط جدير ببداية جديدة تليق به وبمكوناته وكامل ثقافاته؛ لكن هذه المرة يجب التأكيد على أن تكون الفكرة والنظرية من لدن واقعنا الشرقي. لا عيب في ذلك إلا لمن يعاني بالأساس من عُقَد الدونية والتبعية والفكر المستورد.