سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

لماذا نقتل الوقت؟

د. حسن مدن_

يستهجن سلامة موسى عبارة «قتل الوقت»، كأنه يتساءل: لماذا يتعيّن علينا قتل الوقت؟، ألهذا الحد الوقت رخيص فنقتله. لكي نفهم السياق الذي جاء فيه استهجان موسى “لقتل الوقت”، علينا الإشارة إلى أنه ورد في مقالٍ له بعنوان: «العادات التي تضعف الشخصية»، وحواه كتابه «الشخصية الناجعة»، وفي المقال أوضح موسى أن «قتل الوقت» يندرج في ما وصفه بـ«التسكع الذهني»، الذي هو إحدى «العادات التي تضعف الشخصية»، قائلاً: «نحنُ لا نقرأ من أجل قتل الوقت»، قاصداً أن القراءة ضرورية لتنمية معارفنا وتكوين ذواتنا، وليس لقتل الوقت، كأنه أرخص الأشياء، وللتوضيح نقتطف من المقال هذه العبارة: «أتعجب من الشاب الذي يلعب إحدى لعب الحظ، حين يقول إنه يقتل الوقت ولا يُقامر، كأن إضاعة ساعة من الزمن أرخص عنده من إضاعة قرشين من النقود».
من الأقوال المأثورة المتداولة: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، وجرى تحوير نطق كلمة السيف لتعني السيف، عنوان الحروب والقتال والمبارزة، فيما أصل القول مختلف، ولا شأن لسيف الحروب به، وعن مقال لعبد الله بن شماء منشور على موقع «نون» ننقل قوله إن الإمام ابن القيم ذكر هذه المقولة التي قالها الإمام الشافعي في كتابه «الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي» ونصّها كما يلي: قالَ الشافعي: «صحبتُ الصُّوفِية فَلَمْ أَستفدْ منهم سوى حرفين، أحدهما قولهم: «الْوَقْتُ سِيَفٌ، فَإِنْ قَطَعْتَهُ وَإِلَّا قَطَعَك»، فسأله الأمام أحمد: وما السِيَفُ ؟ فرد قائلاً: السِيَفُ (بكسر السين) هو الماء الجاري بين ضفتين»، وفي هذا يلتقي القول الصوفي الذي راق للإمام الشافعي بما رآه، لاحقاً، سلامة موسى، ويقال إن هذا القول أتى تلخيصاً لحكاية قوم كان عليهم الإسراع في مغادرة المكان الذي هم فيه، قبل أن يجتاحهم سيل قادم لن يبقي ولن يذر. الوقت هنا أيضاً ليس للتسلية وإنما لسرعة الإنجاز.
حكى الناقد إحسان عباس أن الشهيد غسان كنفاني أحضر له مخطوطة روايته «رجال تحت الشمس» لمعرفة رأيه فيها قبل نشرها، وبعد يومين عاد إليه يسأله عن ملاحظاته، ولما استمع إليه، قال: «لم تصل الرسالة إذن». أخذ غسان المخطوطة واختفى يومين، ليعود بها ثانية معدّلة على ضوء ملاحظات عباس، ثم غاب عنه يومين آخرين وعاد إليه من جديد لمعرفة رأيه، فوجد عليه علامات الرضا. حين أبدى إحسان عباس دهشته لغسان من سرعته في الإنجاز، ردّ عليه: «من يسيطر على اللحظة يفعل ما يريد». علّق عباس مشفقاً: «اهدأ قليلاً يا غسان». لم يُحِرْ غسان جواباً؛ لأن الأمر عنده واضح، فقال: «لا يليق الهدوء بحالتنا».