سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

لا متغيّرَ متوقعاً في إيران بعد رئيسي

بدرخان نوري_

من غير المتوقع أن يطرأ تغيير على السياسة الإيرانيّة الداخليّة والخارجيّة بعد حادث تحطم الحوامة التي تقِلُّ الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي والذي أودى بحياته، ذلك لأنّ المرشد الأعلى هو المرجعية الأساسيّة الذي تنتهي في يده كل خيوط التحكم بالسلطات في إيران، وخلال أكثر من أربعة عقود على النظام السياسيّ الحالي تناوب على منصب الرئاسة شخصيات وصِف بعضها بالمحافظة وأخرى بالإصلاحيّة دون متغير في التوجهات السياسيّة الداخلية والخارجية ولا حتى على مستوى العناوين.
 ارتباك طارئ بعد الحادث
الأحد 20 أيار 2024، انطلقت مروحية الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي من الحدود مع أذربيجان قبل أن تتحطم في منطقة جبليّة وعرة شمال غرب إيران، وكان في طريق العودة من محافظة أذربيجان الشرقيّة بعدما التقى صباحاً بالرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في مراسم افتتاح سد قير قلعة سي الذي يقع على نهر آراس الحدودي مع أذربيجان. ورافق رئيسي وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي وخطيب جمعة تبريز آية الله علي آل هاشم. وأسفر الحادث عن وفاة الرئيس الإيرانيّ.
كان من المفترض نقل الرئيس الإيرانيّ من مكان السد إلى أقرب مطار داخلي، أي إلى مدينة تبريز التي تقع في محافظة أذربيجان الشرقية، فيما يبعد مكان سقوط الطائرة عن المطار المفترض 54 كم، أي أنّ الحوامة، قطعت نصف المسافة نحو وجهتها.
عملية البحث كانت ماراثونية، حيث شارك 73 فريقاً، مستخدمين الكلاب المدرّبة والطائرات المسيّرة. تضاريس المنطقة الجبلية صعّبت البحث، حيث كان الضباب الكثيف يحجب الرؤية. وفعّل الاتّحاد الأوروبي بناءً على طلب طهران، نظام الخرائط الخاصّ به لمساعدة إيران في العثور على الحوامة التي تقلُّ رئيسي. وصباح الاثنين، أُعلن خبر وفاة رئيسي والوفد المرافق.
بعد الحادث مباشرةً بدأت التكهنات وزادت حدة بمرور الوقت وشملت احتمالات عديدة بما فيها نظرية المؤامرة، لكنّ المنطقيّ أن تعلنَ طهران عن حادث عادي لأسباب تقنية وعطلٍ طارئ أو سوء الأحوال الجويّة، وأيّ فرضية أخرى ستحمّلها أعباءً كبيرةً، فاستهداف شخص الرئيس على الأراضي الإيرانيّة حادث لا يمكن تجاوزه بل يتطلب الرد. لكن؛ طهران سرعان ما تجاوزت الارتباك الطارئ. وأعلنت الخبر عبر وسائل إعلامها بالصورة المتداولة.  وأكدت الحكومة الإيرانيّة في بيان أنها ستواصل العمل دون “أدنى خلل” بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي. وجاء في البيان الحكومي “تؤكد الحكومة للشعب الإيرانيّ الوفي والمقدر والعزيز على أن طريق العزة والخدمة سيستمر وبفضل روح آية الله رئيسي البطل وخادم الشعب والصديق الوفي للقيادة التي لا تعرف الكلل (…) لن يكون هناك أدنى خلل أو مشكلة في الإدارة الجهادية للبلاد”.
في 22/5/2024 أكّد وزير الخارجية الإيرانيّ بالوكالة مواصلة الدبلوماسية لتعزيز علاقات إيران الدولية اعتبر وزير الخارجية الإيرانيّ بالوكالة علي باقري كني، الاتصالات الهاتفية لعدد من كبار المسؤولين الأجانب معه، بأنها فرص مواتية للتأكيد على إرادة إيران في انتهاج الدبلوماسية الفاعلة والقائمة على توسيع وتعميق العلاقات بين إيران والدول الأخرى.
وانتخب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران في انتخابات 18/6/2021 وفاز بنسبة 61,95% من أصوات الناخبين، وبلغت نسبة التصويت 48.8٪ من الناخبين وشارك 28 مليون إيرانيّ في انتخابات الرئاسة من أصل 59 مليوناً يحق لهم التصويت. وهي أدنى نسبة مشاركة للناخبين في تاريخ الانتخابات الرئاسية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979. فيما كانت النسبة الأدنى للإقبال على صناديق الاقتراع سابقاً في الانتخابات الرئاسية السادسة في إيران عام 1993، وبلغت 50.7٪ وفاز حينها هاشمي رفسنجاني بولاية ثانية. وبفوز رئيسي عاد المحافظون الإيرانيّون إلى السلطة بعد ثماني سنوات من حكم الإصلاحيين بقيادة حسن روحاني.
 الخليفة المُحتمل
أعلن مجلس صيانة الدستور المعني بالإشراف على الانتخابات إجراء الدورة الرابعة عشرة في 8/7/2024. وتتجه الأنظار نحو عدد من الشخصيات المرشحة للرئاسة ومنهم:
1ــ محمد مخبر: نائب الرئيس الإيرانيّ وتولى مهام الرئيس وفقاً للمادة 131 من القانون حتى انتخاب رئيس جديد. ترأس لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني وهي مؤسسة حكومية مختصة بالشؤون الخيرية، وكان المدير التنفيذي ونائب الرئيس التنفيذي لشركة خوزستان للاتصالات. وأدرجه الاتحاد الأوروبي عام 2010 على قائمة العقوبات لصلته ببرنامج إيران الصاروخي. وأدرج على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية في كانون الثاني 2021. وكان قريباً من المرشد الأعلى علي خامنئي. وفي آب 2021 اختاره الرئيس إبراهيم رئيسي نائباً أول له. وقبل ذلك، تدرج في عدة مناصب منها إدارة دائرة الصحة بمسقط رأسه، وكان معاوناً لمحافظ خوزستان ورئيس مصرف بالقطاع الخاص.
وترأس مخبر من قبل صندوق “ستاد” للاستثمار المرتبط بالزعيم الإيرانيّ الأعلى. الاسم الكامل لصندوق “ستاد” هو بالفارسية (ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام) أو “هيئة تنفيذ أوامر الإمام” وتأسس بموجب أمر من الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية. والمهمة هي إصدار أوامر للمساعدين والمستشارين لبيع وإدارة ممتلكات وأصول قيل إنها تركت في فوضى عمّت لسنوات بعد الثورة الإسلامية في 1979 وتوجيه أغلب ما يعود منها لأغراض خيرية. وبالمجمل لديه فرصة استثنائية لإظهار قدراته خلال الـ 50 يوماً الدستورية رًئيسا مؤقتاً للبلاد.
2ــ علي لاريجاني: كان رئيس البرلمان الإيرانيّ لفترة طويلة وهو من عائلة سياسية بارزة في إيران. لديه تاريخ طويل في المناصب الحكومية والسياسية. وتولى رئاسة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيرانيّ) خلال أعوام 2008 ــ 2020. وخلال تلك الفترة، وكان له تأثير كبير على التشريعات والسياسات الوطنية. كما شغل منصب مستشار الأمن القومي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي. كان له دور كبير في صياغة السياسات الإيرانيّة الداخلية والخارجية والمفاوضات النووية. رغم تاريخه السياسي الطويل، قد يتم استبعاده من الترشح للرئاسة، ولكن يظل له دور في المناصب التي تُملأ بالتعيين. وخسارته في الانتخابات السابقة تضعف فرصة ترشحه مجدداً.
3ــ سعيد جليلي: سياسي إيرانيّ محافظ وكان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي خلال أعوام 2007 ــ 2013. يُعرف بتوجهاته المتشددة وقد شغل منصب كبير المفاوضين النوويين لإيران. وخسر جليلي ساقه في الحرب العراقية الإيرانيّة، وهو ما أضاف إلى صورته كمحارب متفانٍ في سبيل بلاده. يعرف بأنه يتبنى أيديولوجية متشددة تتماشى مع الثورة الإسلامية في إيران، وهو حليف مقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي. ورغم شعبيته بين الأوساط المحافظة، يواجه جليلي معارضة من بعض الدوائر السياسية الإيرانيّة بسبب مواقفه الصارمة التي قد تؤدي إلى نزع الاستقرار في البلاد.
4ــ محمد باقر قاليباف: رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) 2020 ــ2024. وكان قائداً في الحرس الثوري الإيرانيّ وقائد شرطة طهران، وله تاريخ طويل في المناصب العسكرية والسياسية. وصفه موقع إيران واير اللندني بأنه “المرشح الأكثر استعداداً”. ويواجه قاليباف انتقادات بسبب ملفات فساد كبيرة، ما يجعل فرصه في الحصول على دعم واسع من المحافظين الجدد صعبة. قضايا الفساد التي تحيط به قد تعيق تمريره كمرشح قوي للرئاسة.
5ــ محسن رضائي: أمين المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصاديّ، ورغم أنه يُنظر مرشحاً محتملاً وسبق أن رشح نفسه للانتخابات الرئاسيّة، إلا أنّ “جبهة رفاق الثورة الإسلامية” في إيران، نفت نية عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي الترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة. وقال المتحدث باسم لجنة الانتخابات في الجبهة ميثم نادري، في تصريح صحفي نشرته وسائل إعلام رسمية، الإثنين 27/5/2024 إن رضائي، المنتمي للجبهة، لن يدخل السباق الانتخابي. ولفت نادري إلى أن جبهة شريان ستجتمع خلال اليومين المقبلين لدفع عدد من المرشحين لسباق الانتخابات الرئاسية، “لكننا لم نصل بعد إلى الخيار النهائي”. ونظراً لتحميله مسؤولية الفشل الاقتصادي وتدهور العملة الإيرانيّة، فمن الصعب إعادة تسويقه مرشحاً للرئاسة، لكنه قد يلعب دوراً كمنافس صوريّ لإظهار تعددية الانتخابات.
وعن تأييد هذه الجبهة لمرشح التيار الأصولي المحافظ (جبهة الاستقامة) سعيد جليلي الذي يعد الأوفر حظاً للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية، اكتفى نادري بالقول إن “جليلي من رجال الجبهة الثورية الطيبين وله خطاب جيد وهو من الأشخاص الموثوق بهم”.
6ــ برويز فتاح: شغل منصب رئيس مؤسسة المستضعفين، وهو من الشخصيات المعروفة بتوجهاتها المحافظة والمتشددة. لديه خلفية قوية في الإدارة الحكومية والمؤسسات الخيرية. ويواجه فتاح تحديات في الحصول على دعم واسع من كافة الأطياف السياسية نظراً لتوجهاته المتشددة، ولكن لديه قاعدة دعم قوية بين المحافظين.
7ــ رضا زكاني: رئيس بلدية طهران ولعب دوراً مهماً في قمع التظاهرات. يُعرف بقسوته في التعامل مع الأزمات الأمنية، لكنه يفتقر للخبرة في إدارة الدولة والسياسة الخارجية والتعامل مع القضايا الدولية، مما يجعله خياراً أقل جاذبية لبعض الدوائر السياسية.
8ــ مهرداد بذرباش: وزير الطرق وإعمار المدن. يُعدّ من الشخصيات الشابة التي سيكون لها مستقبل سياسيّ واعد. ويتمتع بفرص جيدة ليكون له دور بارز في المستقبل السياسي لإيران بفضل خلفيته في تطوير البنية التحتية ودعمه من بعض الدوائر السياسية.
9ــ علي شمخاني: الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القوميّ ومن أبرز الشخصيات المرشحة للرئاسة. لديه خبرة واسعة في الشؤون الأمنية والسياسية. ويتمتع بفرص قوية بسبب خبرته الكبيرة في الشؤون الأمنية والسياسية
10ــ محمد رضا عارف: رئيس الوفد الإيرانيّ المفاوض خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، ويُتوقع ترشحه.
11ــ محمود أحمدي نجاد: الرئيس الإيرانيّ السابق، ورغم استبعاده في الانتخابات الماضية، فقد يرشح نفسه مجدداً.
تحديات قائمة
التحديات التي تواجه النظام الإيرانيّ في هذه الفترة الحساسة تتطلب مرشحاً يمكنه تهدئة الشارع الإيرانيّ وتقليل حجم المعارضة لضمان استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.
تسعى طهران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الدول الغربية، لعله يخرجها من الأزمة الاقتصادية التي هي فيها ويسمح بعودة المستثمرين والشركات العالمية إلى البلاد. كما تريد أيضا تحسين علاقاتها الدبلوماسية مع جيرانها في منطقة الخليج وفي مقدمتها السعودية والعراق وبعد أن شهدت تدهوراً ملحوظاً خلال عهدتي روحاني.
يعد الوضع الاقتصادي أولوية في جدول أعمال الرئيس الجديد للجمهورية. ودخلت إيران في ركود اقتصادي اعتباراً من عام 2018، في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة بشكلٍ أحادي من الاتفاق حول البرنامج النوويّ الإيرانيّ، وإعادة فرضها عقوبات اقتصادية قاسية على طهران.
على الرئيس الجديد إيجاد مسار جديد من أجل ضمان تحسّن بالحد الأدنى للظروف الاقتصادية للشعب من خلال إدارة منسوب التوتر مع الإدارة الأمريكية القادمة، ولا يعتبر فوز دونالد ترامب فألاً حسناً بالنسبة لطهران، فهو الذي وقع في 8/5/2018 على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران. ووصف الاتفاق بأنه “كان مروعاً من جانب واحد ما كان ينبغي إبرامه أبداً. لم يحقق الهدوء ولا السلام ولن يحققهما أبداً”. والسبب الثاني الذي قدمه ترامب للانسحاب لكونه لم يتصدَ لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانيّ وأنشطتها النوويّة بعد عام 2025.
وكان طهران قد توصلت مع مجموعة (5+1) إلى اتفاق حول برنامجها النوويّ في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وتم توقيعه في 14/7/2015 بعد جولات ماراثونيّة من الاجتماعات استمرت 12 سنة.
المُرشد يُمسك بالسلطة
المرشد الأعلى
يكرّس الدّستور الإيراني سلطة الفقيه على مختلف مظاهر الحياة، وهو أعلى سلطة في إيران، بصلاحيات مطلقة للفصل في كلّ شؤون الدولة، بما فيها السياسة النووية وقرار السلم والحرب، وله سلطة مباشرة على الجيش، والحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات والشرطة، وعلى فيلق الحرس الثوريّ الإسلاميّ (المسؤول عن الأمن القوميّ)، وجناحه التطوعي، قوة مقاومة الباسيج. فيما الرئيس هو أعلى مسؤول منتخب وهو المسؤول عن الإدارة اليومية للحكومة، وله أيضاً تأثير على السياسة الداخلية والشؤون الخارجي.
رئيس الجمهورية
بحسب المادة 13 من الدستور، هو أعلى سلطة سياسيّة بعد المرشد الأعلى، ويُنتخب لفترتين رئاسيتين كحد أقصى مدة كل منها أربع سنوات، لكنه في معظم صلاحياته يتبع المرشد الأعلى.
مجلس صيانة الدستور
يعيّن المرشد الأعلى ستة أعضاء من أصل 12 في مجلس صيانة الدستور، ويراقب المجلس مطابقة القوانين للدستور، ويفحص أوراق المرشحين الراغبين بخوض الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة، ويصادق على نتائجها.
مجلس الشورى
يتكون من 290 مقعداً ومدته أربع سنوات، ويملك سلطات سن القوانين، واستدعاء واستجواب الوزراء والرئيس. ويتولى أيضاً منح الثقة للحكومة وسحبها منها.
مجلس خبراء القيادة
هيئة دينية من 88 عضواً، يُنتخبون لثماني سنوات، ويتولى المجلسُ مسؤولية اختيار المرشد الأعلى، وتحديد صلاحياته، إضافةً لمراقبة أعماله وعزله، وهو بذلك متخصص بالحفاظ على تطبيق أسس وأركان، ما يعرف بـ”نظام ولاية الفقيه”.
مجلس تشخيص مصلحة النظام
هيئة استشارية من 31 عضواً يعينهم المرشد الأعلى يتولى حل الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، وبحال موت المرشد الأعلى أو عجزه يختار عضواً يتولى مهامَه حتى انتخاب مرشد جديد.