سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تركيا.. واعتداءاتها المستمرة ضد الكرد

دجوار أحمد آغا_

منذ إعادة تشكيل الشرق الأوسط ورسم الخارطة السياسة الجديدة وفق الاتفاقية الشهيرة “سايكس ـ بيكو” سنة 1916 ودولة الاحتلال التركي تعمل جاهدة من أجل إعادة إحياء العثمانية الجديدة، في مسعى منها لإعادة أمجاد السلطنة العثمانية وفق “الميثاق الملي”، الذي بموجبه تكون أراضي كردستان، في سوريا والعراق جزءاً من أجزاء تركيا، التي سُلخت عنها فيما بعد، بموجب اتفاقية لوزان 1923 حسب ما يدّعيه دوماً رئيس دولة الاحتلال التركي رجب طيب أردوغان، وأركان حكومته. تركيا التي ترى نفسها وريثة أراضي وأملاك السلطنة العثمانية، تحاول لعب دور يُعيد لها مكانتها الإقليمية والعالمية في خضم الفوضى الخلاّقة، التي تعيشها المنطقة في النزاعات والصراعات والحروب والأزمات المستمرة منذ 100 عام.
الخوف من الكرد
لأنها بُنيت على باطل، فهي تخشى دوماً أن يقوم أصحاب الحق بالقضاء عليها. لذا نراها دوماً تعمل في اتجاه تعزيز وجودها من خلال تقوية علاقاتها مع دول الجوار، وتقديم تنازلات إذا لزم الأمر للقوى الاستعمارية الكبرى في سبيل البقاء على وجودها. هي تشعر دوماً بالخوف والرعب من كلمة كردي أو كرد؛ لأنها بنت دولتها الحديثة على أرض الكرد، الذين قاموا بتقديم المساعدة للأتراك خلال قدومهم الأول من صحراء قره قوم في آسيا الوسطى باتجاه الأناضول. لولا دعم ومساندة الكرد لهم في معركة ملاذ كرد 26 آب 1071 لما تمكن الأتراك السلاجقة من الانتصار على الروم البيزنطيين.
المشاركة في الأحلاف 
نتيجة للخوف الدائم من سقوطها، ومن أجل تعزيز وجودها وكذلك محاربة الكرد، اتجهت إلى المشاركة في أحلاف عديدة. سنكتفي بذكر ثلاثة نماذج من الأحلاف، التي شاركت فيها تركيا “لغاية في نفس يعقوب”.
1ـ حلف سعد آباد 8 تموز 1937 تم التوقيع في قصر سعد أباد في العاصمة الإيرانية طهران (إيران، والعراق، وتركيا، وأفغانستان) الهدف الرئيسي من المعاهدة كان التعاون فيما بين العراق وإيران، وتركيا في مواجهة الكرد وانتفاضاتهم، التي كانت في ذروتها (ثورة سيد رضا ديرسم 1937)، بالإضافة إلى أن الدول الثلاث تتقاسم فيما بينها أراضي كردستان.
2ـ حلف الناتو 18 شباط 1952 قدمت تركيا طلب الانضمام في العام 1950 بعد عام واحد من تأسيس الحلف، لكن تم رفض الطلب من دول الحلف، وفي العام 1952 وبعد مشاركة تركيا في مشروع مارشال، وخلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي تمت الموافقة على عضوية تركيا.       
3ـ حلف بغداد 24 شباط 1955 مقر الحلف كما هو مبين من اسمه، هو بغداد، وقد ضم (العراق، وإيران، وتركيا، وبريطانيا العظمى، وباكستان). الهدف المعلن كان الوقوف في وجه الاتحاد السوفييتي، وإيقاف المد الشيوعي تجاه دول المنطقة، خاصة إذا ما علمنا بفوز النائب الشيوعي خالد بكداش في الانتخابات البرلمانية السورية، التي جرت في العام 1954 في الدورة الأولى عن دائرة دمشق، فحصل أعلى نسبة أصوات، فيما لم يستطع النائب البعثي صلاح الدين بيطار الحصول عليها. حقيقة؛ كان الحلف موجهاً ضد الكرد بشكل خاص والتوجه اليساري الديمقراطي المتنامي في سوريا والعراق بشكل عام.
توقيع الاتفاقات الأمنية 
وقعت تركيا الكثير من الاتفاقات الأمنية مع دول الجوار، وخاصة إيران، والعراق، وسوريا؛ بهدف القضاء على حركة التحرر الكردستانية. فبدأت أولى الاتفاقيات الأمنية مع إيران سنة 1926 تحت اسم “معاهدة صداقة”، واستمرت في التنسيق الأمني مع إيران حتى اليوم على الرغم من الظهور الرسمي بمظهر الخلاف، لكن في حقيقة الأمر حينما يتعلق الأمر بالكرد فهم متفقون. كما أنها وقعت العديد من الاتفاقيات الأمنية مع العراق، وفي مقدمتها اتفاقية 1983 التي سمح بموجبها صدام حسين لتركيا بالتوغل في الأراضي العراقية مسافة عشرة كيلو مترات، لكن تركيا توغلت مسافة 30 كم في آذار من العام نفسه، دون أي رادع من العراق؛ ما شجعها على الاستمرار في الاعتداءات والتوغل، وإنشاء قواعد عسكرية في باشور كردستان بعد العام 1991.
من الطبيعي أن تنتهي الاتفاقيات الأمنية مع سقوط الأنظمة التي وقعتها، لكن تركيا تستمر في التوغل في العراق، ولمسافات تصل أحياناً إلى 50كم تحت ذريعة هذه الاتفاقيات، على الرغم من سقوط نظام صدام حسين.
اتفاقية أضنة مع سوريا 
بعد التهديدات الجدية، التي أطلقتها تركيا ضد سوريا والتلويح باجتياحها نتيجة وجود القائد عبد الله أوجلان فيها، وعلى الرغم من مغادرته سوريا، لكن تركيا أصرّت على توقيع اتفاقية أمنية مع سوريا، والتي سميت باتفاقية أضنة الموقّعة في مدينة أضنة التركية بتاريخ 20 تشرين الأول 1998. بموجب هذه الاتفاقية سمحت سوريا لتركيا التوغل في الأراضي السورية لمسافة خمسة كيلو مترات فقط لكن تركيا فيما بعد استباحت الأراضي السورية مثلما فعلت في الأراضي العراقية، واحتلت الكثير من المناطق السورية.
الاعتداءات المستمرة 
منذ فشل مفاوضات السلام، التي كانت تجري بين حكومة أردوغان والقائد عبد الله أوجلان خلال أعوام 2013، 2014 ـ 2015، بدأت تركيا مرة أخرى بالهجمات والتوغلات في مناطق باشور كردستان بالإضافة إلى احتلال مناطق في شمال سوريا (إعزاز، وجرابلس، وعفرين، وسري كانيه، وتل أبيض “كري سبي”).
مناطق الدفاع المشروع 
هذه المناطق تم الاتفاق عليها بين حركة حرية كردستان، وحكومة إقليم كردستان، وتركيا خلال المفاوضات، التي كانت تجري بين القائد عبد الله أوجلان والدولة التركية، والتي كانت أحد بنودها انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني من باكور كردستان والاستقرار في مناطق الدفاع المشروع في باشور كردستان، حيث وافق البرلمان الكردستاني في الإقليم على ذلك. لكن؛ مع إفشال مفاوضات السلام عادت تركيا إلى إطلاق حملات القصف الجوي والتدخلات البرية، التي توقفت خلال فترة المفاوضات ساعية بقواتها كلها للقضاء على مقاومة الكريلا في جبال كردستان، لكنها لم تستطع ذلك، لأن المقاومة حق مشروع للشعوب في النضال من أجل تحرير أوطانها من المحتلين.