عالم الألوان عالم فسيح مليء بالإثارة، وله آثار فاعلة على النفس البشرية، فمثلاً لو سألت أحداً عن سبب ارتداء الأطباء اللون الأخضر في ملابسهم في غرفة العمليات. لأجابك أن اللون الأخضر لون السلام والطمأنينة، وما إلى ذلك، فنحن للوهلة الأولى لا ننكر هذا، ولكن لذلك اللون الأخضر وجهة أخرى، وطريق مختلف تماماً.
إن للألوان تأثيراً كبيراً، وفعالاً على النفس البشرية، لذلك يرتدي الأطباء والجراحون ملابس خضراء اللون، أو مائلة للون الأخضر في غرفة العمليات، فهو اللون الذي يعكس السلام والطمأنينة في نفوس المرضى.
وتوجد كثير من التفسيرات فاجأت العلماء والباحثين، من بينها ذلك التأثير العجيب، والعميق للألوان في حياتنا، فالحقيقة العلمية كشفت أن الألوان ليست فقط مجرد اختيارات مفضلة في الملابس والهدايا، ولكنها تلعب أدواراً أكثر عمقاً ودلالة، خصوصاً فيما يتعلق بالحالة النفسية والمزاجية، والصحية للمرضى، واستخدام طاقاتها وذبذباتها في العلاج والاستشفاء، والتأثير على المرضى، الذين يعانون من مشكلات صحية وعضوية.
ويتخطى ربط اللون بتفسير الحالة النفسية، ويتعداه إلى تأثير في الأعضاء والقدرات الذهنية، والتعبيرية والسلوكية بطرق علمية مدروسة يستخدمها المتخصصون.
نتساءل أحياناً عن سبب ارتداء الأطباء ملابس العمل، بلونها الأخضر أو الأزرق في غرفة العمليات، دون ارتداء الملابس البيضاء، أو غيرها من الألوان؛ اتضح أن هذه الممارسة، التي تبدو غير مهمة يمكن أن تحدد نجاح العملية الجراحية.
في الواقع، لم يكن الأمر كذلك حتى جائحة الإنفلونزا عام 1918 وظهور نظرية المطهرات، التي أدت إلى استخدام الأقنعة الجراحية، والقفازات المطاطية والسترات والقبعات المطهرة. وبعد فترة وجيزة، بدأ الجراحون في ارتداء اللون الأبيض أثناء الجراحة لربط أنفسهم بلون النظافة، وفقاً للموقع الطبي boardvitals.
اللون الأبيض يمكن أن يصيب الجراحين بالعمى لحظات عدة
خلال هذا الوقت في أوائل القرن العشرين، بدأ الجراحون في إدراك المشكلات المتعلقة بارتدائهم اللون الأبيض. تكمن المشكلة في أن اللون الأبيض النظيف يمكن أن يصيب الجراحين بالعمى للحظات إذا قاموا بتحويل نظرهم من اللون الداكن للدم باتجاه ملابس زملائهم. يحدث التأثير نفسه، عندما تخرج لأول مرة في الشتاء، وترى ضوء الشمس ينعكس على الثلج، هذا يسبب انعدام الرؤية للحظات!
بدأ الأطباء يعانون من الصداع بسبب التحديق في الملابس البيضاء لزملائهم لفترة طويلة. وفي عام 1914، تحول أحد الأطباء المؤثرين إلى ارتداء اللون الأخضر عند الجراحة، لأنه اعتقد أنه سيكون أسهل على عينه.
اللون الأخضر يساعد الأطباء على رؤية أفضل
بدأ الجراحون في أنحاء العالم في تغيير ملابسهم البيضاء إلى الأزرق أو الأخضر. وقد سهل هذا الأمر أيضاً على العاملين في المستشفيات الذين واجهوا مهمة صعبة للغاية تتمثل في محاولة إزالة بقع الدم من ملابس الأطباء.
يكون اللونان الأخضر والأزرق عكس اللون الأحمر في طيف الضوء المرئي، وأثناء العملية، يركز الجراح دائماً على الألوان الحمراء. اللون الأخضر مناسب تماماً لمساعدة الأطباء على الرؤية بشكل أفضل في غرفة العمليات، لأنه عكس اللون الأحمر تماماً على عجلة الألوان.
ولهذا السبب، فإن اللونين الأخضر والأزرق لا يساعدان فقط في تحسين حدة نظرالجراح، بل يجعلهما أيضاً أكثر حساسية للظلال المختلفة من اللون الأحمر. وبالتالي يساعدهم في إيلاء اهتمام أكبر الفروق الدقيقة في علم التشريح البشري؛ ما يقلل بشكل كبير من احتمالية ارتكابهم خطأ أثناء العملية.
للأسباب التالية يعدُّ اللون الأخضر يليه الأزرق من أفضل الألوان المناسبة لارتدائها في غرفة الجراحة:
-النظر إلى اللون الأخضر أو الأزرق يمكن أن ينعش نظر الطبيب بعد النظر المطول إلى الأشياء الحمراء كالدم وأنسجة المريض أثناء العملية.
–الدماغ يفسر الألوان لبعضها البعض.
-النظر للون الأحمر والوردي يجعل الدماغ أقل حساسية تجاههما؛ ما يجعل من الصعب على الطبيب تمييز الأعضاء الداخلية للمريض؛ لذلك فإن النظر للون الأخضر من فترة لأخرى أثناء الجراحة يجعل العين أكثر حساسية لدرجات اللون الأحمر.
-التركيز العميق على اللون الأحمر يمكن أن يؤدي إلى تشتيت الأخيلة الخضراء على السطوح البيضاء.
