سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

هل يغيّر الكاتب العالم؟

حياة الرّايس (كاتبة تونسية)_

سأل أحد الكتاب المبتدئين الفيلسوف السّاخر برنارد شو: لماذا تكتب؟
فأجاب برنارد شو: “من أجل المال”.
فاستغرب الكاتب الشاب. وبقي مندهشا حتى أنقذه برنارد شو من دهشته. معيدا عليه السؤال نفسه.
ـ وأنت لماذا تكتب؟
فأجاب الكاتب المبتدئ: “من أجل الأخلاق”.
فارتسمت على شفتيْ برناردشو ابتسامته المعروفة وقال:
ـ “إيه كلّ واحد يكتب عن الشيء الذي ينقصه”.
يعتقد كثير من الكتاب أنهم يكتبون من أجل تغيير العالم. أو هكذا يبدو الأمر لهم. خاصة في بداية حياتهم الأدبية والفكرية. ولكن هل يصّح هذا الاعتقاد ويبقى راسخا حتى نهاية مسيرتهم الأدبية؟ هل يغيّر كاتب العالم فعلا؟ يحضرني هنا اعتراف الكاتب “جون غاهينو” الذي ألّف ما يقرب من عشرين كتابا. منها “مذكرات رجل في الأربعين” “شباب فرنسا” “مذكرات ثورة 38/ 1936″ و”موت الآخرين” وأيضا “رحلة مذكرات السنين الهالكة ” بالإضافة إلى كتابيه “في السجن” و”فرنسا والعالم “…
في مذكراته التي كتبها وقد بلغ من العمر 96 سنة. يعترف هذا الكاتب، الذي أخذ على عاتقه تحرير الإنسان ومساعدته عن طريق كتاباته. يعترف بكل مرارة: “لم أحرّر أحداً”.
في مذكراته يروي “جون غاهينو” أنه لمّا كان في العشرين من عمره، وعد نفسه بأنّ عشر سنوات كافيه لتغيير العالم. ومرّت السنوات العشر، والعشرون والثلاثون… وهو لم يغير شيئا.
وإذا كان العالم قد تغيّر، فغصبا عنه وخارج إرادته. وربما ضدّه كما أصبح يعتقد. وقد استطاع أن يعترف وفي هذه السن أيضا: “لم أكن اعتقد كثيرا في حقيقة العالم حولي. ولم أكن أخذ الوقت الكافي لرؤيته. لم أكن أفكر إلا في تغييره أو إعادة تشكيله. ومرجعي الوحيد في ذلك هو أحلامي. لقد كنت مشغولا بتغيير العالم، أكثر من التعرّف عليه”.
على أن “غاهينو” كان متشبثا بالحياة مثل أي إنسان. وإذا كان كل إنسان لا يريد أن يموت؛ فإن غاهينو كان يصرخ “لا يجب أن أموت” وكان يحلم ككل كاتب أن يترك شخوص رواياته، يخلدون اسمه كما ترك فلوبير “مدام بوفاري”، وكما ترك ديستوفسكي “فرفارا بتروفنا” وستيفان تروفيموفتش.
كل أديب يحلم بتغيير العالم. ولكن الذي يحدث في كثير من الأحيان، أنه هو الذي يتغير. في البدء تكون الحميميّة والصدق والسريّة بين الأديب وكتاباته. ثم عندما يخرج الكتاب يجد الكاتب نفسه فجأة محلّ كل الأنظار. وكأنه في غرفة كلها مرايا تبعث له بمئات الانعكاسات عن صورته. فيلاحظ أن بعض صوره تبدو للآخرين أكثر جمالا وأكثر إغراء. فلا يحاول بعد ذلك أن يبرز هذه الصور أكثر، عندما يبدأ في تأليف كتاب ثان؟ ويظل في صراع بين رغبته في أن ينال إعجاب القراء وبين أن يبقى هو ذاته؟
وهذا يؤيده قول “رومان رولان” نحن نكتب أولا لأنفسنا ثم بعد ذلك نكتب للناس كلهم”.
نكتب أولاً لأنفسنا لسدّ رغبة ضرورية وملحة. ثم بعد ذلك نكتب للناس. ولكن من هم كلّ الناس؟
قد يتصور الأديب أن الناس كلهم يشبهونه -وهذا خطير- فتصبح كتاباته، التي هي للناس ليست إلا كتابة لنفسه في حقيقة الأمر.