سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تاريخ اللغة الكردية

تبلور أشكال حروف الأبجدية الكردية عبر التاريخ ـ1ـ

برادوست ميتاني_

يقول الفيلسوف عبد الله أوجلان اللغة كالتاريخ والجغرافية، هي الجسد الذي تعيش فيه الروح وبدون هذا الجسد لا حياة للروح؟ لذا فإن اللغة الكردية هي الجسد الذي تعيش فيه الكردايتي، وبسبب تلك الحقيقة وجه أعداء الكرد سهامهم المسمومة إلى جسد الأمة الكردية، وفي المقدمة إلى روحها حيث اللغة الكردية، فحاولوا مراراً وتكراراً وبكل الوسائل اللاإنسانية طمسها وإنكارها بدءًا من جذورها المتعمقة في التاريخ، وبكل الأسف نجحوا في ذلك إلى حد بعيد بأساليب الإكراه والترهيب تارة، وبأساليب الترغيب باللعب على أوتار الإيمان خاصة في الدين تارة أخرى. ولكن كما يقول الكرد: “Giha di bin keviran de namin e” أي “لا تبقى الأعشاب تحت الحجارة”، لأنها تجهد في نفسها كي تخرج من تحتها، وتستمر في النمو. ذلك ما حدث وما يحدث مع الشعب الكردي بشكل عام ومع لغته بشكل خاص. فبفضل الحجم الكبير للوجود الكردي وعدده الهائل، وغناه الثقافي وتراثه الدفين والعريق وبجهود المخلصين والمختصين، تمكنت اللغة الكردية من الحفاظ على وجودها، وأمكن للكرد إزالة جزء من الغشاوة، التي صنعتها الأنظمة والعنصريون، عن التاريخ الكردي، فأخذت المصادر تكثر هنا وهناك للبحث عنها، كما أن هذه المصادر تصل إلى قدم تاريخ الكتابة الكردية الطويل، الذي يعود إلى أكثر من أربعة آلاف سنة ق.م.
مرحلة ما قبل التاريخ 
تعود اللغة من حيث النطق والكلام لدى الكرد إلى زمن الإنسان العاقل هوموسبيانس في كردستان، أما من حيث الحروف فتمتد الكتابة إلى الشكل المأخوذ من الصور، فكان التعبير عن شيء برسم صورة له، لذا تسمى بالكتابة الصورية. ثم انتقل الإنسان بشكل عام، وإنسان ميزوبوتاميا بشكل خاص بمن فيهم الكرد إلى استخدام الرمز للتعبير الدال على المعنى. مثال ذلك برسم رمز يدل على النهر وبجانبه رسم إنسان، بمعنى: سار الإنسان مع النهر أو البحر.. وهكذا، فسميت بالكتابة الرمزية.
مرحلة التاريخ
لغة سومر
بتقدم الإنسان وذهنيته أخذت الكتابة الصورية تتحول إلى الرموز ومن ثم إلى الحروف، وخاصة لدى الكرد، الذين أسسوا دولاً وإمبراطوريات بدأت عند الإيلاميين والكاشيين، ومن ثم عند الكوتيين والهوريين وغيرهم، وقد اشتهرت في سومر وكردستان باسم الكتابة المسمارية 3500 ق.م، إذ أن للكرد دوراً كبيراً في بناء حضارة سومر بسبب وجودهم فيها بفترة تجاوزت بكثير عن ألف عام وشمل تأثيرهم ميزوبوتاميا وخارجها.
لنترك هنا الجانب السياسي للتأثير الكردي في الحضارة السومرية، ولنكتفي فقط بالجانب اللغوي، فعندما نتناول الجانب اللغوي الكردي السومري يعني ذلك أننا نبحث عن الجذور الأولى للغة الكردية من جهة، وعن العلاقة الروحية بين اللغة الكردية والسومرية من جهة أخرى سواء من حيث شكل الحروف، أو من حيث النطق والألفاظ.
من حيث القواعد والحروف والكتابة 
تظهر الرقم الطينية شكل الحروف لدى الكاشيين، والإيلاميين، والسوباريين والكوتيين والسومريين بأنها كانت واحدة وتسمى بالمسمارية، أي أن الشكل والمنشأ واحد مع السومرية.
اللغتان الكردية والسومرية تشتركان بصفات خاصة فيما بينها، فهما من عائلة لغة ذات كتابة لاصقة (1) وممتزجة وغير اشتقاقية بشكل عام، أي أن اللفظ لا يشتق من بعضه كما هي في العربية. بل يمكن تركيب كلمتين مع بعضهما وإيجاد كلمة أخرى منهما بمعنى جديد. مثال: لو (الرجل)- كال (العظيم)= لوكال أي الرجل العظيم. نو (الجديد) روز (اليوم) نوروز = اليوم الجديد، وهناك أمثلة كثيرة في اللغة الكردية مثل: سروك – كومار تصبح سروكومار، رو- هلات تصبح روهلات، سر- بان تصبح سربان وهكذا….
لا يسبق الفعل الفاعل في الجملة كما هو في اللغة العربية، أي هكذا: نجح الطالب، بل أن في السومرية والكردية، يأتي الفعل في النهاية، هكذا: خوندكار بي سه ركت”Xwendekar bi Ser ket” .
ولا يوجد فيهما المثنى كما هو في العربية، بل يوجد المفرد فقط، مثال: برخي نير- Berxê Nêr، أي “الخروف الذكر” ، حيث لا يوجد في السومرية والكردية بصيغة المثنى، أي لا يوجد الخروفان الذكران إلا باستخدام العدد اثنان، أي هكذا: “دو برخين نيرَ- Du Berxên Nêr”.
كما لا يوجد فيهما أي الكردية والسومرية المؤنث، إلا بالإشارة إلى الجنس من خلال الجملة. فـ “البرخ- Berx” هكذا بمفرده هو “برخ- Berx” سواء ذكر، أو أنثى ولكن داخل الجملة يتم معرفة ذلك. مثال: برخي نير- Berxê Nêr، برخا مي-  Berxa mê وهكذا.
توجد في السومرية ومثلها الكردية الأحرف (Ç،J،P،G) ولكنها لا توجد في العربية، ولا توجد فيهما حروف (ث، ض، ط، ح)، وكما أن اللغتين السومرية والكردية تحويان حروف العلة (A،U،E ،I).
من حيث الأسماء 
توجد أسماء كثيرة متطابقة أو قريبة من بعض في السومرية والكردية، مثل: كار- العمل، كوي- الجبل ومازال هذا الاسم مستخدماً لدى أهلنا الزازايين، كالكامش- الثور العظيم، كاستير- القصدير، الرفش- مر، روفي- الثعلب، توبوداناتو- كاتب الطابو، زكوتو- الزكاة، شاركشتي- ملك العامة، خور- الشمس، ومازالت تستخدم لدى أهلنا الصورانيين وغيرهم، مي- أنثى، آكر- النار، إينانا- اليقين ومنها أين ونينى أي الجمعة والسيدة الكبيرة، نانكي- سيدة المكان، نك- القدم،  ده ب- لوحة للكتابة ومنها الخشب ودبتر ودفتر ودبستان، مشكين- مسكين وهم الطبقة الدنيا لدى السومريين والهوريين الخوريين وغيرهم من أجداد الكرد، زند- الساعد، آ أي آف الماء، ناندا أي نان- الخبز، كـَة أي كَنم- القمح، شة أي جة- الشعير، سَم أو سَن وهسن- الحديد، نشار- نجار، سَنكري- الحداد، كَا- الثور، قولة أي كولة- الخادم، قيزك- الفتاة، ميش- ذباب، كاكا- الأخ، كَوت أي جوت- المحراث، باران- المطر، تي- العطش، باتيس أي باديشاه- الملك،  بِر- كثير، دار- شجرة، كور- عميق، اوتو- الشمس ومنها الآن في اللغة الكردية هتاو- الشمس واوتي- المكواة وإيتون- الحرارة، أمة – الجماعة والآن في الكردية أمت، سو- بالكردية (سور)- الأحمر،  كَل- الشعب.
من حيث الديمومة والاستمرارية 
إن مدينة أرك تسمى أركواز في منطقة إيلام المتحولة من اسم أوروك، وتسكنها الآن قبيلة ملكشاهي الكردية. كما أن قبيلة سورميرا الكردية تسكن بالقرب من مدينة سومار، وكذلك نهر سيمرا يخترق أراضي إيلام في روجهلات أي شرق كردستان. وتأكيداً على الصلة العرقية اللغوية بين الكرد والسومريين مازال الكرد الكلهوريون والفيليون يتكلمون لهجات قريبة من لغة أجدادهم الكرد القدماء، التي هي اللغة السومرية.
الزندية
تطور شكل الكتابة جزئياً من الشكل الذي استخدمه الكرد القدماء إبان الحضارة السومرية إلى شكل أكثر تجاوباً مع اللفظ، وبالأخص في الفترة التي تميزت بتبلور الفكر الديني الميترائي والإيزيدي (الزندي) والزردشتي، فجاءت الحروف بشكل أكثر وضوحاً عرفت بالحروف “الزندية”، وكتب بها الكتاب الإيزيدي المقدس “مصحفا رش” أي “الكتاب الأسود” وكذلك كتاب “جلوا”.
وبتقادم الزمن تبلورت الحروف الزندية، وما يظهر للعيان ذلك هو في الكتاب الديني الإيزيدي (جلوا). وبالمقارنة بين الحروف العربية والحروف المستخدمة في كتاب (جلوا) الإيزيدية نرى كيف أخذ العرب منها أبجديتهم.
الآفستائية
أما الشكل الأكثر انتشاراً وتأثيراً هو في الأبجدية الآفستائية مع  كتاب (آفستا) للفيلسوف زرادشت، ترسخت هذه الكتابة واللغة الكرديتان حتى أصبحتا ذات امتداد أكبر باتجاه الهند واليونان والقفقاس على مدار انتشار الديانة الزردشتية، حيث كتب بهما كتاب آفستا (2) باسم لغة آفستا (3)، ولكن ما يحز في النفس هو أن هذه اللغة وبسبب العداء الشديد للزردشتية من قبل قوميات وأديان غريبة عن المنطقة، تعرضت للكثير من الاعتداء والتشويه عندما حاولوا بشتى الوسائل القضاء عليها، ومع الأسف هذا ما فعله المسلمون ومن قبلهم إسكندر المقدوني، عندما أحرقوا الآلاف من هذه الكتب ولاحقوا كتابها وأتباعها وخاصة العلماء. ومن الجدير ذكره كان عدد أحرفها 44 حرفاً، قال في هذا السياق الأستاذ فارس عثمان في كتابه عن الزردشتية: يقول قاسم الدمشقي (4): “إن حروف القرآن الكريم هي حروف آفستا بأعيانها لا على أنها مثلها”.
المصادر:
1- أ. محمد مندلاوي – ما نوع العلاقة بين كلمة أمة السومرية بالرسم العربي وكلمة ايمة الكردية – موقع الحوار المتمدن الالكتروني.
2- العلامة محمد أمين ذكي – خلاصة تاريخ كرد وكردستان – ج 1 – ص267.
3- د. وهبية شوكت محمد – زرادشت الحكيم الفيلسوف – ص62.
4- فارس عثمان – زرادشت والديانة الزردشية – ص 190.