الردُّ الأمريكيّ جاء ثلاثيّاً عِبر ثلاث اتصالاتٍ، فالرئيسُ ترامب اتصل الجمعة بأردوغان، ونُقل عن اتفاقٍ حول الحاجة لتنسيق أكثر فعاليّة، دون تأكيدِ التوصل لاتفاق نهائيّ، وقبله الخميس اتصل وزير الخارجية مايك بومبيو بوزير الخارجية التركيّ جاويش أوغلو، واتصل الجنرال جو دانفورد رئيس الأركان المشتركة برئيس الأركان العامة التركيّ.
لا رِهانَ على بقاءِ القواتِ الأمريكيّة
تدركُ الإدارة الذاتيّة طبيعة التنافسِ الدوليّ الذي اتخذ من الجغرافيا السوريّة ميداناً له، وتعلمُ أنّ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيّةَ قد تدخلت في سوريا حرصاً على مصلحتها، وتتعاملُ معه كأمرٍ واقعٍ، وهي ماضية ببناءِ المشروعِ الديمقراطيّ كحلٍّ سياسيّ شاملٍ لسوريا، ولا تراهنُ على بقاءِ مديدٍ للقواتِ الأمريكيّةِ، وتتعاطى معها من قبيلِ الانفتاح على المواقفِ الإيجابيّة للقوى الكبرى، باعتبارِ أنّ التهديدَ الإرهابيّ العابرِ للحدودِ يهدّدُ الأمنَ والسلمَ الدوليين، كما أبدتِ الإدارةُ المرونةَ نفسها بتعاطيها مع موسكو، إلا أنّ الموقفَ الروسيّ ذهب لمزيدٍ من البراغماتيّة السياسيّة في العلاقةِ مع تركيا لتطويَ الصفحاتِ الخلافيّة معها، وتقدّم الغطاءَ السياسيّ للعدوانِ على عفرين، واليوم تحاولُ أنقرة استغلالَ التنافسِ الأمريكيّ- الروسيّ وتصريحاتِ المسؤولين الروس المواربةِ تتهمُ فيها واشنطن ببناءِ كيانِ “دويلة” شرق الفرات، وتطلقَ العنانَ للتهديدِ بعملية عسكريّة فيها. والسؤالُ الذي يُفترضُ بموسكو إجابته كمحاربٍ للإرهاب، ما الفائدةُ العمليّة من إدخال المجاميع الإرهابيّة والجيش التركيّ إلى عفرين الآمنة؟ والجواب أنَّ العمليةَ إرضاءٌ لتركيا ودعمٌ لها في العدوان على الكرد وإعادةُ انتشارٍ للإرهابيين بنقلهم من منطقة إلى أخرى.
الحوارُ مع دمشق تُملُيه الضرورةُ الوطنيّةُ، وكانتِ الإدارةُ الذاتيّةُ شفّافةً بهذا الصدد، وأبدت إيجابيّةً كاملةً في كلِّ ما من شأنه تسييرَ الحياةِ وتخطّي العقباتِ بالمجالِ الخدميّ وتحييدِ المسائل الخدميّة من السجالِ السياسيّ القائم، باعتبارِ مصلحةِ المواطنين منطلقاً أساسيّاً لأيّ قرارٍ أو مشروعٍ، وسبق ذلك حالاتُ تنسيقٍ بالمجالات الخدميّة كما في مسألة تفعيلِ سدّ الفرات لتوفير الطاقة، ويمكنُ القولُ بثقةٍ إنّ مشروعَ الإدارةِ الذاتيّةِ قام على هذا الأساس، وليس سراً وجودُ مراكز تابعةٌ للنظامِ بمدينتي قامشلو وحسكه، وفي هذا الإطارِ جاء فتحُ المكتبِ القنصليّ التابع لوزارةِ الخارجيّةِ والمغتربين في مدينة حسكه لتسييرِ معاملاتِ المواطنين. وقضية التهديد الخارجيّ تتصل بالأمن الوطنيّ والمواطنين، وهي من مهام الجيش النظاميّ باعتباره مؤسسة وطنيّة، تحددُ الظروفُ طبيعة مهمته ومكانَ تواجده، وإذا كانت بوصلة البعضِ الوطنيّة قد تاهت تماماً فاستنجد بالجيش التركيّ المحتل، فالإدارة الذاتيّة تقيم الحجّة بعد الحجّة على وطنيّة مشروعها وتوجّهاتها.
السابق بوست
القادم بوست