سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

التهجير والإهمال.. مآسٍ تتراءى بين عيني شاب من ذوي الهمم

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

يعاني ذوو الهمم في مخيم نوروز من الإهمال، والتهميش الواضحين في خيام اللجوء، فتتبدد الأماني، وتبقى أحلاما ضائعة بين اليأس والرجاء، وبين حبال الخيام وسقوفها المهترئة، وأجواء البؤس والشقاء في قصة ترويها حكايا ذوي الهمم، مثل ماجد إبراهيم الذي يحلم بالعودة إلى مكان صباه، أو حلمه بامتلاك كرسي جديد متحرك.
أمام باب خيمته، يجلس الشاب “ماجد إبراهيم محمد” 16 عاماً مع شقيقيه، يراقبون هطول الأمطار، فيما ارتسمت ملامح الحزن على وجهه، فقد حرمته الأمطار التنزه على يديه بين الخيام، لأكثر من أسبوعين، فكرسيه القديم المتهالك لا يقوى على الطريق الموحل الزلق بعد أمطار غزيرة هطلت على المخيم.
 يجد ماجد محمد الراحة في جولاته القصيرة إلى أماكن قريبة من خيمته، إذ إنه يجلس أغلب وقته داخل صيوان الخيمة؛ بسبب عجزه عن السير، ولا سيما أنه يعاني أيضا من شلل دماغي منذ الطفولة، وتلك النزهة بالرغم من إنها مؤلمة لجسده، بسبب الحصى الملقى في طرقات المخيم؛ لأنه يعتمد على يديه في التنقل، إلا أنه يصر أحيانا إلى الخروج إلى أماكن قريبة من خيمته للترويح عن نفسه.
وحين هطول أمطار غزيرة تجبره في البقاء في خيمته يبحث عن بديل يسلي وحشة خيمته الصغيرة؛ فيشارك شقيقيه الرسم على الأوراق، بالأقلام المتوفرة لديهم.
وحين التقينا به أطلعنا على خطوط رسمها بأنامله بصعوبة؛ فعبر عما يجول في خاطره ببعض رسومات طفولية، فكانت تشبه ابتسامة طفل صغير وفي عينيه حلم بعيد، فقد أخبرنا شقيقه أنه لا يترك ماجداً وحده حتى لا يتأذَّى: “لا نتركه وحده هنا، فماجد يحب الخروج، ونحن نخرج للعب معه بالقرب من خيمتنا، ولكنه يحزن عندما يبقى لوقت كبير في الخيمة، لذلك نلعب معاً حتى تجف الأرض لنخرج معاً”.
معاناة في ظل غياب المساعدات
إن أكثر المتضررين في مخيم روج، هم ذوو الهمم، بالرغم من مشقة التهجير، وألم الحرب وانقطاع رحلة العلاج للعديد منهم، تأتي المخيمات لتصبح سجوناً لهم، فمع نقص المساعدة، وغياب يد العون لهم يصبحون عاجزين أمام مخيمات أصبحت أوطاناً؛ فرضتها الحرب عليهم.
وعن رحلة علاج محمد تحدثت والدته، “يازي عزو حمدو“، التي حملت أطفالها هرباً من قذائف الاحتلال التركي، التي طالت قريتها القريبة من تل تمر، قبل ثلاث سنوات: “لقد أصيب ماجد بحرارة عالية نتج عنها شلل في الدماغ وهو بعمر سبعة أشهر، وقد كنا نعالجه في حلب لسنوات، على أمل أن يشفى، وقد طمئننا الطبيب أنه بعمر خمس سنوات سيكون قادراً على المشي، ولم يتحقق ما كنا نؤمله”.
انقطعت رحلة علاج محمد عندما بلغ عمر عشر سنوات، فقد فقدت العائلة الأمل في تحسنه، إلا أن يازي لم تيأس، وحاولت أن تجعله يتأقلم مع الوضع، فلم تعده يوماً شخصاً معاقاً: “كنت آخذه معي على كرسيه المتحرك إلى سوق المخيم، وكنت أشعر بسعادته لهذه الجولات، ولكن توقفت عندما تعطل الكرسي، وقد حاولت الحصول على واحد آخر، أو تصليح هذا الكرسي إلا أني لم ألقَ من يساعدنا”.
أرادت يازي شراء كرسي إلا أن مقدرة زوجها لم تسعفها، فوالد ماجد محمد يعمل في المياومة إذ يتوقف عمله لأيام، ومع هطول المطر ينقطع عن العمل، وتقول: “الأمر صعب فقلبي يحترق وأنا أشاهده متذمِّرا في الخيمة طوال اليوم، وهو يراقب الأطفال الذين يلعبون أو الذاهبون للمدرسة، وتعود وهو مازال يجلس بالقرب مني، يحدثني بكلمات تخرج بصعوبة منه”.
لم يتلقَ ماجد محمد جلسات تدريب، أو معالجة نفسية، أو طبية منذ قدومه المخيم، ولا تريد يازي أي خدمات من المنظمات، التي تتواجد في المخيم وإدارة المخيم سوى كرسي متنقل، تستطيع أخذه إلى السوق برفقتها، وللمراجعات الطبية إن مرض.
تلقي يازي اللوم على الحرب، التي زادت مأساة ولدها، وجعلت وضعه أكثر سوءًا، وتتمنى أن تستطيع إكمال علاجه: “أتمنى أن يتحسن وضعه النفسي، فقد عانى ويلات الحرب، وآلام الإعاقة والعجز”.
مخيم نوروز
أُسِّس مخيم نوروز عام 2014 بهدف إيواء العائلات المهجرة من قضاء شنكال بعد هجمات داعش، وبعد الإعلان عن القضاء على داعش عاد المهجرون إلى مناطقهم، أو التحقوا بعائلاتهم في مناطق أخرى فضلوا العيش فيها.
وتسكن المخيم 1020 عائلة، و5663 شخصاً من مناطق متفرقة “سري كانيه، وكري سبي/تل أبيض وزركان، وعفرين”، حسب آخر إحصائية لإدارة المخيم.
وفي تشرين الأول عام 2019، هجرت إليه عائلات هرباً من هجمات الاحتلال التركي، فأعيد افتتاح المخيم بعد أن بات فارغاً، فامتلأ مجدداً، وبات مأوى للمهجرين الذين هجرتهم دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها قسراً من سري كانيه، وكري سبي/تل أبيض وعفرين.
حال ماجد محمد هي حال العديد من الأشخاص من ذوي الهمم، الذين حرموا من أبسط حقوقهم في نزهة صغيرة، لأن الإمكانات المتاحة لا تسعفهم، ويد المنظمات الدولية لا تصل إليهم، فهم في خيام أجبروا على اتخاذها منازلاً، وأوطانهم أصبحت مخيمات لجوء وتهجير.