سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

شبكة طرق عصريّة تقوم على أنقاض القاهرة التاريخية

تلقّى سكان القاهرة ومحبّو الثقافة المصريون بـ”حزن عميق” خبر هدم مركز “درب 17 – 18” للفن المعاصر في وسط العاصمة لتنفيذ مشروع لتوسعة الطريق، إذ شكّلت إزالة هذا المَعلَم التراثي حلقة جديدة في مسلسل سبق أن طال المقابر التاريخية.
ففي السادس من شهر كانون الثاني الجاري، أعلن مركز “درب 17 – 18” في بيان عبر صفحته الرسمية على منصة فيسبوك أن مبناه الرئيسي هُدم “من دون أيّ إشعار أو تعويض مسبق”، وسط ما وصفه بـ”حزن عميق وغضب شديد”.
وبحسب البيان، فإن المركز الواقع في منطقة صناعة الفخار في وسط العاصمة المصرية كان “بمثابة ملاذ للفنانين والحرفيين من جميع الأنواع لأكثر من عقد”. ورأى “درب 17 – 18” في هدم مبناه “تذكيرا صارخا بالتهديدات المستمرة التي يواجهها تراث القاهرة وتاريخها، وتهجير مجتمعاتها من دون أيّ اعتبار”.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة إزالة الآلاف من القبور في جبّانة القاهرة التاريخية، التي تُعدّ الأقدم في العالم الإسلامي والمدرجة على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي، لخدمة مشاريع لتطوير شبكة الطرق والمواصلات في العاصمة من خلال بناء جسور وأنفاق وسكك حديد.
واجهة جميلة
وقال مؤسس مركز “درب 17 – 18” الفنان التشكيلي معتز نصر الدين في مداخلة هاتفية الأسبوع الماضي ضمن برنامج “كلمة أخيرة” مع الإعلامية المصرية لميس الحديدي: “فوجئنا بجرافات الحي بعد عطلة رأس السنة تدمّر المبنى بمحتوياته”. واستغرب نصرالدين القرار، وقال الفنان الذي أنشأ المركز عام 2008، إن اجتماعاً عُقِد “في وقتٍ سابق مع رئيس الحي وتم الاتفاق على تأجيل الأمر للتفاوض بعد الانتخابات الرئاسية”.
لكنّ الأجهزة المحلية عمدت إلى إزالة مبنى “درب” الرئيسي ومبنيين آخرين لتعليم صناعة وحرفة الفخار، كانت “واجهة جميلة ومشرفة” للمنطقة، على قول نصرالدين. وانتقدت الحديدي مثل هذه القرارات، مشيرةً عبر برنامجها إلى أن ثمة من يريد أن تتحوّل القاهرة “بالكامل إلى شوارع وإسفلت وجسور”.
وعلى الرغم من مفاجأة الهدم، كان نصرالدين أطلق في الشهر الماضي عريضة على الإنترنت وقّعها حتى الآن أكثر من 16 ألف شخص، تحضّ الحكومة المصرية على البحث عن: “حلول بديلة تسمح باستمرار هذه المؤسسة الثقافية الحيوية”. وكُتب في العريضة: “نحن ندرك أهمية التنمية الحضرية والتقدم. ومع ذلك.. سيكون هدم ‘درب 17 – 18’ خسارة فادحة للتراث الثقافي لأمتنا وفنانيها”.
غضب وحزن شديدان
وانتقد العديد من مستخدمين شبكات التواصل الافتراضي ما حدث للمركز الفني وأعاد بعضهم التذكير بوقائع إزالة المقابر التاريخية، وكتب أحدهم منتقدا المسؤولين عن قرار الهدم: “الكارثة هي أن هؤلاء هم أنفسهم عندما يتجولون في شوارع باريس وفيينا وروما، يلتقطون الصور بإعجاب، ولكنهم عندما يعودون إلى بلدانهم يحطمون ما يرمز للبلاد”.
وفي عام 2002، عرض نصرالدين مشروع مركز الفنون على محافظ القاهرة الذي خصّص له عقارا في منطقة الفسطاط المعروفة بـ”مصر القديمة”، وتحديدا في منطقة صناعة الفخار، لما لها من دلالة فنية.
وضمّ المركز ورشا لتعليم الحرف والصناعات اليدوية ومركزا للثقافة وقاعات للمعروضات الفنية وساحات للحفلات الموسيقية. وأشار نصر الدين إلى أن: “أعمالا تخص 150 فنانا أجنبيا كانوا في مصر تُقدّر قيمتها بالملايين”، كانت موجودة في المبنى عند هدمه، مضيفا “لا أعلم ماذا سأقول لهم”. وأعرب عن تفاجئه “بهذا التصرف التعسفي”، في وقت كان يتوقع “تقديرا من الدولة لدور ‘درب’ المهم في الحركة الفنية التشكيلية في مصر”. وقال المعماري المصري أيمن بدر الذي كان دائم التردد على “درب” “رأيت صور الهدم وشعرت بمزيج من الإحباط والغضب والحزن الشديد”.
وإذ أشار بدر إلى أنه كان: “واحدا من الأهالي الذين تأثروا جدا بالمنتج الثقافي” للمركز، روى أنه تعرّف فيه “على الكثير من المبدعين” وحضر “عددا من الورش الفنية والعروض الترفيهية”. وتابع: “شعرت بصدمة كبيرة لأنني رأيت تأثير ‘درب’ ليس على شخصي فقط” بل كذلك على “سكان المنطقة وخصوصا الأطفال”.