سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

حياة المفكر عبد الله أوجلان بين السلام النفسي وحرية المرأة

د. علي أبو الخير_

بعد شهر واحد يكون قد مضى ربع قرن من الزمان على اعتقال الزعيم عبد الله أوجلان، وتمضي حملة الإفراج عنه ضد النظام التركي الأردوغاني والمؤامرة الدولية الاستعمارية، ولكن المتأمل لحياة القائد من وراء القضبان يجده يعيش في سلامٍ نفسي وسياحة روحية، ولم يحدث أنه طلب الإفراج عن نفسه أو قدم التماساً للقادة الأتراك على مر العقود، خاصةً في فترة حكم الرئيس أردوغان، ولكن محبيه وأحرار العالم هم من يطالبون بالإفراج عنه، والغريب أن القائد عبد الله أوجلان أنتج فكراً وكتباً ومقالات كثيرة، وثمينة، وهو قابع في سجنه، أي أنه يعيش في سلام هادئ مع نفسه.
السلام النفسي عند القائد أوجلان
لقد قال أحد كبار العارفين من الصوفية المعارضين للخلفاء (وماذا يفعلون معي… إن سجني خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة)، وهو قول ينطبق على كل صاحب فكر حر غير متطرف أو آثم، منهم وأولهم المفكر عبد الله أوجلان، فقد جعل سجنه واحة فكر حقيقي وصارت خلوته الإجبارية نوعاً من الخلوة الرمزية والسياحة الروحية بالنظر المطمئن لأحوال البشر والإنسان وكل الكائنات.
ومن وراء قضبان سجنه قرأ وكتب في التاريخ والسياسة والاجتماع والاقتصاد وباقي العلوم المعرفية، يقول على سبيل المثال (على مدى تاريخ الحضارة وتطور المجتمع الطبقي ومرحلة التحوّل إلى المجتمعات وإلى أمم وعشائر ومجموعات شعبية متنوعة، ابتداءً من العبودية وصولاً إلى مختلف التشكيلات الاجتماعية، فكل واحد من هذه المجتمعات تشكل بطرق مختلفة، بالسلام تارةً وبالحرب تارةً أخرى وبالثقافة والاقتصاد أحياناً وبالوسائل السياسية أحياناً أخرى مما جعل البعض يتطور إيجابياً، وأدى إلى انتهاء البعض الآخر وتطور شريحة أخرى بشكلٍ وسط)، فالتطور البشري كما يراه نوعاً مثالياً إذا اختفت الحروب والنزاعات، والقائد عبد الله أوجلان يرى انه لا يجب أن توجد حرب، بل هناك نقاش، أو بمعنى مفاوضات بين القبائل والعشائر أو بين الدول.
والنقاش يجب أن يكون إيجابياً وإلا فقد معناه ويمسي النقاش مقدمة للحروب، وهو ما لا يقوله القائد أوجلان، بل كان برنامجه ومازال يقوم على فكرة الأمة والديمقراطية، بديلاً عن القومية والدولة الدينية، وإن النقاش يؤدي للسلام، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط المملوءة بالنار والنفط، اللذان يمنعان أي تقدم سلمي يقوم به الرجال ولعل في حرب روسيا وأوكرانيا وهما من عرق واحد خير دليل على أن الحرب نتيجة لعدم وجود الأمة الديمقراطية وعدم وجود مفاوضات أو نقاشات ممتدة، ومثلها الحرب بين إسرائيل وفلسطين وقبلها الحرب المفروضة على الشعب الكردي طوال مائة عام من الحروب الدامية المفروضة على الشعب الكردي، وحاول القادة الترك إخماد صوت السلام الكردي وتغييب قائده، الذي يعيش السلام النفسي في داخل سجن الطاغوت التركي.
حرية المرأة تقود للسلام
الحروب عامة يقوم بها الرجال دون النساء، ولو تركت الحرية للمرأة في العالم لساد السلام وانخفض القتل، فالنساء عموماً لا يملن للقتل ويبعدن عن مناطق سفك الدماء وعبر الزمن عرف الإنسان الأول قيمة المرأة فعبدها ولم يعبد الرجل.
وهو من أشار إليه ضمناً، قال القائد عبد الله أوجلان في مقاله (المرأة بين الواقع وحقيقة آذار، المنشور في موقع الحوار المتمدن – العدد: 1484 – 2006 /3/9( “بإمكان مشاكل المساواة الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية للمرأة أن تلقى الرد اللازم لها بالنجاح الموفق في عملية الدمقرطة عبر تحليل وتفكيك السلطة السياسية أولاً، إذ ما من شائبة في أنَّ الحرية القانونية المجدبة، لن تفي بشيء. ولن تكتسب معناها ما لم تحرز التقدم على درب الحرية، وما لم تعمل بالسياسة الديمقراطية، والأصح هو تناول موضوع المرأة كثورة ثقافية، إذ من الصعب إيجاد حل تحرري ذو معاني راقية بالثقافة القائمة مهما كانت النوايا حسنة ومهما بذلت الجهود الدؤوبة. وذلك بسبب المشكلة القائمة في الظاهرة ذاتها وبنية العلاقات فيها واكتساب الهوية التحريرية الأكثر راديكالية أمر ممكن فقط بالدنو من المرأة أو بالأحرى باستيعاب النظام القائم في العلاقات بين الجنسين ككل متكامل وتخطيه)، ولا نقول إن القائد أوجلان يدعو لسيطرة النساء على الرجال، ولكنه يرى مساواة الجنسين مقدمة لإشاعة السلام، ووجود المرأة عموماً يخفف من حدة الاحتقانات السياسية والعسكرية، وهو سلام نفسي قبل أن يكون سلاماً سياسياً، والسلام النفسي مقدمة للسلام الروحي، وفعلاً يرى أنه لن تتحقق العلاقات الحرة بين المرأة والرجل بدون تحطيم علاقة الملكية والسلطة المسلطة على المرأة، من الواقعي أيضاً اعتبار قرننا مرحلة اجتماعية ستتصاعد فيها إرادة المرأة الحرة، لذا يتوجب التفكير في المؤسسات الراسخة اللازمة للمرأة وتأسيسها، ربما لأجل القرن بأكمله. وقد تتولد الحاجة لأحزاب حرية المرأة حينها ستكون ذرائع تأسيس هذه الأحزاب ومهامها الرئيسية متمثلة في توطيد المبادئ الأيديولوجية والسياسية الأولوية للحرية وإدراجها حيز التنفيذ والإشراف على ذلك وتسييره”.
هذا قليل من كثير مما قراناه للقائد عبد الله أوجلان، الذي يعيش حرية فكرية وخلوة روحية داخل سجنه، يعيش حراً أكثر من الذين سجنوه…