سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

استهداف سُبل العيش والبنى التحتية دليل إفلاس السياسة التركيّة

رفيق إبراهيم_

التهديد التركي بشن هجوم بري جديد على شمال وشرق سوريا، يؤكد عليه المسؤولون الأتراك كلما دقَّ الكوز بالجرة، وعلى رأسهم أردوغان، والجميع يقولون بأنه أحد الخيارات التي قد تقوم بها تركيا، وبخاصةٍ بعد العملية التي نفذتها كتيبة الخالدين التابعة لقوات الدفاع الشعبي، وبعد تنفيذ العملية اتهمت تركيا قوات سوريا الديمقراطية، بأن منفذي العملية دخلوا من سوريا، على الرغم من أن قوات سوريا الديمقراطية نفت كل ذلك، وأكد المسؤولون الأتراك بأن هناك خيارات أخرى ستقوم تركيا بها، ومن ضمنها ضرب البنى التحتية وسبل استمرار الحياة.
وبعد تلك التهديدات بالفعل قامت دولة الاحتلال التركي بعشرات الهجمات عن طريق الطائرات المسيّرة والحربية، تحت حجة العملية الفدائية في أنقرة، وما هي إلا ذريعة لضرب مناطق الإدارة الذاتية، وبُناها التحتية التي ازدهرت في الآونة الأخيرة، ولأن أردوغان لا يستطيع القيام بهجوم بري على مناطق جديدة في شمال وشرق سوريا، لأنه من المؤكد أن أي هجوم جديد ستكون له عواقب وخيمة عليه أولاً، وعلى الداخل التركي ثانياً، لأن المعادلة على الأرض تغيرت تماماً.
وعلى ما يبدو من المشهد العام لهذه الهجمات، أن هناك توافقاً أمريكيّاً تركيّاً حولها، حيث أن الأجواء في شمال وشرق سوريا تسيطر عليها أمريكا والتحالف الدولي، وإن لم يكن هناك تنسيق بينهم لا تستطيع تركيا القيام بأية هجمة عبر الطيران المسيّر والحربي، ورأينا عندما اقتربت طائرة تركيّة مُسيّرة من قواعد القوات الأمريكية بالحسكة، شاهدنا كيف أسقطتها القوات الأمريكية، وهذا ما يترك لدى شعوب شمال وشرق سوريا ومسؤوليها الكثير من الشك والريبة حول التنسيق المستمر بين أمريكا وتركيا، فيما يخص أية هجمة على شمال وشرق سوريا.
وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً سنرى، أن دولة الاحتلال التركي قامت بثلاث هجمات برية احتلت من خلالها، عفرين وكري سبي وسري كانيه، وكانت تنتظر القيام بهجوم آخر عندما تسنح لها الظروف بذلك، ولكن الظروف المحيطة والدولية لا تسمح له باحتلال مناطق جديدة من شمال وشرق سوريا، وليست هذه الظروف وحدها حالت دون تنفيذ هجوم بري جديد، إنما هناك أسباب أخرى قاهرة دعت أن تفكر تركيا كثيراً قبل الدخول في متاهة قد يكون الخروج منها صعباً للغاية.
ولعل من هذه الأسباب، الارتفاع الباهظ لتكاليف أي هجوم جديد، وهناك إحصائيات تُقدّر بأن أي هجوم على شمال وشرق سوريا سيُكلف نحو 30 مليار دولار أمريكي، والاقتصاد التركي لا يتحمل صرف هذا المبلغ الضخم، بالمقارنة بالميزانية العامة لتركيا التي تُقدّر بـ200 مليار دولار سنوياً.
ومن الأسباب الهامة أيضاً، التي تحول دون خوض هجوم على شمال وشرق سوريا، هو انخفاض الدعم الشعبي للهجمات العسكرية على سوريا، وبخاصةٍ مناطق الإدارة الذاتية، والاستطلاعات أكدت أن الرفض الشعبي للعمليات العسكرية ارتفع إلى 60 بالمئة، وهذه نسبة كبيرة تدعو للقلق بالنسبة للقادة العسكريين ولأردوغان أيضاً، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وانخفاض قيمة الليرة التركية، وهذا ما يثير تحفظ الشعب التركي وغضبه.
كل هذه الأمور تحول دون قيام أردوغان وقادته العسكريين القيام بشن هجمات برية جديدة في شمال وشرق سوريا، لأن تمويل أية هجمات جديدة ستخلق عجزاً إضافياً في الموازنة العامة، لأنه بالأساس هناك عجز كبير بحسب بيانات وزارة المالية التركية، تُقدر بحوالي ثمانين مليار دولار، وأن خوض حرب جديدة يستدعي التحضير لها جيداً وتركيا لا تمتلك مسببات نجاح أية هجوم جديد في شمال وشرق سوريا، وبخاصةٍ أن علاقاتها متوترة مع المحيط الإقليمي والدولي.
وتركيا تحاول التهرّب من تسليح المجموعات المرتزقة التابعة لها، وبخاصةٍ بعد أن أيقنت تلك المجموعات بأن تركيا ستتخلى عنهم عند أي تقدّم في مسار التطبيع مع دمشق، أو عندما تنتهي صلاحيتهم، وتركيا أيضاً تدرك بأن هذه المجموعات تتبع المال وهي لا عقيدة ولا أخلاق، فمن يدفع أكثر يذهبون معه، وهذه حقيقة يدركها أردوغان وحاشيته.
لذلك بات الجميع يُدرك أن إقدام أردوغان للهجوم على شمال وشرق سوريا، سيواجه بعقبات كثيرة وقد ذكرناها سابقاً، وسيؤدي لتدمير الاقتصاد التركي بشكلٍ غير مسبوق، وبخاصةٍ أن أي هجوم سيؤدي إلى تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا، وقد يزيد من عزلة تركيا على الساحة الدولية، وسيعرض الحكومة التركية للمساءلة وسيثير موجة من السخط والمعارضة داخل البلاد، وبخاصةٍ أنه منذ بداية العام الحالي يشهد الشارع التركي المزيد من الكراهية والحقد للاجئين وبخاصةٍ السوريين منهم.
وإعلان أنقرة لهجمات برية جديدة، على شمال وشرق سوريا، قد يعرضها لعقوبات دولية أيضاً، إذا ما قامت بمفردها بأي هجوم، لهذا فقيام المحتل التركي في الآونة الأخيرة وبموافقة أمريكا بهجمات طالت البنى التحتية من ماء وكهرباء ونفط وغاز، جاء كحل بديل لعدم قدرة تركيا تجاوز المجتمع الدولي والقيام بمفردها بأي هجوم من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة التكاليف الباهظة على الاقتصاد والشارع التركي، الذي بات يتخبّط جراء سياسة حزب العدالة والتنمية ورئيسها أردوغان، الفاشلة بالتعامل مع قضايا المنطقة الحساسة.