سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أعوام أربعة وسري كانيه تحت نير الاحتلال التركي

الشدادي/ حسام دخيل ـ

مضت أربع سنوات على احتلال تركيا ومرتزقتها سري كانيه، بهجماتها الاحتلالية التي أطلقت عليها “نبع السلام” لإنشاء ما سمتها “منطقة آمنة” على طول حدودها الجنوبية، وبحجة ما سمته “بقتال الإرهاب”، في إشارة منه إلى قوات سوريا الديمقراطية.
تشهد سري كانيه، منذ احتلالها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، في قتل المدنيين، وتهجير السكان، ونهب الممتلكات وتغيير الهوية الديمغرافية، وفرض اللغة والعملة التركية، وإعادة تجميع عناصر داعش.
 الدور التركي في الأزمة السورية
وبعد عامين من انطلاقة الأزمة السورية من مدينة درعا، وما لبثت أن أصبحت شاملة للبلاد كافة، حتى ظهر الرئيس التركي “أردوغان”، مرتدياً ثوب “الحمل الوديع”، ليعلن تضامنه مع السوريين، الذين خرجوا في مظاهراتٍ سلمية ضد الحكومة السورية، وبعد أن تم دعم المعارضين بالمال والسلاح، وصلت البلاد إلى حال كارثية، وهو ما كان يريده أردوغان ودولته الفاشية، لتمرير مخططاتهم الاستعمارية داخل الأراضي السورية. وفي عام 2013 حيث كانت المعارك على أشدها، فتحت تركيا حدودها لدخول مرتزقة داعش إلى سوريا، ولوح الرئيس التركي بإنشاء ما أسماها المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية، وكان له ما أراده، في الوقت الذي كانت فيه حكومة دمشق أضعف ما تكون، حيث شن هجمات احتلالية على الحدود السورية أسمتها “درع الفرات” في عام 2016، وفي عام 2018 شن هجمات أخرى أخرى أطلق عليها “غصن الزيتون”، والتي من خلالها احتلت مقاطعة عفرين.
ولم تتوقف أطماع أردوغان عند هذا الحد، فقد ظهر على وسائل الإعلام حاملاً خريطة سوريا، محدداً عليها “المنطقة الآمنة” بحسب تسميته لها، والتي يبلغ طولها 420 كم، وبعمق 30 كم داخل الحدود السورية، وبتواطؤ دولي وتحديداً في شهر تشرين الأول من عام 2019، نفذ أردوغان عدوانه الثالث داخل الأراضي السورية، تحت مسمى “نبع السلام”، ليشمل منطقتي “سري كانية، وكري سبي”.
استهداف المدنيين
وأثار الهجوم التركي على شمال وشرق سوريا موجة من الانتقادات والإدانات من المجتمع الدولي، خاصة بعد استخدام تركيا الأسلحة المحرمة دولياً، مثل قذائف الفسفور الأبيض، والتي تسبب حروقاً بليغة ولا يمكن إطفاؤها بالماء.
وكانت قد طالبت ممثلة الادعاء ومحققة الأمم المتحدة السابقة “كارلا ديل بونتي”، بإخضاع أردوغان للتحقيق، فيما يتعلق بارتكاب جرائم حرب خلال الهجمات التي شنتها على سوريا، مؤكدةً، أن تدخل تركيا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وأنه أشعل شرارة الصراع في سوريا من جديد.
وكانت الأمم المتحدة، قد أعلنت في وقت سابق من عام 2019، بعد ظهور مجموعة كبيرة من الأدلة التي تشير إلى أن تركيا تستخدم الفوسفور الأبيض عن بدء تحقيقات من خبراء الأسلحة الكيمياوية التابعة لها، وقالت حينها منظمة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة الكيمياوية OPCW: “تتابع الوضع وتقوم بجمع المعلومات، فيما يتعلق بالاستخدام المحتمل للأسلحة الكيمياوية”.
ولكن إلى اليوم لم تصدر المنظمة أي بيان، أو إجراء تدين من خلاله استخدام جيش الاحتلال التركي ومرتزقته للأسلحة الكيمياوية، ما يؤكد على إن المجتمع الدولي شريك في قتل السوريين.
وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد المدنيين الذين قتلوا جراء الهجوم التركي على شمال وشرق سوريا وصل إلى 300 شخص، بينهم 86 في سري كانيه و36 في كري سبي، كما استشهد عشرة صحفيين وناشطين إعلاميين، من بينهم الأمين العام لحزب سوريا المستقبل سابقاً، “هفرين خلف”، التي أُعدمت بدم بارد على الطريق الواصل بين الحسكة والرقة، على يد عناصر من مرتزقة أحرار الشرقية، المنضوي تحت لواء الجيش الوطني السوري “حليف تركيا وشريكها في الإرهاب”.
نتائج كارثية للاحتلال 
وأدى الهجوم التركي إلى تهجير أكثر من 300 ألف مدني من مناطقهم، معظمهم من سري كانيه وكري سبي بحسب الأمم المتحدة.  ولجأ بعضهم إلى مخيمات مؤقتة في المناطق المجاورة، وأنشأت الإدارة الذاتية مخيم “واشو كاني”، بالقرب من مدينة الحسكة لاستقطاب المهجرين بفعل الهجوم التركي على سري كانيه، ويقطنه الآن الآلاف من أبناء المدينة المنكوبة. ويضاف إلى ذلك إنشاء العشرات من مراكز الإيواء لاستقبال الفارين من الجرائم التركية.
وبعد احتلال المدن، قامت تركيا وحلفاؤها بإجبار من تبقى من سكانها على تسليم هوياتهم وإصدار بطاقات جديدة ممّا يُسمى بالمجلس المحلي، وهي خطوة على طريق تغيير هوية المدن، كما وقامت تركيا بتوطين عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين على أراضيها في المدن، أغلبهم من عوائل المرتزقة، في محاولة لتغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة، وسلخها من هويتها الأصلية.
نهب الممتلكات 
وشهدت “سري كانيه وكري سبي”، العديد من حالات السلب والنهب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة من مرتزقة تركيا الفاشية، والتي استولت على بعض المباني والأراضي والمحلات التجارية والمشاريع الزراعية، وطردت أصحابها بالقوة، وقطع خطوط المياه والكهرباء عن بعض المناطق، وإحراق المحاصيل الزراعية.
وأثار نهب الممتلكات غضباً واسعاً بين سكان المدينتين، الذين خرجوا في احتجاجات متكررة ضد الاحتلال التركي وانتهاكاته، وطالب المتظاهرون إنهاء التدخل التركي في شؤونهم والعودة إلى منازلهم، ولكن قوبلت هذه الاحتجاجات بالرصاص الحي من مرتزقة الاحتلال التركي، بالإضافة إلى شن حملات اعتقالات واسعة طالت أبناء المدينة.
قتل وخطف وابتزاز
منذ أربع سنوات، تواصل مرتزقة الاحتلال التركي تنفيذ الاعتقالات وخطف المدنيين، حيث زادت معدلات العنف والجريمة والاعتقال والخطف والتفجيرات وحوادث الاغتيالات والجثث المجهولة الهوية في عموم المناطق، التي تحتلها دولة الاحتلال التركي في شمال سوريا.
ووثقت رابطة “تآزر” خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023، اعتقال ما لا يقل عن 287 شخصاً، بينهم 21 طفلاً وطفلة، و14 امرأة، في مناطق عفرين، وسري كانيه، وتل أبيض شمال سوريا، وبينما تم إطلاق سراح 87 شخصاً فقط من عموم المحتجزين، لا يزال 200 شخص، بينهم 18 طفلاً، و13 امرأة، طيّ الكتمان.
وتُشير القصص التي وثّقتها “تآزر” إلى أنّ إحدى الذرائع المتكرّرة والمزعومة، التي يتم توجيهها للمعتقلين، هو الانتماء إلى قوات سوريا الديمقراطية، أو التعامل مع الإدارة الذاتية، وتكون هذه الاتهامات لتحصيل فدى مالية ضخمة من عوائل المعتقلين بغية إطلاق سراحهم.
وأكدت الرابطة في تقريرها، إن هذا العدد ليس عدداً نهائياً، فهناك المئات من الحالات، التي لم يتسنَّ لهم توثيقها.
وفي مناطق سري كانيه، وكري سبي/ تل أبيض تمّ اعتقال 70 شخصاً (بينهم تسعة أطفال، وثلاث نساء)، وقد تمّ إطلاق سراح 25 شخصاً فقط (بينهم امرأة ثلاثة أطفال)، فيما لا يزال مصير 45 شخصاً (بينهم امرأتان وستة أطفال) طيّ الكتمان.
ومنذ التوغل التركي في سوريا، تم رصد استشهاد وإصابة 10312 شخصاً، فيما وصل عدد المعتقلين إلى 9089 شخصاً، منذ بداية التوغل التركي في شمال سوريا، أفرج عن قرابة 7015 منهم، فيما لايزال مصير البقية مجهولاً، ووصل عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون إلى 181 شخصاً، كما ارتفع عدد اللاجئين السوريين، الذين قتلوا برصاص الجنود الأتراك إلى 561 شخصاً، بينهم (103أطفال دون سن 18 عاماً، و67 امرأة) حسب مركز توثيق الانتهاكات.
ويقف خلف هذه الاعتقالات وعمليات الاختطاف عناصر تابعين لمرتزقة الجيش الوطني، وما يعرف بالشرطة العسكرية، وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من مرتزقة “الجيش الوطني السوري”، وقادته مصنفون على قوائم عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، كتجمع “أحرار الشرقية”، وقائدها “أحمد إحسان فياض الهايس”، والمعروف باسم “أبو حاتم شقرا”، وآخرين تم تصنيفهم في تموز 2021 ومؤخراً تم تصنيف كل من فرقة الحمزة (الحمزات) وقائدها “سيف بولاد أبو بكر”، وفرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) وقائدها “محمد الجاسم”، المعروف باسم “أبو عمشة” وشقيقه “وليد الجاسم”، وهو قيادي في المجموعة المرتزقة، لصلتهم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين شمال سوريا، بحقّ السكان الكُرد، بما في ذلك عمليات الخطف، والاعتقال، والابتزاز والاغتصاب، والتعذيب والاستيلاء على الأراضي والممتلكات.
إعادة تجميع مرتزقة داعش
ومن أخطر عواقب احتلال تركيا لسري كانيه وكطري سبي، إعادة تجمع عناصر داعش في تلك المناطق، وحسب تقارير منظمات حقوقية، فقد قامت تركيا بتجنيد بعض عناصر داعش في المجموعات المتحالفة معها، أو سمحت لهم بالعمل بحرية في المناطق المحتلة، وهذا ما أكد مقتل متزعمي داعش في المناطق، التي تسيطر عليها دولة الاحتلال التركي، فقد قتل “أبو بكر البغدادي، وأبو إبراهيم القرشي، وأبو الحسن الهاشمي”، جميعهم على مقربة من الحدود السورية التركية وإلى جانب نقاط المراقبة الخاصة بها.