سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مُخاطرة حصار الكُرد

سلام فجر

ترتكب الحكومتان الإيرانية والتركية خطأً قاتلاً بمحاولة استغلال الوضع العراقي لإنهاء المعارضة المسلحة الكردية لسلطتيهما، فمثلما يؤدي التضييق على المعارضة السلمية إلى تشكيل معارضة مسلحة، ومثلما يؤدي الضغط على المعارضة في الداخل إلى تشكيل معارضة في الخارج، فإن ملاحقة المعارضة في الخارج سيؤدي إلى عودة الكفاح بكل أشكاله إلى الداخل وبوتيرة أقسى.

أيقنت الحكومتان الإيرانية والتركيّة، إنهما عاجزتان عن استيعاب معارضة سياسيّة كرديّة سلميّة في الداخل بسبب طبيعة الأنظمة السياسية الأحادية الحاكمة في طهران وأنقرة واستسلمتا لهذا العجز بلا محاولة للعلاج، كما أيقنتا بعجزهما عن إنهاء المعارضة الكرديّة المسلحة التي تتحرك في المناطق الحدودية ولذلك لجأتا إلى إحراج الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان عبر التهديد بالاجتياح والقصف، وحالياً تم إبعاد المعارضة الكردية الإيرانية عن مواقعها السابقة وتسعى تركيا إلى تحقيق ما هو أكثر من ذلك مع كل قوة مسلحة تُعارضها.

النظامان في طهران وأنقرة، يدعيان الحكمة دائماً ويتحدّث المسؤولون فيهما بأداء تمثيلي يريد التعبير دائماً عن عمق تاريخي لدولتيهما ودور إقليمي راسخ لكلاً منهما، وهما يريدان الإيحاء بإنهما يمتلكان فهماً استراتيجياً لكل المشاكل والقضايا، لكن الواقع يُثبت عكس ذلك.

على صعيد تجربة إيران وتركيا، وبمختلف مسميات الأنظمة الحاكمة فيهما، على مدى قرون ثبُت فشل تعاملهما مع التنوع الثقافي والقومي والمجتمعي فيهما، وحتى في ذروة القوة كان هذا الفشل يُقلق مضاجع الشاهنشاه والسلاطين أو الخلفاء، ومهما بذلت الدولتان من جهود في التوسعات الخارجية والبهرجة الداخلية، كان فشلهما في إدارة التنوع واستيعاب الخلافات ينخر جسدي الإمبراطوريتين ويحيلهما إلى مجرد نشارة تتلاعب بها القوى الدولية.

فشلت أنقرة وطهران في فهم درسي العراق وسوريا، ففي الدولتين اللتين فشلتا في إدارة التنوع كما فشلتا في إنهاء المعارضة رغم القسوة والبطش اللذان تم استخدامهما وخاصةً مع الكرد، كانت أي فرصة بسيطة تفتح مجالاً لظهور المعارضة مجدداً وبصورة أقوى من السابق حتى تغيرت المعادلات وإلى الأبد كما هو واضح.

ادعاءات فهم التاريخ والاستراتيجية في طهران وأنقرة، أعمت الدولتين عن رؤية المثال الإسرائيلي القريب أيضاً، فقد تخلّصت إسرائيل وبمختلف الطرق من المعارضة الفلسطينية في الخارج، واضطرت إلى اجتياح لبنان أكثر من مرّة وإدامة احتلال طويل ومُكلف لها من أجل إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح فيها، وقد تحقق هذا الهدف لكن النتيجة أن العمل المسلح عاد إلى الداخل ليس إلى الأراضي المحتلة عام 1967 فقط وإنما حتى إلى أراضي 1948 لتصبح الحياة اليومية للإسرائيليين مُهددة في كلِّ وقت. فهل تعرف طهران وأنقرة نتائج حصار الكرد؟!.