سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الأثار التدميرية لسياسات الديمقراطي الكردستاني على الكرد وجغرافية كردستان -2-

روناهي/ الدرباسية – في القسم الأول من هذه السلسلة توقفنا عند محطات الخيانة، التي مر بها الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK في تاريخ باشور كردستان، وتداعيات هذه الخيانة على مستقبل باشور، وما نتج عنها من خلافات، وانقسامات بين الشعب الكردي في باشور، وذلك في سبيل المحافظة على السلطة الملكية المتوارثة في باشور كردستان.

وفي القسم الثاني، نوسع دائرة النظر في تاريخ هذا الحزب منذ نشأته، حيث سنخرج من الدائرة “الباشورية” الضيقة، إلى الدائرة الكردستانية الواسعة الشاملة، وسنضع على طاولة البحث الآثار التدميرية لسياسات الديمقراطي الكردستاني بحق الشعب الكردي على مستوى أجزاء كردستان الأربعة.

السعي لإجهاض الثورات الكردية

ليس خافيا على أحد، التعامل والتعاون الوثيق بين دولة الاحتلال التركي وسلطات الديمقراطي الكردستاني، حيث وصل هذا التعامل إلى حد العمالة لدولة الاحتلال التركي، وذلك كله يصب في إجهاض الثورة، التي تقودها حركة التحرر الكردستاني، وفي طليعتها حزب العمال الكردستاني.

هذه العمالة التي وصلت في دناءتها، إلى حد كشف مواقع الكريلا لجيش الاحتلال التركي، بهدف قصفها ومهاجمتها وأسر المناضلين المتمركزين فيها، وأبعد من ذلك، تقوم سلطات الديمقراطي الكردستاني بأسر مقاتلي حركة التحرر الكردستانية، وتسليمهم لدولة الاحتلال التركي، كما تقوم سلطات هذا الحزب باحتجاز جثامين الشهداء، الذين يستشهدون على يد جيش الاحتلال التركي، ووضعهم في بازارات سياسية، يقوم من خلالها بتمرير مشاريع الخيانة، التي عُرف بها تاريخيا.

تواطؤ سلطات الديمقراطي الكردستاني، مع أعداء الشعب الكردي لم تقتصر على تعاملها مع دولة الاحتلال التركي، بل إن جذورها تمتد تاريخيا إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث عملت سلطات هذا الحزب تاريخيا على إفشال الثورات، التي يخوضها الشعب الكردي في سبيل تحرره.

ولعل أدق وصف لهذا المشهد نجده في كتاب “السجل الأسود” للشهيد حسين شاويش (هركول)، حيث يتناول الكتاب الفترة بين” 1958-2016″، ذاك التاريخ الأسود المشبوه للحزب الديمقراطي الكردستاني على شكل سلسلة مقالات نشرت في صحيفتنا روناهي.

يشبه الشهيد حسين شاويش الحزب الديمقراطي الكردستاني، بشخصية الخائن “أنكيدو” في ملحمة كلكامش، حيث يرى أن هذه الطبقة من أمثال أنكيدو، وأحفاده في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ما هم إلا حصان طروادة يستخدمه أعداء الشعب الكردي في تنفيذ مخططاتهم، وذلك من خلال إنكار الجماعات هويتها، لأنها سلمت إرادتها للقوى الخارجية طواعية ودون إكراه من أحد.

ويتابع الشهيد حسين شاويش، في الفصل الأول من كتابه، التطرق إلى تحليل جدي حول البنية الاجتماعية لكردستان منذ آلاف السنين، فإن اللوحة تزداد سوءًا مع مرور الزمن، لأن جغرافية كردستان، هي أول موطن تعرض لغزوات، وهجمات مؤسسة الدولة منذ عهود السلالة السومرية الأولى، ولكن المسألة الأساسية هنا تكمن في إفرازات، ونتائج هذه الغزوات، وتأثيرها على البنية الاجتماعية في هذه الجغرافية، لأن هذه الهجمات الخارجية، هي أول عملية تماس بين المجتمع الطبيعي (اللاطبقي) الكردستاني، ومجتمع الدولة، والسلطة (الطبقي) الخارجي.

ويضيف شاويش: “نتيجة لعملية التأثير والتأثر هذه، تشكلت أول بذرة طبقية (هرمية) داخل المجتمع الكردستاني على يد القوى الخارجية، وامتداد لها من حيث الثقافة، والذهنية، والمصالح والممارسة، لهذا السبب لا يمكن التحدث عن الاستقلالية النسبية للطبقة الحاكمة الكردستانية، منذ ولادتها على يد القوى الخارجية المعادية، وحتى اللحظة، من هذا المنطلق علينا ألا نستغرب حجم العمالة للقوى الخارجية في يومنا الراهن، لأن هذه الطبقة تُمارس هذه المهنة منذ ولادة أول مؤسسة دولتية سلطوية في التاريخ، والتي تبدأ من عهد السلالة السومرية الأولى وصولا إلى يومنا الراهن المستمرة مع سلالة أردوغان، وحمد بن جاسم، وأبو بكر البغدادي”.

في هذه السطور يوضح الشهيد حسين شاويش، دور التحول من مجتمع لا طبقي إلى مجتمع طبقي، وما رافق ذلك من ظهور أجهزة الدولة، التي شرعت بممارسة السلطة على رقاب الناس، الأمر الذي حرك النزعة السلطوية لدى بعض النخب الكردية، والتي يُمثل الديمقراطي الكردستاني اليوم طليعتها، وذلك في سبيل الاستحواذ على سلطة مطلقة على حساب كل حركات التحرر الكردستانية.

ترسيخ الملكية في الحكم

يحاول الديمقراطي الكردستاني ترسيخ مفهوم الدولتية لدى الشعب الكردي، من خلال تحويل عامة الشعب الكردي إلى (عبيد)؛ ليبقى هو (السيد) الآمر الناهي، وتحقيقا لمسعاه هذا يقدم الديمقراطي الكردستاني الطاعة والخنوع الكاملين للسلطات، والأنظمة في المنطقة، لا سيما تلك الغاصبة لجغرافية كردستان، إلا إن رفض الشعب الكردي لعقلية السلطة، والدولة أدى إلى حدوث شرخ بين هذا الحزب، وبين الشعب الكردي، ليعيش الحزب في حالة عزلة عن الشعب الكردي.

وشرح الشهيد حسين شاويش، هذا الجانب بإسهاب في كتابه، حيث يقول: “الطبقة الحاكمة الكردستانية، التي تناقضت مصالحها مع مصالح المجتمع الكردستاني برمته يختلف أمرها الآن عن تلك المراحل السحيقة في التاريخ، لأنها اليوم تحاول أن تهيمن على كردستان في إطار أجندات الطبقة الحاكمة التركية (أردوغان)، والطبقة الحاكمة العربية (قطر، والسعودية)، والطبقة الحاكمة الإيرانية (امتدادات الخميني، والشاهنشاهية)، والطبقة الحاكة اليهودية (إسرائيل) باسم هوية كردية قوموية مزيفة وهزيلة وحاقدة على مصالح وإرادة المجتمع الكردستاني، وتتقدمها سلالة امتهنت مهنة العمال، أبًّا عن جدٍّ.

ويضيف الشهيد حسين: مسيرة هذه الطبقة الحاكمة السلالاتية تؤكد لنا بأدلة وبراهين ملموسة بأنها تقف على قدميها من خلال خدمتها لسياسات، وأجندات القوى الخارجية المعادية للوجود الاجتماعي الكردستاني، كما هو الحال في إدارة الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي تريد البقاء في السلطة من خلال معاداة ثورة روج آفا، وباكور، وروج هلات كردستان، هذا السجل الأسود مستمر عبر التاريخ بأشكال متعددة، ولكن إرادة المقاومة في كردستان، استطاعت أن تصل إلى القوة التي، تؤهلها للقضاء على هذا الجرثوم السرطاني.

التخلص من القوى الديمقراطية

في الكتاب ذاته، يشبه الشهيد حسين شاويش تعامل الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الحركات الديمقراطية الكردستانية، بالرجل الذي احترق منزله، وهو يقف متفرجا غير مبالٍ بألسنة اللهب، التي تلتهم المنزل، وعند سؤاله عن سبب اللامبالاة، هذه يقول صاحب المنزل، كانت زوايا المنزل معششة بالجراثيم، وهذه النيران ستقضي عليها، ووفق هذه العقلية والمفهوم، فهو غير آبه باحتراق المنزل بأكمله.

لعل الصورة أعلاه تلخص تعامل سلطات الديمقراطي الكردستاني مع الحركات الديمقراطية الكردستانية، لأن هذا الحزب يعمل على قمع أي صوت، يطالب بالديمقراطية، وذلك انطلاقا من سياسات هذا الحزب، الرامية إلى تقويض أي نوع من الديمقراطية، لأن المطالبة بها، حسب مفهومه، يعني الإجهاز على سلطته الملكية، وهذا ما يسعى الديمقراطي الكردستاني للوقوف في وجهه رافضا أي عملية ديمقراطية في أي جزء من أجزاء كردستان الأربعة.

ويفسر الشهيد حسين شاويش، هذه الحالة على النحو التالي: “الارستقراطية الكردية، ذهنية وممارسة، ترى نجاحاتها وانتصاراتها في انهيار الثورات، والانتفاضات الشعبية، أو ترى نجاحها في انهيار المجتمع الكردستاني، وضعفه وعبوديته، في حين يرى الديمقراطي الكردستاني حريته في عبودية الشعب، ورضوخه واستسلامه له، ولا يحتاج هذا الأمر إلى أن نكون فلاسفة، وأطباء نفسيين حتى نستوعب هذه المعادلة، بل نظرة بسيطة إلى ممارسات الطبقة الحاكمة الهوليرية المتمثلة في الحزب الديمقراطي الكردستاني كافية، ووافية لفهمها بكل عمق، فإعلام الديمقراطي، وأقلامه، ومخابراته، ومرتزقته، يعملون ليلا نهارا مع الميت التركي، والمخابرات الإيرانية بهدف تصفية حزب العمال الكردستاني، وثورة باكور وروج آفا، وروج هلات كردستان.

ويتبين من خلال هذا السرد، بأن سياسات الديمقراطي الكردستاني تتناسب عكسا مع مصالح الشعب الكردي، ومن هذا المنطلق يرى الديمقراطي الكردستاني أن أي مشروع كردي يسعى للديمقراطية، يشكل خطراً على المشروع الاستعماري للدول الغاصبة لكردستان، وبالتالي خطرا على مشروعه، لأنه يرتبط بحبل سري مع كل من يعارض حقوق الشعب الكردي، ويشكل تهديدا للفكر السلطوي، الذي يتمتع به، والذي يدفعه إلى تدمير كل ما هو ديمقراطي في سبيل الحفاظ على سلطته القائمة على توريث المناصب.