سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تنميط المرأة فكرياً، وجسدياً ونفسياً

ديالا علي

تتغير المفاهيم المتوارثة حول المرأة من مجتمع إلى آخر، وكل مجتمع لديه مقاييسه الخاصة حول المرأة، يستطيع من خلالها تقييمها وقبولها، ولكل بلد ثقافته المعينة في تنميط المرأة من الناحية الفكرية، الجسدية، وحتى النفسية، حيث يبنى هذا التنميط على أساس الثقافة المتوارثة، التي اكتسبها أبناء البلد من الأسلاف مروراً بالأجيال الجديدة حتى يستطيعوا من خلال هذا المنفذ برمجتها حسب حاجاتهم اليومية، أو على المدى البعيد لسد ثغرات حياتهم المتفاقمة.

عندما نقول: إن المرأة في غالبية التجمعات البشرية شبيهة بالآلة المتحركة، لسنا على خطأ، لأنها حقاً أصبحت آلةً سهلةَ الاستخدام في الآونة الأخيرة وضحيةً لظاهرة التنميط من قبل أفراد تلك المجتمعات ذوي النظرة الضيقة، سواءً كان ذلك في المنزل كزوجة أو ابنة، أو في العمل كموظفة، أو في العلاقات العاطفية كحبيبة، حيث نرى أن مشاعرها تستهلك، طاقتها تستهلك، وحتى تفكيرها يستهلك لصالح ذلك الرجل الذي ينصب نفسه وصياً وحاكماً عليها، فيبرمج نمط حياتها كما يرغب، ويضعها تحت قبضته كمأمورة، دون أن تملك زمام أمرها، أو أن تقرر مصير حياتها.

الذهنية الذكورية المتسلطة

إذا ألقينا نظرة خاطفة على حياة كل أنثى من الداخل، سنجدها باهتة خالية من كل معنى يذكر، وهذا الحدث يعود دائماً إلى المسبب الرئيس في ذلك، وهو الرجل الذي يتمسك غالباً بزمام أمور مأمورته بغض النظر عن ثقافته، فحب السلطة لدى الرجل متوارث منذ القدم، ففي أي بلد كان ستجده حاملاً تلك الصفات الذكورية بصور وعادات مختلفة.

في مجتمعات الشرق الأوسط تجد الرجل راسماً صور وأنماط معينة للأنثى لتخضع لسيطرته من عدة جوانب، كاللباس مثلاً؛ يجب ألا يكون لباسها فاحشاً، وأن يكون مقبولاً ومتستراً، تحسباً للعار الذي سيلحق بها فيما بعد، والأمر نفسه ينطبق على نبرة صوتها المنخفضة، والتزامها التام بالمنزل وانشغالها بأمور عائلتها اليومية، حيث يعمل جاهداً على إقصائها من مزاولة مهنة ترغب بها، كأن به يقول لها: أنت للمنزل… أنت لإنجاب الأطفال فقط… غير مسموح لك أن تحلمي… أن تشتري أو أن تفكري. أنت ملك لي وحدي، وإياك والتفكير بشيء آخر غير الذي سمحت لك به، والأمثلة لا تعد في هذا الصدد، حيث أصبحت المرأة في الشرق محط للسخرية والاستهزاء في العديد من الأماكن، كون هذا المكان لا يناسبها حسب ذهنية المجتمع الذي تعيش فيه والقوالب المتحجرة التي وضعوها فيه.

أما عن تنميط المرأة في المجتمعات الغربية، فالوضع يختلف قليلاً، على الرغم من وجود حرية جسدية وفكرية أكثر، مقارنة مع مجتمعات أخرى، تجدها مقموعة في أماكن أخرى، كمكان العمل وتدني راتبها الشهري مقارنة بالرجل، كما أنها ليست صاحبة القرار وصانعه مثل المرأة الشرق أوسطية. المرأة في الغرب تعاني من التمييز الجنسي والتنمر كثيراً، كما أنها معرضة بشدة دون المجتمعات الأخرى للاستغلال الجنسي، كونها كما ذكرنا سابقاً أكثر تحرراً من بقية النساء الأخريات.

على الرغم من إشعالهن للكثير من الثورات والانتفاضات، التي كانت تندد دوماً بحقوقها والمساواة بينها وبين الرجل في شتى مجالات الحياة.

حال النساء لا يختلف كثيراً عن بعضهن، فمنذ الشرارة الأولى للتاريخ والمرأة مقموعة ودونية بوعي أو بدون وعي كان من قبل المحيط الذي تعيش فيه.

المرأة بين مطرقة التقاليد وسندان التنميط

من الصور الأكثر شيوعاً للتنميط المجتمعي للمرأة، هي عدم تواجدها في سوق التجارة، إلحاق العيب والخزي بها إذا قادت سيارة أو دراجة هوائية، عدم قدرتها على القيام بالأعمال الشاقة كحمل الإسمنت و غيرها، عدم مشاركتها في السيادة والسلطة و إذا شاركت تكون غالباً للواجهة السياسية و تحقيق أهداف الآخرين، التزامها بقوانين معينة دون الرجال كقيامها بمسؤولياتها ومسؤوليات غيرها تحت سقف الواجب والاحترام، ارتداء ألوان مختلفة عن الرجال، كحصرها في استخدام الألوان الزاهية فقط، عدم القدرة على المناقشة، ووصفها بناقصة عقل والمزاجية والعاطفية، ولا تستطيع تحكيم عقلها في الأمور الحساسة، بالإضافة إلى تنميط شكل جسدها حسب رغبات الرجال واحتياجاتهم.

لأجل هذا كله تعاني النساء، وتخلق لديهن عوائق وتحديات كبيرة تقف في وجه إبداعهن وإنجازهن في العمل والحياة اليومية. تتأزم نفسياتهن ويشعرن دوماً بأنهن عبء ثقيل على المجتمع والعائلة، يتقلص لديهن حب الذات، واحترامها عندما يتم تحييد دورهن، يشعرن بالنقص كثيراً وتتغير نظرتهن لأنفسهن إلى نظرة نفور وجحود، كما أنهن يصبحن العدو اللدود لإنسانيتهن وطباعهن مع الشعور بعدم الرضا من أنوثتهن لأن النظرة تذكرهن دوماً بأنهم غير قادرين على فعل الكثير من الأعمال، وتخلق فروقات وهمية لا أساس لها من الصحة، بالإضافة إلى الحد من سقف طموحاتهم المستقبلية.

هنا أود القول، إن التنميط لا يلحق الضرر بالأنثى فقط، بل يشكل عائقاً كبيراً أمام الرجال وأفراد المجتمع كافة، لأنه يحصرهن في زاوية ضيقة ومفاهيم رجعية تحد من تقدم المجتمعات البشرية ككل.

ربما سنحتاج إلى بذل جهود إضافية للحد من هذه الظاهرة وانتشارها في مجتمعاتنا، ولكن يجب علينا عدم غض النظر عنها أو إهمالها، بل مواجهتها والحديث عنها بكل جرأة وشجاعة، وهنا يكمن دور المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، والذي يتجلى بتكثيف حملات التوعية والبروشورات من الجهات المعنية بمثل هذه الأمور، بالإضافة إلى دور العائلة في تقديم فكر نزيه لأولادها لكي نستطيع بناء مجتمع حر فيه الأفراد متساوون، بعيداً عن الجهل والأعراف الخاطئة.

لنتخيل قليلاً حياتنا دون أحكام أو تنميط، نعيش على هذه الأرض بكامل حريتنا، لا توجد أفكار مسبقة توقفنا، نتمايل بأجسادنا كما نرغب، نلعب ونمرح كما يحلو لنا وكأن الحياة كلها ملكنا، نرتدي ما نهوى ونختار ما يناسب أجسادنا، نعبر عما بداخلنا دون خوف أو توقف ونكسر الحواجز بإرادتنا، ما أجمل تلك الحياة، والأجمل منها هي حريتنا.