سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عام على ثورة “Jin jiyan azadî”

أصبح شعار “Jin jiyan azadî” رمزاً للثورة في روجهلات كردستان وإيران، منذ لحظة دفن جثمان الشهيدة جينا أميني، وفيما كُتب على شاهد قبرها بمدينة سقز “جينا أميني، لم تموتي بل أصبحت رمزاً” يشير إلى أحداث هامة في مستقبل إيران.
تعرضت الشابة الكردية جينا أميني في الثالث عشر من أيلول عام 2022، خلال توجهها إلى العاصمة الإيرانية طهران مع عائلتها؛ للضرب من دورية الإرشاد في العاصمة الإيرانية طهران، بذريعة أن ملابسها لم تكن مناسبة، ولم تلتزم بقواعد الحجاب الإلزامي.
ألقت دورية الإرشاد القبض على جينا أميني البالغة من العمر 22 عاماً بالقرب من محطة مترو الأنفاق، وعندما حاول شقيقها التدخل قيل له: إن شقيقته ستنقل إلى مركز الشرطة لمدة ساعة واحدة “لإعادة تثقيفها”، إلا أنها لم تعد، سمع شقيقها صراخاً من داخل المركز، يقولون لقد قتلوا شخصاً، فبينما كان ينتظر خروجها من مركز الشرطة، توقفت سيارة إسعاف، ونقلت جينا أميني إلى المستشفى.
ونفت عائلة جينا أميني آنذاك ما صرحت به السلطات الإيرانية، أن الشابة كانت تعاني من مرض أفقدها حياتها، وأكدت العائلة أن الضرب الشديد، الذي تعرضت له ابنتهم سبب في دخولها الغيبوبة ففقدت حياتها في الخامس عشر من أيلول.
وساهمت كل من مراسلة صحيفة “شرق” نيلوفر حميدي، ومراسلة صحيفة “هميهان” إلاها محمدي، في نشر قصة مقتل جينا أميني، وإيصالها إلى أنحاء العالم عبر الصور والتقارير، التي تم إعدادها، وعلى إثرها اتهمهما النظام الإيراني، أنهما جاسوستان لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فتلك الصور والتقارير دفعت العديد من أهالي طهران مع عائلة جينا أميني إلى الاحتجاج أمام المشفى.
ردود أفعال غاضبة ودعوات للاحتجاج
أثار مقتل جينا أميني غضب الشعب في روجهلات كردستان، وإيران، والنساء خاصةً، وعلى الرغم من الضغط الأمني تجمع الأهالي خلال دفن جثمان جينا أميني في مقبرة “آيجي” بمدينة سقز، ورددوا شعار “Jin jiyan azadî”، الذي أصبح اليوم رمزاً للنضال.
وفي اليوم التالي من مقتل جينا أميني بدأت الاحتجاجات من مدينتي سنه وسقز، وانتشرت في أنحاء البلاد كافةً، دعت النساء خلال تلك الاحتجاجات إلى التجمع في ساحة آزادي في الساعة السادسة مساءً، والتوجه نحو ساحة الثورة مع ترديد الشعارات، التي تنادي بإسقاط النظام وإلغاء دوريات الإرشاد، واتخذوا من شعار “Jin jiyan azadî” أساساً للاحتجاجات، ومع مرور الأيام ازداد عدد المشاركات.

بداية الاعتقالات في سنه
مع انطلاق الاحتجاجات اعتقلت قوى الأمن التابعة للسلطات الإيرانية، سبع عضوات رئيسيات في جماعة “جيوانو” النسائية في مدينة سنه، وتبع ذلك اعتقال ناشطات في مجالات أخرى، شاركن في التجمع، من منازلهن، أو من العمل، وبالرغم من ذلك لم تتراجع الاحتجاجات، بل زادت وانتشرت في العديد من المدن. كان الأهالي يخرجون للاحتجاج مع بداية كل مساء، وتستمر حتى وقت متأخر من الليل. في الأشهر الأولى تم قمع الاحتجاجات في معظم المراكز الرئيسية للمدينة، والشوارع الرئيسية مثل ساحة آزادي، وششم بهمن، وسراه شریف آباد، وشارع حسن آباد، وغيرها من أماكن التجمعات، لكن الأهالي أدركوا أنه من السهل جداً التعرف على هذه الوجوه، فامتدت الاحتجاجات إلى أحياء مدينة البعث، وبهاران، نايسر، حسان آباد، ننله، وفرح، وحي الخامس والعشرين، وغفور، بدأ الأهالي في تلك الأحياء بتنظيم التجمعات من خلال تشكيل فرق، وفي ساعات محددة كانوا يشعلون النيران، ويغلقون الشوارع لتبقى شعلة الاحتجاجات مشتعلة بأيديهم العارية، وقد هاجمتهم قوى الأمن بإطلاق الرصاص المباشر عليهم؛ ما أدى إلى فقدان حياة العديد من المحتجين.
لم تكتفِ السلطات الإيرانية بقتل المحتجين، فقد قامت باعتقال واختطاف كل من شارك في الاحتجاجات من متسلقي الجبال، ونشطاء البيئة، والناشطين في مجال حقوق المرأة، والناشطين المدنيين، والكتاب والأطباء، ولا تزال تلك الاعتقالات مستمرة حتى الآن، تزامناً مع حلول الذكرى السنوية لاندلاع تلك الاحتجاجات، وقد تم إطلاق سراح بعض هؤلاء الأشخاص بكفالات مالية باهظة، والبعض منهم كان يتم اعتقالهم لمرة ثانية وثالثة، وفي كل مرة كانوا يزيدون المبلغ الذي يجب دفعه حتى يتم الإفراج عنه، فيما لا يزال الكثير من المحتجين، يقبعون في السجن.
حملات شعبية لمساعدة الجرحى والأسرى
ومع مرور أشهر على الاحتجاجات التي تحولت لانتفاضة شعبية كبيرة، ارتفع عدد الجرحى بشكل كبير، حيث لم يتمكنوا من الذهاب إلى المشفى، لأنه سيتم التعرف عليهم واعتقالهم خلال تواجدهم هناك، حتى أنه كان يصعب عليهم شراء المستلزمات الطبية الضرورية من الصيدليات، ولهذا السبب شكل بعض الأطباء والممرضين مع الأهالي مجموعات لمساعدة الجرحى، وتم هذا العمل في منازل الجرحى.
كما كانت تصل المساعدات من الخارج إلى الأهالي، وكان الجرحى والسجناء معظمهم من عائلات الطبقات الفقيرة في المجتمع، لقد أصبح وجود هذه الحملات ضرورياً، وواجه المشاركون في تلك الحملات الكثير من الاعتقالات، فكانت للسلطات عيون كثيرة تدلي بمعلومات للسلطات الإيرانية فيتم إلقاء القبض عليهم.
 إن السلطات الإيرانية كان تعرض مبالغ مالية كبيرة على أسر الشهداء لنشر أنباء أن وفاة أبنائهم، لا علاقة لها بالانتفاضة، ولكن عروضهم تلك كانت تقابل بالرفض، لقد ساند أهالي الشهداء بعضهم، ولم ترتدِ النساء اللباس الأسود على قبور أبنائهن وبناتهنَّ، بل يزغردن لهم، أي أنهم كانوا يدفنون شهدائهم بكل فخر.
وفي الأيام الأولى من الانتفاضة والنزول إلى الشوارع تعالت دعوات من الأحزاب الكردية لإغلاق المحلات التجارية والأسواق، وقد استجاب أهالي روجهلات كردستان لتلك الإضرابات في العديد من المدن، وكانت مدينة سنه على رأس القائمة، واستمرت تلك الإضرابات فترة طويلة حتى باتت قوى الأمن تدعو أصحاب المحلات التجارية عبر مكبرات الصوت لفتح محلاتهم، وعندما لم ينجح الأمر قاموا بإغلاق المحلات، واستدعاء أصحاب المحلات وحجب حساباتهم.
تسببت عمليات الإغلاق في مفاقمة الضغوط، إذ لم يكن لدى العديد منهم مصدر دخل منذ ما يقارب ثلاثة أشهر، لكن في بعض الحالات كانت مساعدة الأهالي لبعضهم مشجعة، فعلى سبيل المثال، لم يقم بعض أصحاب المتاجر القدامى بتحصيل الإيجار من مستأجريهم، أو قام الأهالي سراً بتسليم سلال غذائية لأصحاب المتاجر، الذين كانوا مضربين في حملات المساعدات.

من الانتفاضة في المدارس والجامعات إلى التسميم المتسلسل
لم تقتصر الانتفاضة على النساء فقط حيث شاركت الفئات في الانتفاضة، حتى أن طلاب المدارس الابتدائية، والجامعات خرجوا في احتجاجات، وتفاعل المعلمون، والإداريون والأساتذة جميعهم مع عمليات القتل والاعتقالات، وأحرق الطلاب صورة روح الله الخميني، وعبروا عن غضبهم واشمئزازهم من علي خامنئي من خلال الكتابة على جدران المدارس، كانت الفتيات أثناء عودتهن من المدارس يخلعن الحجاب الإلزامي، ويهتفن في الشوارع “Jin jiyan azadî”.
وخوفاً من احتجاجات الطلبة أغلقت الجامعات الفصول الدراسية، وأصبح المعلمون يدرسون الطلبة عبر الانترنت، إلا أن طلاب الجامعات توجهوا مرة أخرى للاحتجاج، ورددوا شعارات في مختلف الجامعات، وأكدوا على وحدتهم، حتى أن العديد من الأساتذة قدموا استقالاتهم احتجاجاً عدم احترام قواعد الجامعة واعتقال الطلاب.
ومن أجل الانتقام من الطلبة تم تسميم الفتيات في المدارس، والتي بدأت من مدينة قم لتمتد إلى مدن أخرى، واستمرت حتى تم إغلاق المدارس خلال العطلة الصيفية، حالات التسميم تلك لها نقطتان مهمتان، أن المدارس كانت في الغالب للبنات إلا في حالات قليلة، وكانت تشمل المدارس الابتدائية أيضاً، وكانت عدد الحالات كبيرة، وعلى الرغم من أن الأطباء والعاملين في المشافي اضطروا إلى عدم الكشف عن أسماء الطلاب إلا أنه كان يتم تسريب بعض الأسماء من العاملين في المشافي.
وكالة أنباء المرأة