سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من إحدى دعائم الصمود والمقاومة في ثورة 19 تموز بناء الاقتصاد الكومينالي

روناهي/ قامشلو ـ

إن بناء الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والتنمية البيئية المستدامة، والحفاظ على أهمية القطاع الزراعي وجميع القطاعات الأخرى والاهتمام بها وكيفية استدامته كانت من الركائز الأساسية لنجاح مشروع الإدارة الذاتية، فكانت ثورة 19 تموز بداية تحول ديمقراطي ناجح.
عانت مناطق شمال وشرق سوريا طوال عقود من حكم حزب البعث، من التهميش والإهمال في مجالات الحياة، خصوصاً الاقتصادية، وصنفتها حكومة دمشق بأنها “مناطق نائية ونامية” رغم أنها تحتوي على غالبية الموارد النفطية والزراعية للبلاد. وفعلياً اعتمدت حكومة دمشق استغلال هذه الموارد، خصوصاً الزراعية، من دون أن ينفذ أي مشروع اقتصادي ينعكس إيجاباً على واقع المنطقة وسكانها، بعد ثورة 19 تموز عام 2012، تنفست المنطقة بعض الحرية، واتجهت إلى تأمين الكثير من المستلزمات محلياً، من خلال إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة أمنت فرص العمل للكثير ووفرت مواد كان يجري استيرادها.
ثورة 19 تموز هي ثورة الحرية وتحرير الذهنية، ضمت ثورة 19 تموز بين طياتها ثورات عديدة، في جميع المجالات الاجتماعية، والسياسية، والنسوية، والاقتصادية والبيئية. حيث تميزت ثورة 19 تموز بأفكار ورؤية مستقبلية جديد، تختلف كل الاختلاف عن الأطروحات الموجودة.
كما أن ثورة 19 تموز لها بنية ودعائم فكرية تستند عليها، هذه الدعائم والقوائم هي جوهر وأساس ثورة 19 تموز التي انطلقت منها. وهذه القوائم هي المجتمع الديمقراطي، المجتمع الأيكولوجي وحرية المرأة.

الحفاظ على مسار الثورة بعد مرور عقد من الزمن
مع انطلاق ثورة 19 تموز ضد المفاهيم العنصرية والسلطوية والطغاة، انطلقت معها القوائم، التي تستند عليها لإتمام الثورة. حيث يرى الفيلسوف والمفكر الأممي القائد “عبد الله أوجلان” في الاقتصاد المجتمعي سبيلاً في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة كافةً، ومنها في أوقات الحروب والأزمات.
ويتخذ اقتصاد الإدارة الذاتية الاقتصاد المجتمعي ركيزة رئيسة له، والتي يتشارك فيها الجميع لتأسيس اقتصاد محلي يسعى بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي. تحول الاقتصاد في ظل الإدارة الذاتية من وإلى المجتمع، وأصبح ملكاً للجميع، حيث بادرت الإدارة الذاتية منذ البداية إلى وضع الأطر المناسبة، وصياغة آليات العمل الممنهجة للسير بخطا ثابتة نحو اقتصاد معتمد على الاقتصاد المجتمعي التشاركي يعود نفعه للجميع دون اقصاء أي فئة. إن الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، والتي استطاعت مؤسسات الإدارة الذاتية تحقيقها هي من الأمور الملفتة، والتي كانت من إحدى إنجازات ثورة 19 تموز (ثورة روج آفا)، وبعد مرور أحد عشر عاماً على الثورة، ورغم الحصار المطبق على المنطقة من قبل الأعداء، إلا أنها كانت تعتمد على إمكاناتها الذاتية في تأمين المستلزمات، ناهيك عن النهضة، التي شهدها قطاع الاقتصاد في المنطقة، أما التي أعادت الحياة إلى المناطق المحررة من مرتزقة داعش، كانت افتتاح المئات من المشاريع التي حققت الاكتفاء الذاتي في المنطقة، وساهمت في نمو عجلة الاقتصاد رغم حالة التوتر نتيجة الهجمات المستمرة للاحتلال التركي على المنطقة.
الثورة الكومينالية
شعوب شمال وشرق سوريا خلقت اكتفاء ذاتياً، علاوةً على إقامة مشاريع اقتصادية عدة مثل، الجمعيات التعاونية، وبناء المعامل، والسير باقتصاد شمال وشرق سوريا نحو الكومينالية، وثورة روج آفا حققت الكثير حيث استطاعت إنشاء جمعيات تعاونية ومصانع ومعامل، وإقامة البيوت البلاستيكية لسد حاجة الاستيراد وخلق نوعاً ما اكتفاء ذاتياً، فغيرت السياسات راساً على عقب بإرادة شعوبها المتمثلة بتأسيس الإدارات الذاتية، وهذا الشيء من خلال إدارة أبنائها، ثورة روج آفا اكتملت في فكر ذهنية الإدارة الذاتية، وهذا الشيء ميزها عن الثورات الأخرى، ومنذ التأسيس عملت على توفير تلبية حاجات ومستلزمات المواطن بإمكاناتها المتوفرة.
فمنذ بداية الأزمة يحاول أبناء المنطقة حماية مناطقهم من انهيار البنية التحتية على عكس المناطق الأخرى في سوريا، وتصدت للهجرة؛ كي تحافظ على بنيتها التحتية التي تشكل العصب الرئيسي في استمرارية ثورة روج آفا هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحاول الاعتماد على نظام كومينالي مجتمعي لخلق الاكتفاء الذاتي، وبناء جمعيات تشاركية تساهم في نمو الاقتصاد المحلي.

دعم الإنتاج المحلي
وبقيام ثورة 19 تموز في شمال وشرق سوريا، وإعلان الإدارة الذاتية، والتي عُدَّت كولادة جديدة لشعوب المنطقة، وكان التوجه منذ البداية نحو الاقتصاد المجتمعي لتغطية احتياجات المنطقة في ظل الأوضاع الصعبة آنذاك، ومع مرور الوقت وبإصرار كبير من قبل الإدارة الذاتية، نستطيع أن نقول: بأنها تجاوزت خطوات أشمل في هذا المجال، وتسعى نحو الهدف المنشود اقتصادياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير أكبر فرص للعمل.
ضمن هيئة اقتصاد جميع القطاعات من زراعة وتجارة وصناعة، هي مكملة لبعضها البعض حيث قامت هيئة الاقتصاد بدعم هذه القطاعات بحسب الإمكانات المتوفرة بهدف بناء أرضية اقتصادية متينة على عكس ما كانت في السابق، حيث كانت تخرج المواد الخام من مناطق شمال وشرق سوريا، وتذهب لمناطق أخرى، ولم يكن يستفاد منها. أما الآن فقد تجاوزت هذه المشكلة، وقامت بإنشاء مصانع ومعامل بخبرات محلية. على سبيل المثال معمل الزيوت، ومعمل الغزل، ومحلج القطن، ومعمل الألبان والأجبان وغيرها.
ودعمت أيضاً الكثير من الأشخاص ضمن المجتمع في افتتاح معامل، قد لا تكون هذه المعامل كبيرة ومتطورة جداً تغطي المنطقة بشكل كامل، لكننا نستطيع القول: بأنها تسد قسماً لا بأس به من احتياجات السوق المحلية وتصبح بالتالي منافسة للمنتوجات المستوردة من حيث الأسعار وتساعد أيضاً على التقليل من الاحتكار في السوق، وتعدُّ هذه المعامل مساعدة من نواحٍ عدة سواء توفير فرص العمل وتحقيق نوع من الاستقرار ضمن الأسواق في ظل الوضع الراهن والحصار المفروض من كافة الاتجاهات، والهجمات العسكرية المستمرة من قبل دولة الاحتلال التركي.

أعادت الاقتصاد إلى جوهره الحقيقي “الكومينالي”
للمرأة دور كبير ضمن القطاع الاقتصادي والزراعي، المرأة عبر التاريخ كان لها الدور الكبير من ناحية الاقتصاد والتدبير المنزلي، وكذلك اكتشافها الزراعة قبل حوالي 9500 عام قبل الميلاد أي خلال العصر الحجري الحديث، وبظهور الأنظمة الطبقية وأجهزة الدولة والسلطة أُبعدت المرأة عن ذلك.
نظمت النساء اقتصادهن في مناطق شمال وشرق سوريا، من خلال هيئة اقتصاد المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية، والعديد من المؤسسات النسوية، التي أسست لجاناً خاصة للاهتمام بالجانب الاقتصادي للمرأة، كمؤتمر ستار، وتجمع نساء زنوبيا، ووقف المرأة الحرة.
ويدعم اقتصاد المرأة في المنطقة عبر اقتصاد تشاركي كومينالي، وهو أساس في مسيرة تحرر المرأة وفق مبادئ الحركة النسوية في شمال وشرق سوريا، وعلى ذلك تم استحداث العديد من المؤسسات، التي تعنى باقتصاد المرأة، كما أن المؤسسات النسوية بطبيعتها تهتم بكافة الجوانب ومنها الجانب الاقتصادي، كمؤتمر ستار الذي يمتلك لجنة اقتصاد، وتجمع نساء زنوبيا الذي يدعم النساء لمساعدتهنَّ على امتلاك الخبرة في العديد من المهن، فيما يخصص وقف المرأة الحرة جانباً كبيراً من عمله لتمكين النساء اقتصادياً.
تطور الاقتصاد التعاوني في ثورة المرأة بشمال وشرق سوريا انعكس بشكل إيجابي على حياة نساء المنطقة اللواتي بدأنَّ مسيرة تحررهنَّ من الانعتاق الاقتصادي عن الرجل.
واجهت الإدارة الذاتية الديمقراطية تحديات اقتصادية في ظل مناخ عدم الاستقرار السياسي، الذي وضع الاقتصاد في مأزق، وكان لا بد من قرار سياسي جريء من أجل الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وبناء ديمقراطية فعلية تكون دعامة للاقتصاد الوطني وتلبية طلبات المواطنين، فسعت الإدارة الذاتية إلى تشكيل التعاونيات وبناء المؤسسات والمراكز الخدمية، ووضع خطط واضحة للتنمية الاقتصادية، ليكون لها تأثير عميق على الاقتصاد ككل، وضرورة بناء أسس جديدة والعودة إلى أسس المجتمع الطبيعي وتشجيع جهود التصنيع الزراعي والتركيز على مكتسبات الثورة.