سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

للتصدي لتأثيرات لوزان لا بد من مظلة سياسية جامعة للأجزاء الكردستانية الأربعة

روناهي/ الدرباسية –

بعد أقل من عشرين يوما، تمر علينا الذكرى المئوية لاتفاقية لوزان 24/7/1923، حيث تم توقيع هذه الاتفاقية بين قوى الإمبريالية العالمية، وعلى رأسها بريطانيا، ونتيجة هذه المعاهدة، تم تقسيم كردستان بين الدول التي أُنشئت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، وقد تم تشتيت الكرد بين أربع دول قومية، وفق معاهدة سايكس بيكو.
وكما هو معلوم، فقد جاءت لوزان لتنسف اتفاقية سيفر 1920، والتي أقرت بالحقوق المشروعة للشعب الكردي، وعلى رأسها إنشاء دولة كردستان، حيث شكلت سيفر تهديدا لمصالح الدول المهيمنة في حينها، فرنسا وبريطانيا، ما أدى إلى عقد اتفاقية لوزان، التي جاءت تلبية لمصالح تلك الدول، ومحاولة لكسر إرادة الشعب الكردي.
وبمناسبة مرور قرن على اتفاقية لوزان، عقد مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية منتدىً دولياً تحت عنوان “لوزان تصحيح المسارات، وقضايا الاستقرار، والأمن الإقليمي” وذلك في مدينة الحسكة بشمال وشرق سوريا.
المنتدى الذي عُقد في يومي 6-7/7/2023، حضره عدد من الشخصيات السياسية، والثقافية، وممثلو الأحزاب السياسية، إضافة إلى إعلاميين أوروبيين.
أهداف المنتدى
وحول المنتدى بشكل عام، تحدث لصحيفتنا، عضو مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية، كرديار دريعي: “المنتدى يهدف إلى تنبيه الدول، التي كانت سببا في هذه الاتفاقية، كبريطانيا، وفرنسا، وغيرها من الدول، وتذكيرهم بأنهم هم المسؤولون عن المجازر، التي يتعرض لها الشعب الكردي منذ ذلك الحين وحتى الآن، وحرمان أكثر من 50 مليون كردي من حقوقه هذا أولاً”.
وأشار دريعي: “أما ثانياً، يهدف المنتدى لتنبيه الحركة السياسية الكردية في أجزاء كردستان الأربعة، بأن المرحلة هي مرحلة تاريخية حاسمة، وليست مرحلة الأحلام، ولا مرحلة الوقوف على الأطلال، لأن هذه المرحلة ستحدد مصير الشعب الكردي، لمائة عام قادمة”.
وتابع دريعي: “النقطة الثالثة، هي إن هذه الدول، التي تحتل كردستان، لم تستطع تأمين أي حقوق للشعب الكردي، كدولة الاحتلال التركي، فهناك التزامات تقع على عاتق هذه الدول تجاه هذا الشعب، ولكن هذه الدول عملت منذ تأسيسها على محو وإبادة الشعب الكردي”.
عضو مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية، كرديار دريعي أنهى حديثه: “رسالتنا للعالم، وللقوى الديمقراطية، إن الشعب الكردي يستحق أن يكون له كيان مستقل، والعيش بأمان وحياة أفضل على أرضه التاريخية”.

جلسات اليوم الأول من المنتدى
افتتح برنامج اليوم الأول من المنتدى بالوقوف دقيقة صمت إجلالا لأرواح الشهداء، تلته كلمات افتتاحية، كان أبرزها كلمة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي: “إذا أردنا أن نُعرف اتفاقية لوزان، فنستطيع القول: إنها جاءت لمحاربة الشعب الكردي، حيث حرمت هذه الاتفاقية الشعب الكردي من حقوقه كافة، لخدمة مصالح الدول الاستعمارية، التي ترفض أن يكون للشعب الكردي أي كيان يُعبر عن وجوده، ضف إلى ذلك، محاولتهم لتصفية الكرد تصفية جسدية، فارتكبوا في حقه أبشع المجازر في التاريخ، مستخدمين فيها شتى صنوف الأسلحة، ومن ضمنها الأسلحة الكيميائية”.
وأضاف عبدي: “بالرغم من هول السياسات الإجرامية، التي ارتكبت بحق الكرد، إلا إن الشعب الكردي لم يستسلم لها، وقد خاض العشرات من الانتفاضات والثورات، التي تهدف لنيل الحقوق المشروعة والوصول إلى الحرية والديمقراطية، وبالنتيجة حقق الكرد عدداً من المكتسبات في أجزاء كردستان الأربعة، ما يفرض علينا حماية هذه المكتسبات والعمل على تحقيق الأفضل، وذلك من خلال وحدة الصف الكردي.
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، اختتم حديثه: “لتجنب لوزان جديدة، علينا العمل بجدية على تحقيق وحدة الصف الكردي، وإعادة ترتيب البيت الكردي، وقد أطلقنا في الأعوام الماضية مبادرة تهدف إلى وحدة الصف الكردي، قطعت هذه المبادرة أشواطا كبيرة تجاه وحدة الصف، إلا أنها توقفت، لذلك، أدعو القوى السياسية الكردية، في أجزاء كردستان، للعمل بشكل جاد للوصول إلى الوحدة الكردية، وهي التي تضمن المحافظة على مكتسبات الشعب الكردي”.
تلا كلمة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، عرض سنفزيون عن اتفاقية لوزان، والانتهاكات المرتكبة بحق الشعوب والشعب الكردي بخاصة، ومن ثم افتتح معرضا للصور الفوتوغرافية تعرض مقتطفات صامتة لمشاهد تعبر عن تداعيات لوزان على الشعب الكردي.
فكان عنوان الجلسة الأولى، “الوضع السياسي في المنطقة قبل اتفاقية لوزان”، وقد تحدث المشاركون عن الواقع الجيوسياسي، الذي كانت تعيشه المنطقة قُبيل اتفاقية لوزان، وخضوع دول المنطقة للانتداب الغربي، وخاصة الانتدابان الفرنسي والبريطاني، ما سمح لهما فرض أجنداتهم على شعوب المنطقة، من خلال الاتفاقيات الاستعمارية، وعلى رأسها اتفاقية لوزان.
الجلسة الثانية حملت عنوان، “قراءة تاريخية للاتفاقيات، التي عُقدت بحق الكرد في القرن العشرين”، وقد تناول المتحدثون في هذه الجلسة الاتفاقيات الاستعمارية، التي جاءت لتقسيم كردستان، وهضم حقوق الشعب الكردي. أما الجلسة الثالثة والأخيرة من اليوم الأول للمنتدى، فقد حملت عنوان، “معاهدة لوزان وتداعياتها على الشعب الكردي”، في هذه الجلسة، استعرض المشاركون تأثيرات معاهدة لوزان على الشعب الكردي، والأرضية التي هيأتها هذه الاتفاقية لارتكاب مجازر وحشية بحق الشعب الكردي، على يد الدول المحتلة لكردستان، وفي مقدمتهم دولة الاحتلال التركي.

اليوم الثاني والبيان الختامي
أما اليوم الثاني من المنتدى، والذي صادف يوم الجمعة 7/7/2023، فقد تناول وضع الشعب الكردي ما بعد اتفاقية لوزان، وذلك في إطار المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الكردي على يد الدول القومية، ولا سيما دولة الاحتلال التركي، وضم جدول أعمال اليوم الثاني ثلاث جلسات رئيسية: الجلسة الأولى: “الوضع الحالي للكرد والتحديات التي واجهتهم”، حيث تناول المتحدثون في هذه الجلسة الأوضاع السياسية والاقتصادية، والثقافية للشعب الكردي على مدى مئة عام، وأشاروا إلى أن سياسات التتريك والتعريب والتفريس، التي مُورست بحق الشعب الكردي،  والتي ضاعفت من آلامه، وعدوا ذلك بمثابة لوزان ثانية، حيث جرى في لوزان الأولى حرمان الشعب من أرضه، في حين جرى في لوزان الثانية حرمانه من لغته وهويته، وهذا ما يشكل تهديدا جديا لوجود الشعب الكردي.
وعلى هامش هذه الجلسة، تحدث لصحيفتنا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيينا، توماس شميدنغر: “لتجاوز مخلفات لوزان، يُفترض على شعوب الشرق الأوسط التوجه نحو إنشاء نموذج يشابه تلك التجربة القائمة الآن في أوروبا، والمتمثلة بالاتحاد الأوروبي، والذي أقام اتحاداً بين الشعوب الأوروبية، هذا الاتحاد، الذي سمح للدول الأوروبية بتجاوز مخلفات الدول القومية، التي أُّسِّست بعد الحرب العالمية الأولى، لذلك، فإن هذا الاتحاد جاء ردا على محاولة ضرب الشعوب الأوروبية بعضها”.
وأضاف: “إن التنوع العرقي والقومي والطائفي في منطقة الشرق الأوسط، أعقد من أوروبا والغرب، فتضم قوميات وأعراقاً وإثنيات كثيرة، وأي تصادم بين هذه الشعوب سيؤدي إلى إعادة منطقة الشرق الأوسط مئات السنوات إلى الوراء، وهذا ما تسعى إليه الدول القومية، التي أُنشِئت في المنطقة، لذا، لا بد من إيجاد صيغة اتحادية بين شعوب هذه المنطقة لتجنيبها الويلات والمصاعب”.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيينا، توماس شميدنغر، اختتم حديثه: “لقد كان القرن الأول ما بعد لوزان قرن التجزئة والاحتلال، وأكثر من عانى في هذا القرن هو الشعب الكردي، ولكن المئوية الثانية يجب أن تكون مئوية اتحاد شعوب الشرق اتحادا حرا ديمقراطيا يقوده الشعب الكردي”.
أما الجلسة الثانية، فقد حملت عنوان “سبل مواجهة حرب الإبادة، التي تستهدف الشعب الكردي”، وقد تناولت هذه الجلسة سبل مواجهة هذه السياسات والتصدي لراسميها، وقد رأى المحاضرون في هذه الجلسة، أن السبيل الوحيد لمواجهة ما يتعرض له الكرد، يكمن في عقد مؤتمر كردستاني يضم القوى السياسية الكردية في أجزاء كردستان الأربعة، كما أشاروا إلى أن هذا المؤتمر يجب أن يكون المظلة السياسية، التي تسمح للشعب الكردي بإعادة ترتيب بيته الداخلي للتصدي لتأثيرات لوزان، وللمحاولات، التي تسعى لإعادة تكرار مأساة لوزان على الشعب الكردي.
الجلسة الثالثة والأخيرة من اليوم الثاني للمنتدى، حملت عنوان، “تجاوز لوزان والحل الأمثل”، في هذه الجلسة أكد المشاركون على أن الحل الأمثل لمعالجة مخلفات لوزان، يكمن في اعتماد مبدأ الأمة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، والذي جاء بعكس المفهوم، الذي قامت عليه اتفاقية لوزان، والذي يستند إلى تفرقة شعوب المنطقة والعمل على ضرب بعضها، خدمة لمصالح الدول القومية، التي تسيطر على المنطقة.

لوزان تأكيد لإبادة الشعوب
واختتم المنتدى أعماله بإصدار المجتمعين بياناً ختامياً ومما جاء فيه: “أكد المشاركون على أن معاهدة لوزان، التي سُميت بمعاهدة السلام، لم تأتِ بالسلام والاستقرار لشعوب المنطقة، بل منحت الشرعية لإبادة الشعوب، كما إنها بمثابة إعلان حرب من خلال تأسيس الدول القومية”.
وتابع البيان: “فتحت هذه الاتفاقية الطريق أمام اتفاقيات ومجازر أخرى بحق الشعب الكردي، وباقي شعوب المنطقة، من خلال عمليات الصهر القومي والتغيير الديمغرافي، وتزوير الحقائق التاريخية، وما الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي تشهدها المنطقة إلا نتيجة للسياسات، التي اعتُمدت عبر تلك المعاهدة، لغايات تتعلق بترسيخ وديمومة السلطات الاستبدادية”.
واختتم البيان، بجملة من التوصيات، التي من شأنها حل القضية الكردية، وتصحح مسار الأمن والاستقرار الإقليمي، حيث طالب المجتمع الدولي بإنهاء نتائج اتفاقية لوزان، التي أدت إلى تقسيم شعوب المنطقة، ودعوه للعمل على تأمين حقوق شعوب المنطقة دون إقصاء أو تهميش، والاعتراف بقضية الشعب الكردي العادلة، والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.