قامشلو/ دعاء يوسف –
الموت، جرح، يتم، خطف، تشوهات نفسية، صدمات كلها صور لاحقت عالم الطفولة نتيجة الكارثة الإنسانية، التي ألمت بالمنطقة بعد الهزة الأرضية، التي ضربت سوريا وباكور كردستان وتركيا، في سيناريو دموي جديد، يضاعف مأساة الأطفال ومصيرهم المجهول يزيد الأمر سوءاً.
كانوا نيامًا في مأمن بمنازلهم، وفي أحضان ذويهم، ينهلون منهم الحب، والسكينة، والطمأنينة، حين فاجأتهم الأرض، لتهتز من تحت أقدامهم النحيلة، وجدران البيت التي طالما آوتهم تهاوت عليهم، ليجد الجميع نفسه تحت الركام، ما بين صريع ومصاب وناج، يواجه مصيراً مجهولاً.
صمت وصراخ، ذهول وارتعاش، أنين وبكاء. مشاهد مبكية تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي لضحايا الزلزال، الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من شباط الجاري، مخلفًا ما يزيد عن 41 ألف قتيل في تركيا وسوريا، الكثير منهم كانوا أطفال.
وقدرت الأمم المتحدة عدد الأطفال المتضررين من الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا والهزات الارتدادية، التي أعقبته بنحو سبعة ملايين طفل، حيث تضرر من الزلزال المدمر 2.5 مليون طفل في سوريا، و4.5 ملايين طفل في باكور كردستان وتركيا.
في كل قصة غصة
إذا كان وقع الزلزال على الكبار كارثيا، فكيف حال الأطفال الذين سرعان ما يبعث في نفوسهم الخوف لأي حدث غير اعتيادي من حولهم، حيث طغت المأساة على ما حل بهم، وبقيت المشاهد المرعبة التي عايشها الأطفال تحت الركام، وبين أشلاء وجثث أهلهم مرفقة بتفكير كل متابع للحدث الكارثي، الذي لحق بأهالي المناطق المتضررة؛ خروج الأطفال من تحت الركام بعد أكثر من خمسة أيام أو أسبوع في بعض الأحيان، ناهيك عن العالقين تحت الأنقاض حتى اليوم، البعض منهم حي شوهت الجروح ملامح وجهه البريء، أما الغالبية فتسبقهم أرواحهم إلى الجنة، بعد أن فارقت أجسادهم النحيلة التي تتحمل هول المشهد وثقله حمول الدمار عليه.
والطفل الناجي تجده مرعوباً؛ الصمت يلازمه، والرجفة تتملك جسده، دون أن تتغير ملاحمه حين رؤية المنقذ من المسعفين وفرق الإنقاذ.
ففي أحد الفيديوهات، التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، تخرج طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها من الظلمة لترى النور بعد إنقاذها من تحت أنقاض منزلها المدمّر في مدينة سلقين، مجيبة منقذها بعد سؤاله لها عن وجود أحد معها: “أمي وأخواتي جوة بس ميتين”، خرجت الحروف من حنجرتها، تحمل كل ما عاشته من حزن، ورعب، تحت أنقاض منزلها، جالست جثث أهلها لساعات طوال، وهي تنتظر مصيرها المجهول.
بينما لا تكلّ الطفلة هناء عن السؤال يومياً عن والديها، وشقيقتها الصغرى، من دون أن تعلم أنها الناجية الوحيدة من عائلتها بعد الزلزال المدمر، الذي خلف عدداً كبيراً من الأطفال الأيتام مثلها، وربما هناء وجدت أحد من ذوي أهلها ليقف معها، على خلاف العديد من الأطفال، الذين تركهم الزلزال خلفه يتامى، يجابهون قسوة الحياة وحدهم، كالطفلة جنى العبدو، من بلدة حارم بعد أن حوصرت تحت الأنقاض لمدة 50 ساعة.
وبالرغم من هول الكارثة، تبلورت صورة “المقابل” في أذهان هؤلاء الأطفال، وكأنك لا تأخذ شيئاً في سوريا دون دفع الثمن، وهذا ما صوره عقل الطفلة آلاء، التي كانت تحمي رأس شقيقها تحت الأنقاض قرابة الـ 17 ساعة غير قادرة على الحراك، فقد طلبت من منقذها بكلمات تصف العجز، الذي وصلت إليه، ووضعها المؤلم في جوف الأنقاض: “عمو طالعني.. وأعمل لك اللي بدك بصير عندك خدامة”.
وصرخات شام في المشفى، وهي تطالب الإعلامي أن يمسك يدها معللةً: “أمسك أيدي أنا بحب أمسك أيد حدا”، وكأنها أصبحت تمسك يداً لتشعر بالقليل من الأمان، كلما استذكر عقلها الصغير وحدتها تحت أنقاض ثلاثة طوابق، وقد خسرت شام والدتها، وشقيقتها الكبرى.
وفيديو ذلك الطفل السوري الجالس على حطام بقايا منزله، يخبر الإعلامي أنه كان يسمع صوت أخيه هنا يطالبه بالماء، إلى أن استكان صوته، وتوقفت مطالبته بالماء، صدى صوت شقيقه لم يعد يفارقه.
فمع كل طفل ناجٍ من تحت الركام قصة تحمل بين طياتها ألف غصة، خرج ليواجه مصيراً مجهولاً في الحياة، مولود جديد بحياة جديدة.