No Result
View All Result
المشاهدات 1
آراس بـيـرانـي_
الشعر هو أكثر الأجناس الأدبية حساسية مع تعاطيه البنائي المترع بالمعنى الداخلي عبر لغته الثرية التدفق، القادرة على البوح وهتك المكاشفات السرية في جوهر التعبير الغافي ضمن تمرد اللغة كائناً ومفردات، فيعمل الشعر على صنع شيفرته الخاصة؛ لحمل المعنى بتقنية خاصة عبر محمول اللغة، وهذا ما ندعوه بالتفرد الابداعي، أو الأبداع عامة، وهو أمر وعر وصعب التوغل في المكاشفة والمشافهة.
وقصيدة النثر ليست امراً سهلاً كما يحاول بعض النقاد توجيه التهمة لها، وبعدم شرعية إطلاق التسمية التعريفية الخاصة بها، كنص شعري، بل يذهبون إلى توصيفها خارج مملكة الشعر، ورغم مرور أكثر من ستة عقود من عمر قصيدة النثر فمازالت هذه القضية مثال جدل، رغم بروز أسماء كبيرة في الكتابة الشعرية النثرية كالماغوط، وأدونيس، وأنسي الحاج، ومحمد أدم، ونازك الملائكة، ودرويش، وشيركو بيكس، وسليم بركات، وغيرهم.
من الاستحالة البحث عن الأب العضوي لقصيدة النثر، وإن كان تحليل الجين الوراثي يقودنا نحو أجناس أخرى ملحمية اسطورية أزاحت الصفات الضعيفة، والمقيدة لتنمو على حساب حرية قول ما تشاء ضمن أقانيم (طبيعة)، وانسجامية وترابط المعنى مع المبنى، فبدأت بالومضة، ولم تنتهِ بالملحمية، فهي وإن كانت تنزع نحو التكثيف والاختصار، وتشكيل ضبابية شفيفة فإنها أيضا قصيدة تعارض القولبة، والتقنين وهو أمر نابع من السرد الروائي، أو ربما من رحيق الشعر، هو انقلاب ثوري ضد القولبة وضد الوزن، وهي من أمضت عقوداً مفتوحة مع العمق والخيال الأكثر تجنيحاً وتحليقاً.
ولقصيدة النثر تاريخ مشرف، ولها أقلامها، وأساطينها هي ليست كتابة سهلة، حيث فشل الكثيرون امتطاء صهوتها حين محاولتهم الجري ضمن مضمار، وسياقات تجربة المهارات.
الإصدارات الجديدة خلال العقد الماضي، تشهد تقدما لقصيدة النثر لدرجة كبيرة وعالية تصويرا ولغة، كما ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تلاقح التجارب، وإعلانها السيطرة أو الهيمنة كنمطية قادرة على التجديد، والتميز، والأكثر تعبيراً.
والشاعرة الكردية السورية روناهي شكري، التي من خلال اعتمادها على ثقافتين ولغتين (العربية ـ الكردية) تعد إحدى أهم كاتبات قصيدة النثر، عبر تجربتها الخاصة في تكوين شخصيتها الشعرية كواجهة تعبير عن قدراتها في التقاط الصورة، وتوظيفها في بناء نصها الشعري، وهو جانب له قاعدته في الجغرافية الأدبية الكردية منذ إطلاق بيان (روانكه) في التجديد الشعري عام ١٩٧٠ على يد شيركو بيكس، وعبر قراءة سريعة لبعض صورها ونثرها، سنحاول التعرف على خاصية تجربتها في كتابة قصيدة النثر، المترعة بالعوز إلى فضاء حر، كونها امرأة من جهة، وكونها تعيش في جغرافية عاشت مخاضات الحرب، فروحها الطافحة بالبحث عن حضن آمن وبهي، حملتها أن تجتاز عتبات السرد نحو دلالات اكثر عمقا، وإيغالا في التوهج، والتميز، والفرادة.
No Result
View All Result