سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مشكلات الشرق الأوسط وحلولها في فكر الزعيم عبد الله أوجلان-1

د. علي أبو الخير_

مشكلة الشرق الأوسط في المفهوم السياسي المعاصر:
مشكلة الشرق الأوسط في المفهوم السياسي المعاصر، تتمحور في الأساس حول الصراع العربي الصهيوني، وتم خلق مصطلح الشرق الأوسط، فلا يتحول الصراع إلى صراع هوية عربية إسرائيلية، أو إسلامية أوربية، فالشرق الأوسط يشمل الدول العربية إلى جانب كل من تركيا، وإيران وصولا لباكستان، وهو ما يُعرف حاليا في الأدبيات الغربية، الشرق الأوسط الكبير، والتي تحاول الدولة الأمريكية، تفكيك وتركيب الدول الإسلامية، أو الدول الشرق أوسطية من أجل خلق التناسب الوجودي للدولة الإسرائيلية، فلا ينتهي وجودها كما حدث للدول الأوربية في الحروب الصليبية المشهورة، التي دامت مائتي عام.
هذا هو المفهوم المعلوم في الأدبيات السياسية العربية، والغربية على السواء، وخلال هذا المفهوم، لم يشر أحد المفكرين أو المنظرين للشعب الكردي وقضيته، رغم أن الشعب الكردي في النهاية، هو شعب من شعوب الشرق الأوسط.
وهو ما يقودنا للحديث عن سياسة، وثقافة الشرق الأوسط، من منظور رؤية الزعيم عبد الله أوجلان، الذي يرى ما لا نرى، وبمثالية طاغية، يخوض في الحديث، ليس عن أسس الشرق الأوسط، بل عن ماهية الشرق الأوسط، بداية من المنظور الثقافي، حتى منظور الأكثرية والأقلية، بما يحتوي ذلك من حدث عن العقائد الدينية لشعوب الشرق الأوسط.
نحاول بقدر كبير من التبسيط غير المخل لفكر أوجلان، حتى لا يتوه القارئ من فلسفة شاملة، تتحدث في السياسة بمنطق الثقافة، وفي الثقافة بمنطق الدين، كما سنرى …
ثقافة الشرق الأوسط عند أوجلان:
قبل أن يتعرض أوجلان للمفهوم السياسي للشرق الأوسط، فإنه تحدث عن ثقافة الشرق الأوسط نفسها، يقول عبد الله أوجلان في /الصفحة التاسعة / في تمهيده لكتابه “أزمة المدنية، وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط:”؛ “ينبغي الإدراك، أنه حتى الثقافة الأوروبية العصرية المهيمنة، ما هي في الأساس إلا نسخة مشتقة من ثقافة الشرق الأوسط…”
ربما يريد أوجلان، أن يعود بأصول الديانات إلى منطقة العالم القديم، التي نعيش فيها، والتي شهدت دعوات الأنبياء والمرسلين، في الشام والحجاز، وهي مهد الأنبياء جميعا تقريبا، وهو يقود إلى القول، إن الوظيفةُ الأساسيةُ لعلمِ الاجتماعِ هي تعريفُ الحياة، لكنّ المُدَّعين أنهم زاوَلوا العِلمَ بدءاً من كهنةِ سومر، ومصر، وحتى العلمويين الاجتماعيين الوضعيين في أوروبا، وكما أنهم لم يُعَرِّفوا المعنى الاجتماعيَّ للحياة، فقد صاغوا تعابيرَ ميثولوجيةٍ هي الأكثر تحريفاً وتعتيماً للوعي، بدلاً من هذه الوظيفةِ الأوليةِ على الإطلاق،. بَيْدَ أنه لا يُمكِنُ الحديث عن علمِ الاجتماع، ما لَم تُعَرَّفْ الحياةُ بمعناها الاجتماعيّ.
كما لا يمكن تطَويرُ عِلم شيءٍ لَم يُصَغْ تَعريفُه، ويرى أنه لا شكَّ في أنّ هذا الوضعَ متعلقٌ بالإنشاءِ المُنحرِفِ للحقيقةِ في نُظُمِ المدنية، فمثلما لَم تُوَضَّحْ حقيقةُ الحياةِ الأرقى اجتماعيًا في نُظُمِ المدنيةِ منذ لحظاتِها الأولى، وحتى يومنا الحاليّ، فقد صيغَت بعدَ غَمرِها بأشكالِ الإنشاءِ المنحرفة، ِ والخاطئةِ بمقاييس عظمى من خلالِ التصنيفاتِ الميثولوجيةِ، والدينوَيةِّ، والفَلسَفَوِيةِّ، والعِلمَوِيةّ.
فضلاً عن طَليْ وصَقلِ هذه السرودِ بالفنون، وبإقحامِ الثقافةِ الماديةِ للمدنيةِ ضمن علاقةٍ جَدَليةٍ مع ثقافتِها المعنوية، فأخذ العبيدُ نمط حياةٍ تَخدِمُ مصالحَ وعقائدَ ومطالبَ الآلهةِ المُقَنَّعين وغيرِ المُقَنَّعين، وذلك عبر سردِ التاريخِ المعروفِ، أو الذي سُمِحَ بمعرفتهِ.
يُقالُ إننا نعيشُ في عصرٍ وصلَ فيه العلمُ والاتصالاتُ إلى أوَج قوتهِما، إلا أنّ سيادةَ العجزِ حتى الآن عن تعريفِ الحياةِ وأواصرِها الاجتماعيةِ رغمَ هذا التطورِ الخارقِ للعلم، إنما يثيرُ الذهولَ إلى حدٍّ بعيد، إذن، ينبغي حينها السؤال: هو عِلمُ ماذا، ومن أجلِ مَن؟ وكلمّا صِيغَ جوابُ هذَين السؤالَين ستُفهَمُ دوافعُ عدمِ ردِّ العلمويين الاجتماعيين على السؤالِ الأساسيّ، أي على السؤالِ «ما الحياة؟ وما علاقتهُا مع المجتمع؟». قد تبَدو هذه الأسئلةُ بسيطةً للغاية، ولكنها قَيِّمةٌ في معناها بقدرِ حياةِ الكائنِ المسمى بالإنسان، فما هي قيمةُ الإنسانِ ما لَم يُفهَمْ ذلك! في هذه الحالة بوسعِنا الحديثُ عن تحَوُّلهِ إلى مخلوقٍ ربما أدنى قيمةً من حيوانٍ، أو حتى نباتٍ ما، فالبشريةُ، التي لا تَعرِفُ معناها، وحقيقتَها مستحيلةُ الوجود، وإنْ وُجِدَت فستكَونُ الأكثر انحطاطا ووحشية على الإطلاق.
العلاقة بين المشكلة الكردستانية… والحياة في سبيل الحقيقة
من الفكر، الذي يحتاج لتوضيح، هو فكرة عبد الله أوجلان حول الحياة في سبيل الوصول إلى الحقيقة، وماهية تلك العلاقة مع القضية الكردية في إطار الشرق الأوسط، التي يدفع ثمنها غاليا من حريته، ولذلك نتحسس الخُطا، لنعرف أن أوجلان يريد الوصول بنا إلى مفهوم العالمية الثقافية، والهوية الإنسانية، وأن التطور الطبيعي لشعوب الشرق الأوسط، هي ثقافة شاملة، تفعم بالحياة وسر الموت، وتقيم في طريقه ثقافة الفهم الشمولي.
يقول أوجلان في صفحة 251 بتساؤل هو: كيف نعيش؟ وما العمل؟ ومن أين البدء؟ وما هي الحقيقة والموت في سبيلها لها مكانة مهمة في الشرق الأوسط…”، قد لا يمُكنُ صياغة تعريف الحياة، أو بالأحرى، قد نشعرُ بها نسبياً، أو نُدركُها جزئياً.
كما أنّ رَصدَ حياةٍ تبدأُ من كائنٍ حيٍّ، لَم يصبحْ خليةً بَعدُ في أغوارِ المحيطِ قبل ثلاثةِ ملياراتِ سنةٍ من الآن، وتَصِلُ إلى إنساننا الراهن بمنوالٍ تسلسليّ، إنما يساهِمُ بشكلٍ محدودٍ في تحديدِ معنى الحياة، يبحثُ العلمُ حالياً عن أسرارِ الحياةِ في تكويناتِ الجُسَيماتِ ما تحتِ الذّرّيّة، ولكن، واضحٌ جلياً استحالةُ الذهابِ أبعدَ من إيضاحٍ محدودٍ للحياةِ، بهذا الأسلوبِ أيضاً، للحياةِ صِلاتُها مع هذه السرودِ بكلِّ تأكيد، ولكنها لا تَحلُّ المشكلةَ تماماً.
هذا ومقارنةُ الحياةِ بالموتِ أيضاً لا تكفي لإدراكِ معناها، أي أنّ القولَ: إنّ «الحياة هي ما قبلَ الموت» ليسَ نمطاً إيضاحياً مُقنِعاً كثيراً. الأصحُّ هو أنّ الحياةَ غيرُ ممكنةٍ إلا بالموت، أعلَمُ أنّ الحياةَ الخالدةَ مستحيلة، ولكننا بعيدون أيضاً عن معرفةِ معنى الموت، تعريفُ الموتِ أيضاً غيرُ ممكن، كما الحياةُ بأقلِّ تقدير، فربما هو مُحَصِّلةٌ نسبيةٌ لحياتنا، وربما هو إمكانيةٌ في الحياةِ، أو نمط تَحَقُّقِها.
حقيقة الموت… من فلسفة الحياة
يرى أوجلان أن خشيةُ الموتِ، ما هي إلا علاقةٌ اجتماعية، وربما الموتُ، هو شيءٌ مِن قبيلِ هذه الخشية، لا توجد ثنائيةَ المثاليةِ – الماديةِ مبدئيةً وإيضاحية، إذ لا قيمةَ لهذه الثنائية، التي يَطغى عليها طابعُ المدنية في تعريفِ أو شرحِ الحياة.
وأننا لا نَعرِفُ ما الحياةُ الاجتماعية، فلو كُنا نعرِفُها، لَكُنا أصبحنا حُماةً بلا هوادة لحياتِنا الاجتماعيةِ المُمَزَّقةِ إرباً إرباً تحت وطأةِ الأنظمةِ المهيمنة، الجهلُ يَسُودُ الحياةَ الاجتماعية، لا الحِكمة.
وبالأصل، ما يسَري في الطرفِ المقابلِ لحياةِ الهيمنةِ هو حياةُ الجهل، ذلك أنّه يستحيلُ الاستمرارُ بأنظمةِ الهيمنة دون إسدالِ ستارِ الجهلِ على الحَيَواتِ الاجتماعية، لا وجودَ لحَيَواتٍ اجتماعيةٍ رَتِيبَةٍ ولا محدودةٍ ومتشابهةٍ في كلِّ مكان. فالحياةُ النسبيةُ تعني الحياةَ الوحيدةَ الواحدية
والحقيقة كما نستشفها من فكر عبد الله اوجلان حول الحياة والموت والواحدية، هي علاقات متشابكة تشابك الحياة ذاتهاـ تحت أي مسمّى نفسي، أو ثقافي، أو ديني، أو اجتماعي-كلها تصب في مضمار حرية المرء، والشعوب الواحدة، والشعوب المختلفة، وأهمها فما يُعرف بصرّة العالم القديم، وهو ما نعرفه “الشرق الأوسط”، وهو مصطلح فيه غموض بقدر ما فيه من الوضوح.
يتبع ……