No Result
View All Result
المشاهدات 1
آراس بيراني_
تعد بنية الحرب من البنى الموضوعية المهيمنة في الحياة والأدب، لكن الشعر لا يتوقف عند تخوم الحروب والحزن.
الشعر ليس كائناً متفرجاً أو مصوراً فوتوغرافيا يلتقط مشاهد القتل، والتهجير أو ناقلاً للحدث عبر تقارير إعلامية، إنما هو بوح يتجذر نحو العمق ويتجول في أرجاء الفجيعة، ويعلن عويله إلى المتلقي بإحساس عال من الشاعرية. هكذا تمارس الشاعرة فيروز رشك كتابتها للنص الشعري، وهي تخطو في دروب التاريخ تستوقفها محطات طافحة بالعويل، مترعة بالوجع، ليس من السهل مبارحتها، وليس بمقدورها مغادرة تلك الميادين، وآلة القتل تنهش أرواحاً هشة بوحشية في زمن لا نقوى أبدا من الفكاك عنها، تتسمر اللحظات الثقيلة في محراب الزمن، تنوح ببحر الروح، تمزق نياط القلب، تستجمع وعيها في بؤرة موجعة، من عمق التراجيديا النازفة من شرايين تاريخ مدون بالعويل والدمع، حيث المشاعر في أعلى توترها الإنساني، في خطاب فني جمالي، تسعى الشاعرة عبر نصها الملحمي إلى توصيل أشد اللحظات حرجا في حياة الإنسان، ومقاربة لبنية الإزهاق من خلال الكتابة عن مشهديات الحرب، والأنفال والنزوح وما رافق عمليات الدمار من بؤس وجوع، وموت واغتصاب، وإيمانا منها بأن الشعر يمتلك القدرة على رسم لوحة الحياة بقتامتها وقادر على الكشف عن الأنساق الإنسانية وبنيات ثقافة السلام والمصالحة مع الطبيعة، البكر إزاء ترسبات همجية موغلة في التاريخ تحمل ثقافة القتل والنهب.
وهذه الأنساق الفنية للشاعرية رغم قبح الصورة والحالة، إلا إن جمالية الكتابة، ونسقها الثقافي تتجلى ضمن مضمرات الخطاب الشعر المسرود بلغة الشعر، لغة الوجع المضمخة بدمع سام، تلك اللغة التي ليس من السهولة شحنها بتفاصيل من التاريخ الدموي، كون الشعر ليس مجبرا أن يقدم لنا تحليلاً تاريخياً وسياسياً، وأن يضرب أخماسا في أسداس بل هو اقتناص حالة ما عبر صور شعرية، وروح دافقة تبدد بياض رقعة زمنية مكانية، يمارس الحبر نزيفه دما نقياً يتسرب بين أصابع الشعر، وهو يدونها ليس كوثيقة إدانة تاريخية، وإنما هي لحظات الإنسانية، في أنقى تجلياتها مكتنفة روح المغامرة اللغوية، وتزيح البوابات عن تاريخ وصراع مازال مستمر النزف على ذات الخرائط الجغرافية، وفي أزمان مختلفة، تستصرخ مجدداً نشيداً للحياة بتلك الروح الهائمة، التي تحلق في فضاءات نص “أيها الأرمني” نص مكثف وعميق بمضامينه التاريخية الآنية والمستقبلية حيث عويل أجيال مضت، ومازالت تمضي في دروب الحياة بمشاعرها وآلامها ووجعها، ونشيد كل الذين مضوا، الذي ينطوي على كل مشاعرهم في سعادتها وآلامها، يمارس النص الشعري عبور برزخ الواقع نحو الحلم، نحو تشكيل مساحة رؤى مكثفة لإنتاج الواقع، وإعادة ترتيب فوضاه بمزيد من العبثية وبكثير من الحرية.
فيروز رشك الشاعرة السورية، التي تعمقت شعرياً، ومنحت الكثير من نصوصها لقضايا الحروب، حيث الموت والنزوح، وطالما اجتازت ضفاف الحرب والسلام، في نصوص عديدة، وإذا كان التدوين لسان رواة التاريخ، فإن الشعر فم الريح وروحه الحية.
No Result
View All Result