سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قضية العنف ضد المرأة الليبية معلقة إلى حين استعادة الدولة سيادتها

تسبب انهيار الدولة الليبية، وحالة الانفلات الأمني، التي عرفتها البلاد بارتفاع منسوب العنف بشكل غير مسبوق ضد المرأة، ولا تزال النساء ينتظرن تشريعات قانونية لحمايتهن والحصول على حقوقهن الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.
غياب نظام قانوني متين
وقالت بعثة الأمم المتحدة، إنه وعلى غرار العديد من البلدان في أنحاء العالم، تحتاج ليبيا إلى وضع نظام قانوني متين للتصدي للعنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك سن قوانين مناسبة لضمان حماية ضحايا العنف، تضمن توفير الخدمات الكافية للنساء، والفتيات لدعمهن والمساعدة في محاسبة الجناة.
وأضافت البعثة، أن العنف ضد النساء والفتيات بأشكاله المختلفة، أخذ منحى تصاعديا في ليبيا، ويشمل اللفظي أو الجسدي وما يعرف بـ”جرائم الشرف”، علاوة على العنف ضد المرأة عبر الإنترنت.
مَن يحمينا؟
كما أعلنت لجنة شؤون المرأة والطفل، بالبرلمان أنها عاكفة وبكل جدية على إصدار قانون يجرم العنف ضد النساء بأنواعه وأشكاله كافة في القريب العاجل، ودانت واستنكرت لجنة شؤون المرأة والطفل، ما تعرضت له بعض النساء في ليبيا من عنف أسري، أدى إلى قتلهن عمدا لأسباب يأباها الشرع والقانون، مطالبة الجهات القضائية والجهات المسؤولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة مرتكبيها.
ومع إطلاق تظاهرة 16 يوماً من الفعّاليات ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، دعا المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي الجهات الفاعلة في ليبيا إلى اتخاذ خطوات جادة، وفاعلة لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات في البلاد.
وأشار إلى أنه: “ينبغي تمكين المرأة وتوفير الحماية لها، ليتسنى لها التعبير عن آرائها بشأن التطورات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية للبلدان، التي تنتمي إليها”.
ولا تزال المرأة الليبية تنتظر الحصول على حقوقها الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية كاملة، كما تطمح إلى القيام بالدور السياسي، الذي ينسجم مع موقعها في المجتمع ويفسح أمامها المجال لتتولى مراكز قيادية في الدولة.
ويرى مراقبون أن نساء ليبيا كان لهن دور مهم في التاريخ، ولكنهن دفعن ثمن الصراعات والحروب، لاسيما منذ العام 2011، ولا يزلن إلى اليوم في انتظار تشريع قوانين تقدمية تحميهن من العنف، والتهميش، والإقصاء، والظلم، والحيف السياسي، والاجتماعي.

على أمل استرجاع الحقوق
وبات هناك شبه إجماع على أن انهيار الدولة، وحالة الانفلات، التي عرفتها البلاد على الأصعدة كلها، وانتشار السلاح والميليشيات، واتساع ظاهرة الإفلات من العقاب والنظر إلى الدولة في صورتها السابقة على أنها كانت معادية للمجتمع أو مناهضة لثوابته، أدى آليا إلى ارتفاع منسوب العنف بشكل غير مسبوق ضد المرأة، باعتبارها العنصر الهش داخل الأسرة والمجتمع.
وعلى مدى الشهرين الماضيين، عمل قسم المساواة بين الجنسين التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على جمع 90 ناشطة من أنحاء ليبيا، للوقوف خلف رسالة موحّدة لمناهضة العنف، والتحرش عبر الإنترنت.
وقالت ندى دروزه، مسؤولة شؤون المساواة بين الجنسين في البعثة: “من المهم تسليط الضوء على أنه وعلى الرغم من خلافاتهن السياسية، فإن النساء الليبيات متحدات حول القضايا ذات الصلة، للنهوض بأوضاع المرأة وحقوقها”.
وأردفت أن: “هذا الموقف الموحد يمثل رسالة إيجابية يجب أن يتردد صداها باستمرار”.
وأعلنت وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش رفض أشكال العنف كافة ضد المرأة، المرفوضة شرعا وإنسانيا، والتي تشمل كذلك التنمر والإساءة للمرأة على منصات التواصل الاجتماعي، والتمييز ضدها في مواقع العمل وداخل المجتمع.
ويعتقد الناشطون أن القانون الجنائي الليبي لا يزال يحتوي على بعض الثغرات الحقوقية، وعلى أحكام تدخل في نطاق التمييز الجنسي ضد المرأة، كما أن العقلية الذكورية لا تزال تسيطر على المجتمع، وتحاول تبرير ذلك بخطاب ديني متشدد يجد صدى له في بعض أوساط المجتمع القبلي، التي لا تعترف بحرية المرأة، ولا بمساواتها مع الرجل، ولا ترى فيها إلا أصلا ثابتا لشرف الأسرة ولصورتها في بيئتها البدوية.
تحصين المرأة يحتاج إلى تشكيل وعي
وما يزيد الوضع تأزما، أن العنف ضد المرأة اتخذ شكلا جديدا، يتمثل في التحرش والتنمر على مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، في ظاهرة تستند إلى حالة الفوضى، والانفلات في الفضاء الإلكتروني، ولم تسلم منها غالبية البارزات في المجتمع العام كالفنانات، والإعلاميات، والرياضيات، والكاتبات، والناشطات الحقوقيات، والسياسيات، ومن بينهن وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة المنتهية ولايتها نجلاء المنقوش، التي تعرضت للهجوم عليها بسبب عدم ارتدائها الحجاب، إذ إن السفور لا يزال رديفا للخروج عن القيم الأخلاقية والاجتماعية وفق العقلية السائدة، في ظل انتشار خطابات الإسلام السياسي والاجتماعي في مختلف أرجاء البلاد بشكل غير مسبوق.
وينظر أغلب الناشطين إلى أن أي محاولة لتحصين المرأة من العنف تحتاج إلى إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي، بدءا من الأسرة، والتعليم، والإعلام والثقافة، والخطاب الديني المنفتح، وقمع الخطاب المتطرف، وخطاب الكراهية، وصولا إلى القانون، الذي يجب أن يكون نافذا في حق كل من يتجاوزه، مع عدم السماح باعتماد أي مبرر لتعنيف المرأة، كما أن التمكين الاقتصادي للمرأة يمكن أن يساعدها على حماية نفسها من كل الأخطار التي تهددها داخل الأسرة والمجتمع.

لا ملجأ لهنّ
وحسب الكاتبة انتصار البوراوي، فإن الحكومات المتعاقبة، بعد ثورة شباط في عام 2011، والوزارات المختصة بالشؤون الاجتماعية، أو وزارات المرأة المتتالية، لم تعمل على إنجاز أي خطوة على طريق حماية النساء، معنويا أو ماديا، بإنشاء دور أو مؤسسات لحماية النساء المعنفات والمهددات بالعنف أو القتل من أزواجهن أو عائلاتهن، وكل ذلك ساعد في استفحال ظاهرة تعرض النساء الليبيات للعنف والقتل دون وجود سند يحميهن من المصير المأساوي، الذي يتعرضن له، في ظل عدم وجود ملجأ أو مكان يحميهن من حالات الاعتداء والضرب، والتهديد بالقتل.
واعتبرت انتصار، أن الدولة مسؤولة عن كل ما تتعرض له النساء الليبيات من عنف أسري، أصبح يستفحل ويتعاظم كل يوم، ويظهر في جرائم قتل للنساء بأعداد كبيرة لم تكن معروفة بالمجتمع الليبي.
وتابعت أن المشكلة الرئيسية في قضية النساء اللاتي يتعرضن للعنف الأسري والتهديدات بالقتل، تكمن في عدم وجود مكان يلجأن إليه كلما تعرضن للعنف، والتهديد الأسري كما كان في بداية التسعينات، حين أنشأت الدولة مؤسسات لحماية النساء المعنفات أو المهددات بالقتل في أكثر من مدينة، أطلق عليها اسم مؤسسات “البيت الاجتماعي”، وتتمثل مهمة تلك المؤسسات في احتواء من يتعرضن للضرب، والعنف من عائلاتهن، فتوفر المؤسسة مكانا آمنا لهن للإقامة ولمواصلة دراستهن أو عملهن، ولكن للأسف تم إقفال وإلغاء مؤسسة “البيت الاجتماعي” بفروعها.
وفي انتظار توفر الحل السياسي للأزمة، التي تعرفها البلاد منذ 12 عاما، تبقى قضية العنف ضد المرأة معلقة إلى حين استعادة الدولة لسيادتها والقانون لسلطانه، وكذلك إلى حين التوصل إلى خيارات مجتمعية توافقية تحترم الحقوق العامة والخاصة، بما فيها حقوق المرأة، التي لا يمكن فصلها عن جملة أعمدة البناء الاجتماعي السليم والثابت، حيث يعتقد البعض أن السلام الأهلي والرفاه الاقتصادي والوفاق الاجتماعي والتعدد الثقافي والانفتاح الحضاري، يمكن أن يساعد على تغيير الواقع بتغيير أدوار ومواقف وعقليات ومشاعر المتحركين فيه، فالتحولات الإيجابية، هي التي تستطيع استبعاد الظواهر السلبية من المجتمعات ولو تدريجيا، كما أن تطور الوعي لدى الفرد يمكن أن يؤسس لتحولات في مستويات الوعي الجمعي، بما يؤدي إلى تقديس الحريات والحقوق واحترام القانون وسلطته، والنظر بأكثر إيجابية وعقلانية إلى الآخر مهما كان موقعه، أو واقعه، أو نوعه الاجتماعي.
وكالات