سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

شابتان من “أصحاب الهمم” تنالان شهادة الدبلوم للمرة الأولى

لم تقف الإعاقة والظروف الاجتماعية القاسية عائقَين أمام سوما صالح (30 عاما)، وسوزان حاتم (26 عاما)، وهما من ذوي الإعاقة السمعية والنطقية، لتحقيق حلمهما بنيل شهادة أكاديمية، فصارتا أول شابتين من أصحاب الهمم تحصلان على شهادة الدبلوم في المحاسبة والكمبيوتر على مستوى العراق، وباشور كردستان، وقد أصبحتا رمزا للكفاح في البلاد، على الرغم من حالات التنمر، التي كانتا تتعرضان لها باستمرار.
وفي بدايتهما، تأخرت الشابتان كثيرا في مسيرة التعليم بسبب صعوبات الدراسة، إذ درستا لغاية الصف السادس الابتدائي، ومن ثم انقطعتا عن الدراسة ثلاث سنوات متتالية، وعادتا بعدها إلى المدرسة، ما جعل قطار التخرّج يفوتهما بعيدا عن وقته المُحدّد، لكنهما أكملتا مشواريهما، وإن كان بشكل بطيء.
لغة الإشارة والصوت
أكثر ما يزيد من معاناة “أصحاب الهمم”، سواء في باشور كردستان عموما، هو عدم وجود مدارس خاصّة يتلقون فيها مناهج الدراسة وفق لغة الإشارة، ما يدفع غالبيتهم إلى عدم الاستمرار في الدراسة.
وفي السليمانية، يوجد معهد “هيوا”، وتعني باللغة العربية “الأمل”، وهو الوحيد الخاص بذوي الإعاقة السمعية والنطقية في المنطقة.
ويعتمد المعهد، الذي يعمل منذ عام 1982، على المناهج الدراسية ذاتها المعتمدة في المدارس الحكومية الاعتيادية، لكن الدروس تقدّم بأسلوبين، هما: لغة الإشارة والصوت، وذلك لأن نسبة الإعاقة تختلف من شخص إلى آخر.
وفي حديثها بلغة الإشارة، تتحدث سوزان عن معاناتها مع عدم وجود مناهج دراسية خاصّة لها ولأقرانها، وهذا ما جعلها تجتاز الصف الأول الابتدائي بعامين، والصف السابع والثامن والتاسع الثانوي بعامين لكل صف في معهد “هيوا”.
هذا الأمر جعل سوزان تتأخر كثيرا في إكمال الدراسة، إلى أن تخرّجت في عام 2022 من قسم الكمبيوتر في معهد كردستان.
وتُشير إلى واحدة من المعاناة، التي كانت تعيشها أثناء دراسة الكمبيوتر في المعهد لمدة عامين، وهي عدم وجود أي شخص يُترجم لها المواد أو يُساعدها في تسهيل الدراسة، ما دفعها إلى أن تعتمد على جهودها الشخصية فقط في فهم المناهج الدراسية.
دعم الأم والعائلة
أمّا سوما صالح، فلا يختلف واقعها كثيرا عن صديقتها سوزان، وأقرانها الآخرين، إذ كانت ترغب في دراسة الهندسة، لكنّ “ذوي الإعاقة السمعية والنطقية” الدارسين في معهد “هيوا” يكون أمامهم فرصة واحدة لإكمال دراستهم بعد اجتياز الصف التاسع الثانوي، حيث يمكنهم فقط الدراسة في معهد الكمبيوتر، وهذا وقف عائقا أمامها، كون دراسة الهندسة تشترط أن يكون الطالب خريج القسم العلمي من المرحلة الثانوية.
وتقول سوما بلغة الإشارة: إن عائلتها كانت سندا قويا لها، لا سيما والدتها، التي كانت مرافقة لها باستمرار خلال فترة الدراسة، فضلا عن الدعم، الذي كانت تتلقاه من الكادر التدريسي، ما ساعدها على اجتياز كل المصاعب لحين نيلها شهادة الدبلوم في المحاسبة من معهد كردستان، وبذلك أصبحت أول شابة على مستوى العراق وباشور كردستان تنال هذه الشهادة.
وعادة ما يعتمد “ذوو الإعاقة السمعية والنطقية” على حركة الشفاء للتحدث إلى الآخرين، ويتخذون من لغة الإشارة أساسا للتواصل، لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة أثناء التخاطب والحديث مع غيرهم.
مشكلات وإنجازات
وتُشير بهار محمود الخبيرة في لغة الإشارة، ورئيسة منظمة “الإشارة” لذوي الإعاقة السمعية والنطقية ومُدرّسة مادة الرياضيات في معهد “هيوا” إلى أبرز المشكلات، التي تواجه “أصحاب الهمم” خلال متابعتهم دراستهم الأكاديمية، وهي عدم وجود قاموس خاص بهم يضم كل الإشارات والعلامات، فضلا عن حاجتهم إلى مترجم في المعاهد والجامعات.
وهذا “العائق الكبير” يمنعهم من الاستمرار في الدراسة داخل المعاهد والجامعات، ما يدفع عددا كبيرا منهم إلى الانقطاع عن مقاعد الدراسة بعد الانتهاء من الصف التاسع.
وتقول بهار إن ذلك: “لا يسمح لهم بالدراسة في الجامعات أو المعاهد، ولكن في السنوات الأربع الماضية باتت لديهم فرصة للدراسة في الإعدادية المهنية في صفّ مُخصّص لهم”.
وفي حديثها تُطالب بهار حكومة باشور كردستان بأن يكون لـ”أصحاب الهمم” الحق في إكمال دراستهم، سواء في المعاهد أو الجامعات أو إعداديات التجارة والفنون الجميلة وغيرها، وعدم حصرها في قسم مُعين “لأنهم أصحاب قدرات هائلة قد تؤهّلهم لإكمال الدراسات العليا”.
وترى أن نيل اثنين من تلامذتها شهادة الدبلوم للمرة الأولى على مستوى العراق وباشور كردستان يُعد “إنجازا كبيرا وحقيقيا”، وإن طالت ولادته.
وكالات