ريما الزعبي… توثيق الشعر، وأداء موسيقي عبر سلالم الضوء واللون

آراس بـيـرانـي_

الفنانة ريما الزعبي واحدة من فنانات التشكيل السورية نجمة ساطعة في فضاء التشكيل السوري إلى جانب الفنانات نضال سواس، وشيرين باران بالإضافة إلى سمر دريعي، وفيفيان الصايغ وعلا الأيوبي… هذه الأسماء تدل على عافية واستمرارية الفن التشكيلي السوري، وفي مساراته العالمية أيضاً.

تتميز لوحات الفنانة السورية ريما الزعبي بالثراء اللوني، وذلك من خلال استخدامها الألوان الزيتية، والمائية، والبلاستر؛ ما يضيف لمعجمها اللوني غنى وثراء.

ومن أبرز التفاصيل الفنية لدى ريما الزعبي، وأجملها حالة الدمج بين المعماري والتشكيلي، فلا تناقض وإنما انسجام، بما تمتلكه من حدة وعنف، وهي ترتكب خطوط الفصل والوصل بين أجزاء اللوحة، حيث تعلن في النهاية بنائية عمرانية تشكيلية متكاملة؛ ما يعكس دقة عالية في التعبير…

 يحفل المكان بالتنوع ما بين دمشق، وأماكن قصية في العالم، أو ضمن أماكن وأزقة لا تبوح بأحزانها، هناك في الحارات القديمة الضيقة المحتضنة لناسها وللعابرين تجدد بيعتها مع العشق ضمن حركة لونية راقصة، لنساء يزركشن بألوان حارة إلى مقعد في الحديقة، حيث الثبات والسكون الذاتي، إزاء موضوعية الحركة والنشاط الحياتي.

فهي تحتفل بالوجود، تروي قصصه وحكاية أشخاص مروا من هناك.

تجسد بألوانها قصيدة درويشية، كأننا إزاء نساء وأمهات أو جياد مرت منذ حين من جدارية درويش… حيث الحركة المستمرة والتوقد فلا يشبهها الهدوء.

فمن المكان إلى الذاكرة حيث رواية حكايات بلغة اللون، هذه الرحلة المدونة تشكيلياً، هي أبرز سمة لأعمال الفنانة ريما الزعبي، فاللوحة المائية تشعرنا أننا أمام وجوه جميلة مضطربة، تحاكي وجهاً منعكساً على صفحة بحيرة، وربما أغنية فيروزية، تتحرك الصورة، وتتغير الملامح، معبرة عن أكثر من مستوى للشخصية، ونشعر مع وجوه البورتريه أنهم أناس نراهم في الأسواق، نصادفهم في معتركات الحياة، فالفنانة تمتلك حاسة نظر قوية، تلتقط ملامح شخصياتها من وجوه العابرين، وتتخذهم أبطالاً لأعمالها ورسوماتها، وتفاجئنا رسوماتها وخاصة المائية، بوجوه مريحة جداً، أو وجوه ستروي لنا حكايات مرعبة، مرعبة جدا عن الواقع..

توثق ذاكرة البؤس والألم، أو مشاعر الغبطة والفرح، فهي تعمل على صنع ذاكرة، حيث الحاضر لا يدوم، تمارس فلسفة إيمانية خاصة، بأن البشر سيحتاجون ذاكرتهم يوماً ما، وأنه الحلم ربما سيختار، أن يهجع مثل طائر فقد قدرته على التحليق، وأنه سنحتاج حينها للذاكرة، كي نستمر بالعيش، ونستمر في رحلة الحياة.

تخط بالألوان، وبالضوء بهرجة تعاند الذبول، واليباس، ترسم العيد في ملامح فرح صغير، حيث ضحكات فقيرة، تمارس تقشفاً صوفياً، تنطلق من خليجها الضيق نحو محيط واسع، تمتزج مع الكون، اللون لا حدود له، ولا هوية، ولا قوانين، فالبرية عالمها، والجبال الزرقاء كائن، له لغته واغنياته، وله ذاكرته أيضاً، وتمضي في مدينتها تبحث عن فرح، شوارع المدينة تتسع وتطول، تأخذنا إلى مقعد في الحديقة، ذاك المقعد المظلل بظلال الصنوبر العتيق هو العالم كله، هو الظل الكوني، ومن شرفة ذلك العالم تعيد تشكيل المكان الأوسع والأمضى.

هكذا يمكننا أن نرى، ومن زاوية رؤية خاصة كل هذا العالم، الذي تعلنه ريما الزعبي بكل هدوء، وبكثير من الحذر والقلق…