الكتابة المسرحية للطفل الكردي

آراس بـيـرانـي_

(نصوص فاطمة أحمد المسرحية نموذجاً)

للطفولة عوالم مختلفة، ومتشابهة، ولكن من المتفق عليه أنّ الطفولة مرحلة هامة، ينبغي الاهتمام بها، ورعايتها بوصفها الأساس لمستقبل المجتمع، بوصفه أحد متطلبات التنمية المستدامة، ولعلّ إنتاج أدب للأطفال هو الأكثر أهمية على صعيد بناء الطفل، وإبراز شخصيته، وإثراء معارفه ومعلوماته عن الحياة والبيئة المحيطة به، فمنذ القدم كانت الحكايا والقصص تروى في قوالب من شأنها ممارسة التعليم والتنمية، كما كان المسرح اليوناني القديم يعرض أعمالاً تخص وتتوجه للطفل، ومنها ما تتعلق بالمأساة، وملاحم البطولة والخلود.

من هذه المقدمة ننتقل لكتاب صدر حديثاً، وباللغة الكردية ضم بين دفتيه أكثر من أربع عشرة مسرحية موجهة للأطفال للكاتبة والمخرجة المسرحية الكردية، فاطمة أحمد، الذي صدر تحت عنوان Diziya bexca”  -سرقة الحقول” عن اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة.

فاطمة أحمد حاولت، ومن خلال المسرح لأنه الفن، الذي يجمع الأدب والموسيقا، والحركة، القادر على التغلغل لأعماق الطفل وإشباع احتياجاته، وشغفه وفضوله.

فالمسرح أحد أشكال عمل القصة من حيث احتوائه على حدث، وحبكة، وفكرة، لكنها في المسرح تسمو بروح الحركة والضوء والموسيقا، وهو الأمر الجوهري في خلق الخيال وتحفيزه

فالمسرح الخاص بالطفل يعد أسلوباً ناجحاً؛ لتهذيب اللغة والنفوس وتربية الوجدان، وصقل العاطفة، وتثبيت العلوم والحقائق في عقولهم النقية، وهي منصة تقدم لهم رؤى مستقبلية لمجتمعهم، الذين يحيون به، منصة استطاعت الكاتبة فاطمة أحمد أن تتفنن في اختياراتها لنمطية اللوحات، والمسرحيات، التي دونتها في كتابها المميز على صعيد الكتابة للطفل الكردي و بلغته؛ وذلك لمنحه لغة مصقولة قادرة على التفاهم، وإنشاء الحوار بكل سهولة، واتقان  النطق الصحيح والكلام الواضح، ما يسهم ذلك في تنمية الثروة اللغوية، والتعبير السليم، كما أنها تمنحهم معلومات عن الحياة عبر تجسيد المواقف والأحداث، وعادات الناس وأخلاقهم، وأساليب تعاملهم وتصرفهم إزاء مواقف معينة يفرضها إيقاع الحياة، وذلك عبر خلق الخيال، وإشراك الطبيعة من نباتات، وأشجار وحيوانات وشخوص، إنسانية في نصوصها المسرحية،

من خلال عرضها لمواقف حياتية كمساهمة مباشرة في تكوين سلوكيات الأطفال، وتوجيهها نحو الأفضل، وزيادة ثقتهم بأنفسهم وتقوية مهاراتهم في فهم البيئة المحيطة والحياة.

وتبقى الكتابة المسرحية للأطفال فناً مستقلاً بذاته، متكاملاً بعناصره، التي تستمد خصوصيتها من ميزات عالم الطفولة وخصائصها النفسية، والاجتماعية والعمرية، والمسرحيات التي تمنحنا قراءتها في هذا الكتاب، الذي نحن بصدده يأخذ بخيال الطفل نحو عوالم متخيلة أو التعامل مع وقائع وصور حياتية في حركة مدروسة و مسؤولة، تعي أهمية ودقة الكتابة للطفل، فهي تطمح ومن خلال المسرحيات إلى زيادة قدرات الطفل العقلية، وتحقيق أهداف جمالية، وإن كان ثمة رغبة في مسرحة هذه الكتابات، وتقديمها عبر منصات مسرحية لتقدم وجبة متكاملة من التدريب والجمال والفن للطفل، وخاصة إن الكاتبة ناشطة في مجال المسرح وتسعى إلى توظيف المسرح في خدمة التعليم والتنمية، لإيمانها العميق بالمسرح كأدب وفن كأبرز وسائل التواصل مع متطلبات الطفل وخياله، فالمسرح وسيلة راقية ومؤثرة، ليس في الطفل فقط، وإنما للكبار أيضاً، بما له من خاصية مباشرة وفورية في مخاطبة العقل والوجدان، ولهذا يبقى مسرح الطفل ضرورة حتمية من أجل تنمية السلوك الإبداعي عند الأطفال، ومن أجل تطوير سلوكهم نحو الأفضل.