No Result
View All Result
المشاهدات 0
آراس بـيـرانـي_
نص “قوافي الأقحوان” نموذجاً
الجزء الأخير :
لقد تحدثنا في الزاوية السابقة عن أهمية، وضرورة الأمكنة في بناء النص الشعري، وأنه من الصعوبة بمكان العثور على نص شعري يكاد يخلو من ذكر الأمكنة، (شارع، قرية، غرفة، نافذة، طريق، جبل، وادي، نهر، بحر…). والمكان تشكيل هام في رسم تفاصيل الحيوات، أو السير الذاتية، تلك الأمكنة، التي تختزنها الذاكرة، فالذاكرة خزان من الأحداث، والمعارف، والمشاهدات، وإعادة سردها لا يعني تدوينها كسجلات تاريخية، أو توغل في جغرافية بيئة ما، وإنما هي ممارسة شغف إنساني بالعودة إلى الجذور، وخلق تفاعلات حسية ضمن استرجاع صور لأَمكنة، أو شخصيات، أو أحداث من سيرة الطفولة، وكلنا يدرك الأعمال والتصرفات الطفولية، وسلسلة من ألعابها، التي كانت مستمدة من البيئة ومن الطبيعة، من حجارتها وطينها ونباتاتها، فها هي مها كندور تتذكر طفولتها تصنع من طين النهر احتياجاتها، ومن زهور ضفاف النهر تنسج تيجان، وعقوداً براقة عطرة..
“كم كنتُ أصنعُ منها أقراطاً جميلةً وقلائد/ أتزينُ بها”..
ذاكرتها تمضي مستدركة زمناً قد مضى، تتدفق صور الطفولة، وساعات اللهو، والمرح عند ضفاف النهر، تعبر عن حالة انفصال وتواصل لما يتملكها من ضياع، وما يتهددها من الزوال والفقدان، إزاء حضور، ونضوح عنصر الماء، تدفع بالذات الشاعرة إلى المكان تحاول إفراغ جعبة الذاكرة؛ لتمنحنا بهاء الحالة معربة عن كنوز ضفاف النهر، من نباتات، وزهور برية، للانطلاق نحو نوافذ الدهشة لتروي ظمأها، وحنينها عبر تذكر تفاصيل صغيرة، ودقيقة، وكل من عاش في الريف، أو في بيئة نهرية سيدرك جماليات المكان المرتبطة بذاكرة جمعية تشاركية، شارك بها أجيال وأجيال، وهل أجمل من صياغة عقد من العشب، والتزبن بقرط من زهر، والزهر مصيره الذبول، والأيام إلى زوال، فكل يوم يمضي مسرعاً نحو اليباب، يروي الزرع، والضرع، فالنهر برمزيته، وبحقيقته رمز بقاء وحياة تروي قلوبهم النابضة، بعشق المكان والحياة.
“وعلى مر العهد بيننا/ تحولت الزهرة الصغيرة في أُذني إلى قطعةٍ لامعة/ وقلادة الورودِ إلى عقدٍ”
ويمضي النهر مع تداعيات متبادلة زمانياً، لكنها المكان ذاته الى نهاية الدفق الشعري، فتعلن قفلة تحيلنا الى حضورية الحالة، ربما إلى مستقبل المكان، الذي هو الحاضر المعاش، تكشف الشاعرة مها كندور ما ينتابها من خوف، ومن قلق من إدراكها العميق بحقيقة الصراع وضرورة خلق مستلزمات البقاء، فالمكان قلق، هكذا تعلن جغرافية نصها الشعري، مصاباً بداء القلق، داء التفكك حيث المعاناة عميقة والصراع طويل وشاق، فالنهر لم يشق دربه في الأرض بسهولة، ويسر، فحمل سر الوجود، وحمل الماء قلبها الأخضر النابض بالأمل والحياة، في حالة عشق أزلي وثورة صوفية عميقة، تمنح القلب السرور في حالة تبادلية بين الخيبة، واليأس، أرادت منه التحذير من جهة، وحالة من العشق الصوفي الحلولي، تختتم النص بصورتين متكاملتين، اذ تمنح عشقها للنهر، ويمضي النهر مشرقاً قد أضاء عتمة دروبه قلبها، الذي خلق من عقيق أخضر بهي، وشهي..
“يحملُ قلبي بين فكيه كعقيقٍ أخضر / يومض عتمة دروب الحياة”.
No Result
View All Result