لم يعد كُرد القبور هم الكُرد الجيدون

مصطفى بالي_

أتتذكرون حادثة إطلاق الجنود الروس للرصاص على رأس تمثال الشاعر الأوكراني تاراس تشيفشينكو؟ نعم هي حادثة تختصر في ذاتها رعب الغزاة الدائم من كل فكر حر، تحمل بين طياتها من البلاغة ما تعجز كل لغات العالم عن الإتيان بمثله، إنها عويل العدم في أودية الحياة، تنذر نذر شؤمها على رأس كل الشعوب التواقة للانعتاق، وهي الفيصل والصراط الذي يميز بين الفسطاطين ما أشرقت شمس وأظلم ليل.

منذ أيام تتصدر عناوين نشرات الأخبار في وسائل الإعلام قضية رغبة كل من السويد وفنلندا بالانضمام إلى حلف الناتو، والاعتراض التركي على هذا الانضمام بحجة أن هاتين الدولتين تدعمان الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني، وبناءً على حق النقض (الفيتو) الذي هو حق لكل دولة عضو في الناتو فإن تركيا (أفضل من يتفهم القضية الكردية بحسب الكردي الجيدين) استخدمت هذا الحق لأول مرة في تاريخها، أو هددت باستخدامه لمنع هاتين الدولتين من الانضمام لهذا الحلف، وسبب الرفض التركي هو قضية الشعب الكردي.

في الحقيقة محير هذا الاعتراض التركي، فماذا يمكن أن تقدمه السويد أو فنلندا من دعم للقضية الكردية، وهما الدولتان المشهورتان بالحياد في كل القضايا الدولية، وما كان لهما التفكير بالانضمام إلى الناتو لولا شعورهما بالضعف والتهديد المتربص بهما من روسيا، وما هو حجم هاتين الدولتين في القدرة على إحداث الفارق في قضية معقدة بحجم القضية الكردية حتى تثور ثائرة تركيا ضدهما؟

في الحقيقة لا يهم تركيا حجم الدولتين، وتركيا تعلم أكثر من غيرها بأن دولة اغتيل رئيس وزرائها في وضح النهار ولم تستطع محاكمة القتلة ولم تُحرك ساكناً، هي أعجز من أن تكون قادرة على دعم أي حركة تحرر، إلا أن تركيا تريد إفهام العالم بأن بوصلة ومعيار العقل السياسي التركي متعلقة بهذا العنوان، وريختر السياسات التي تتفاعل معها تركيا سلباً أو إيجاباً هي قضية الشعب الكردي، ببساطة تركيا تقول للعالم إن هذا الهواء في الكون لا يكفي الكرد والأتراك معاً، هذه المياه في الكون لا تكفيان الكرد والأتراك معاً، هذا الكون الفسيح لا يتسع للشعبين معاً، ومن يريد أن يكون صديقنا عليه قطعاً أن يكون شريكنا في إبادة و إفناء الكرد، فقط لا غير.

قد يتساءل سائل، وما علاقة الاعتراض التركي بحادثة إطلاق الجنود الروس الرصاص على تمثال شاعر أوكراني مضى على رحيله عن الدنيا قرنان من الزمن؟ العلاقة ببساطة هو أن تركيا (صديقة وولية نعمة الكرد الجيدين) طالبت السويد بتسليمها مجموعة من النشطاء الكرد بتهمة أن هؤلاء يدعمون القضية الكردية، ومن هؤلاء المطالبة بتسليمها الكاتب الكردي محمد سراج بلجين المتوفي منذ عام 2015 وأمينة كاكابافيه البرلمانية السويدية من أصل كردي/ روجهلات.

تركيا المتموضعة على ترسانة الأجهزة الاستخبارية، ليست غبية لكي تطالب بتسليمها رجلاً متوفي، هي تعلم علم اليقين أن الرجل متوفي، لكنها وبنفس منطق هؤلاء الجنود الروس تريد القول لنا، أننا سنلاحق حتى موتاكم، فما عاد كرد القبور هم الكرد الجيدين، إنما الجيدون هم أولئك الذين يعملون وفق أجندتنا بأجر معلوم.

المفارقة في الوقاحة التركية، هي مطالبتها بتسليمها أمينة كاكابافيه، وهي امرأة سويدية بالمقاييس القانونية ذات أصول كردية من روجهلات كردستان، أو ما يسميها (الكرد الجيدون) بكردستان إيران، والأكثر مفارقة أن هذه السيدة مهتمة بقضايا المرأة وكانت ناشطة سياسية كردية في إيران في حزب لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب بحزب العمال الكردستاني، ولكن ولأنها كمواطنة وبرلمانية سويدية أبدت موقفاً معارضاً للغزو التركي ضد روج آفا مثلها مثل مئات البرلمانيين والنشطاء الأوروبيين، فإن تركيا تطالب بتسليمها، فقط لأن جذورها كردية.

هل ما زال البعض الرخيص يعتقد بأن تركيا عدوة لحزب سياسي وليست عدوة للكرد؟؟