خمس سنوات على احتلال عفرين

رجائي فايد / القاهرة_

مرت خمس سنوات على احتلال عفرين، والمحتل خلال تلك السنوات عمل على تغييرها ديموغرافياً، وبذلك يُثبت أن احتلالها هو احتلال استيطاني على أمل أن تلحق عفرين بالمناطق الأخرى، التي سبق احتلالها منذ عقود، وهو أمر يجب ألا يُسمح به كردياً، وسورياً، وعربياً، وأضيف إلى ذلك، ومصرياً أيضاً، وربما يسأل أحدهم وما علاقة مصر بتلك القضية؟ الإجابة واضحة ففضلاً عن الدور، الذي يجب أن تلعبه مصر في أي قضايا تتعلق بالمنطقة، فإن عفرين لها ألقٌ خاصٌ في التاريخ المصري، ففي القاهرة يوجد شارع يحمل اسم سليمان الحلبي، وهو الذي يُخلد البطل العفريني، الذي ينتمي إلى إحدى قرى عفرين، والذي بسبب بطولته، وتضحيته بحياته أسهم إسهاماً بارزاً فى تعجيل جلاء المحتل الفرنسي عن مصر، بعد أن انتقم من جرائم القائد الفرنسي كليبر في حق المصريين، لذلك عدّ مسألة تحرير عفرين من الاحتلال التركي يجب أن تكون هماً مصرياً مقدماً على غيره من الهموم، وما أكثرها!

وفى زاوية سابقة تحدثت عن الآلام الكردية، التي من الممكن أن تكون موحدة للشتات الكردي، وكان الحديث بمناسبة التطرق إلى بعض ما حدث فى شهر آذار ما بين قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي، وما حدث فى قامشلو من انتفاضة كردية، قمعها النظام بكل وحشية، وضحّت كوكبة من الشهداء بأرواحهم قرباناً لمطلب الحرية، فلا شيء يقدم بالمجان (وللحرية الحمراء بابٌ… بكل يد مضرجة تدق)، ولأنه لاحظت أن هناك توحداً كردياً جامعاً بشأن المطالبة بعودة عفرين إلى الحضن الكردي ورحبت بذلك، وربما يكون فيه بداية للتوحد الكردي، الذي ينشده كل كردي بل وكل محب لكردستان.

أمّا عن مصر وعفرين وما قام به تاريخياً البطل العفريني (سليمان) من أجل مصر، نحن نعلم جيداً ما قام به، إذ هاله ما ارتكبه (كليبر) خليفة نابليون، في قمع ثورة القاهرة الثانية، ومجازره في حق مصر وعلماء الدين، وانتهاكه بخيوله حرمة الأزهر الشريف، وسليمان الذي أرسله والده في عفرين كي ينهل العلم من علماء الأزهر، فإذا به يجدهم قتلى على يد هذا السفاك، وكان جزاء كليبر على جرائمه هي إزهاق روحه، وقد كان ما فعله الذين يعتبرون أنفسهم متحضرين شيئاً فظيعاً ورهيباً، لقد قاموا بحرق يده، وهو حي ثم بعد تعذيبه بالخازوق، قاموا بصلبه، وبعد أن فاضت روحه إلى بارئها أخذوا كامل رفاته، واحتفظوا بجمجمته في متحف باريس وكتبوا عليها (القاتل)، فأي تناقض في ذلك؟! الاسم المكرم في القاهرة هو نفسه الموصوم بالقاتل في متحف باريس، ولذلك يجب أن يكون هناك علاج لهذا التناقض.

لنأخذ ما قامت به الدولة الفرنسية تجاه رفات الجزائريين الذين شاركوا فى حرب الاستقلال، حيث قامت بتسليم رفاتهم للدولة الجزائرية في احتفال يليق بهم وفي اعتراف فرنسي بأنهم مناضلون، وليسوا قتلة –وهم الذين حاربوها-، الأمر نفسه ينطبق على سليمان الحلبي العفريني، والتاريخ يشهد، بأنه لولا ما ارتكبه كليبر في حق مصر، وأزهرها ومشايخها من جرائم، ما كان لسليمان الحق في قتله، ولكن لأن ما اُرتكب من جرائم كانت لا توصف، لذلك حق عليه القتل جزاءً وفاقاً، ولأن وضع مصر في ظل الاحتلال كانت لا تملك قوة تمكنها من إحقاق العدل، وبالتالي كان لابدّ أن يخرج من بينها من يفرض هذا العدل الغائب، وكان هذا من نصيب الحلبي العفريني سليمان، وبعدل الحضارة الفرنسية عذبوه، وحرقوا يده واجلسوه على الخازوق حياً وعلقوه على باب زويلة، وبعد أن لفظ أنفاسه بعدة أيام، أخذوا رفاته إلى متحف باريس.

أنني أخاطب الحضارة الفرنسية كي تُعيد إلينا رُفات سليمان الحلبي العفريني أسوة بما فعلوه مع أبطال الجزائر، تعود إلينا رفات هذا البطل، ويكون نصبه رمزاً خالداً للأخوة المصرية الكردية، وأنا على ثقة من أن ذلك سيكون مع عودة عفرين إلى حضن الوطن.