أوكرانيا دروس وعِبر (1)

مصطفى بالي_

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية أسبوعها الثالث، وما زالت كل يوم تنضح هذه الحرب بالدروس والعِبر، لا تحتاج للكثير من التفكر أو التمعن، بقدر ما تحتاج لوقفة مع الذات والضمير، لاستخلاص تلك الدروس والعبر وإسقاطاتها التي نعانيها هنا في روج آفا منذ بداية الأزمة في سوريا وحتى الآن، فهذه الحرب قد عرَّت الكثير من الملابسات، وكشفت النِقاب عن الكثير من الأكاذيب التي كان يتخندق خلفها أنصار (حجك) للطعن في ظهر الإدارة وقواتها ارتزاقاً واستذلالاً للدولة التركية وأذنابها، وأثبتت العديد من الحقائق التي آمنا بها دائماً وعملنا وفقها (لقد أسمعت هذه الحرب لو نادت حياً، لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي).

في هذا العدد والأعداد القادمة ،سنتناول معطيات لم تعد تحتاج إلى شرح، معطيات نتجت عن هذه الحرب لدى طرفي خندق القتال، سنوردها كقهوة سادة مرة خالية من المنكهات، من مبدأ (فذكِّر لعل الذِّكر ينفع) وكل هذه المعطيات عانينا منها في روج آفا وما زلنا.

أثبتت هذه الحرب أن التشدق بحرية الإعلام التي كان يتباهى به الغرب الليبرالي هي أكبر كذبة وخدعة، هذه الكذبة كانت مكشوفة إلا لعميان البصر والبصيرة، فجاءت هذه الحرب لتزيل ورقة التوت عن العورة المقززة لأكذوبة الحريات الفردية الليبرالية، فتم منع كل ما يمت إلى إعلام الخصم بصلة، وضرب قوانين الإعلام التي وضعوها هم أنفسهم وجعلوها معياراً لتقييم الدول والشعوب بعرض الحائط، بينما لدينا هنا في روج آفا شرائح كبيرة من (ثورجيي الفيسبوك) صحفيي القطعة/ منظمات أطلقت على نفسها بأنها تمثل المجتمع المدني، ووكّلت نفسها بنفسها أن تختصر المجتمع في نفسها، وغيرهم من شخوص العطالة، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لمجرد أن الإدارة الذاتية أصدرت قراراً بإغلاق قناة تلفزيونية لا تحتاج إلى إثباتات بأنها ممولة من الدولة التركية، أو أنها تضع سياسات نشرها وفق رغبات الدولة التركية كأضعف الإيمان.

هنا في روج آفا، عندما تقوم الجهات المعنية في الإدارة بمتابعة بعض المنصات التي ما فتأت تنشر السموم والأكاذيب والافتراءات ضد الإدارة وضد قواتنا العسكرية، ويصل بها الأمر أن تنشر أكاذيب خادشة للحياء وتمس أقدس مقدساتنا بما فيهم الشهداء، يخرج علينا المُذكورون أعلاه ببيانات الشجب والاستنكار مدافعين عن تلك المنصات بحجة أن التضييق على هؤلاء هو تضييق على حرية الإعلام.

هنا في روج آفا، عندما تنشر منصة مجهولة النسب، محسوبة على ماخور اسمه (الريباز) اختلاقات من شأنها تقديم شهادة زور لصالح الدولة التركية وتمنحها الحجة لتهديد شعبنا في وجوده، يعتبر ذلك مجرد إعلام، وحرية من زاوية رؤية المذكورين أعلاه، بينما ملاحقة هؤلاء يعتبر تضييقاً على حرية الإعلام، معتمدين وبتذاكي غبي على القوانين والمقاييس الليبرالية لحرية العمل الإعلامي.

هذه الحرب بين روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى أثبتت بجلاء وسطوع، أن الدولة هي دولة سواء كانت شرقية أو غربية، ديمقراطية أو ديكتاتورية، مركزية أو فيدرالية، لكنها في جوهرها (تراكم أجهزة السلب والنهب والعنف) فقط لا غير، وإن الإدارة الذاتية هي الخيار الحقيقي للشعوب للنفاذ من سطوة الدولة والعبور إلى الحريات الاجتماعية والفردية، وإن كل ما يسنه مشرعو الدولة من قوانين، ما هي إلا شرنقة للشعوب تتخبط فيها لحماية مصالح الدولة ورجالاتها، وعندما تنتفي الحاجة لها، تصبح لا قيمة لها وإرادة الدولة تتحول إلى معيار يحدد المسموح والممنوع.

عليه، فإن الإعلام مسؤولية، صناعة الخبر مسؤولية، تناول الخبر مسؤولية، الكلمة مسؤولية، وخارج إطار المسؤولية وتحمل تبعاتها فإن كل ما من شأنه الإساءة لقيمنا ومقدساتنا لا يمكن وصفه إلا بالارتزاق الرخيص.