جل آغا/ أمل محمد ـ
حكايات، وقصص عديدة وراء الجدران، وخلف الوجوه روايات مختلفة، منها المؤلم، ومنها السعيد، بطلة قصتنا اليوم من الواقع، وليست خيالية، شوافة عبدو الامرأة الخمسينية من قرية باترزان في ريف جل آغا، التي ذاقت وجع الفقد، ووجع الظلم وحدها مع أحد عشر ولداً بعد انفصالها عن زوجها، وجدت نفسها في مفترق الطرق، حياتها في كفة، وأولدها على الكف الآخر، لم تجد نفسها سوى أنها اختارت العيش مع الفقر؛ لترُبّي أولادها، الذين لم يتبقَ لهم أحد، بعد تخلي والدهم عنهم.
غزت التجاعيد وجهها، وغدت أكبر من عمرها بسنوات، تخلل الشيب شعرها، قبل المشيب، فيمكنك رؤية نظرة الوجع في عينيها، قبل أن تبوح به، أسئلة كثيرة خطرت في بالها، حين يسأل أبناؤها عن والدهم، بماذا تُجيب؟ كيف تُقنعهم أن الحياة ليست بهذه السهولة، وعليهم بدأ حياتهم بدونه؟ اثنتا عشرة سنة عاشت شوافة وحدها في منزلها، بعد هجر زوجها لها، متطلبات كثيرة عليها تلبيتها، لهؤلاء الأبناء، الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرينات.
واجبات عديدة وأعمال شاقة في سبيل لقمة العيش
التقت صحيفتنا بشوافة، والتي حدثتنا عن قصة كفاحها: “ما يؤلم أكثر ليس الفقر والحاجة، إنما أن تُدير منزلاً بأكمله من الجوانب كافة وحدك، أن تلعب دور الأب والأم معاً، لا أخفي، أنني عشت لحظات ضعف كثيرة، وليالياً عديدة لم أذق النوم، ولكن كان علي النهوض في اليوم التالي، وأن لا يرى أحد من أفراد الأسرة، ما أمر به، عليهم فقط أن يروا الأمل في عينيي، والإصرار لا غير”.
أعمال كثيرة كان يتوجب على شوافة القيام بها في سبيل الحفاظ على عائلتها، وسد احتياجاتها حتى قبل مغادرة زوجها للمنزل، رعاية المواشي، وبيع منتجات الحليب، كانت المهنة التي كسبت عائلة شوافة لقمة العيش، مهنة ليست بالسهلة إطلاقاً تتطلب الوقت، والجهد: “كنتُ أمتلك ما يقرب أربعين رأساً من الماشية، بفضلها ورعايتها، ومساعدة أولادي، كنت أُدير شؤون المنزل دون طلب المساعدة من أحد، أحلب الماشية في الصباح الباكر، أصنع الجبن، والزبدة، وأبيع الحليب الفائض للأسواق، حتى أنني كنت أستغل أصوافها للبيع، وصناعة بعض الأغراض منها”.
امرأة من حديد تتحلى بالإنسانية
تمتهن شوافة مهنة الخياطة، وتُساعد أهالي قريتها دون مقابل في مبادرة إنسانية منها، تحيك، وتُخيط لكل من يطلب المساعدة: “أعمل على ماكينة الخياطة العتيقة لساعات، بالإضافة لأعمال المنزل، فجُل ما أرغب ألّا ينقص أولادي شيء، لا أريد أن أرى نظرة الحاجة في أعينهم، أو الانكسار، الأم هي مصدر القوة لأبنائها، مهما بلغت أعمارهم، يقتبسون، وينهلون مما تُقدمه لهم، وأنا أُفضل تقديم الشيء الإيجابي وليس السلبي”.
رحلة شوافة مع الحياة لم تكن سهلة البتة، خاضتها على حساب صحتها، اليوم هي تُعاني من أمراض عديدة، أغلبها في الظهر بسبب الأعمال الشاقة، التي كانت تقوم بها في الماضي: “لستُ نادمة أبداً بما فعلته في حياتي، أن أُضحي في سبيل عائلتي شيء يستحق الفخر، فقد كبر أبنائي، وتزوجوا، ولديهم عائلاتهم، فهذا كفيل في بث الرضا عمّا قدمت لأجلهم”.
