سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

انعدام أبسط مقومات الحياة في السكن الجامعي بدمشق

دمشق/ هيلين كاوا –

لا يساعد الوضع المادي الآلاف من الطلاب على استئجار بيوتٍ أو حتّى غُرفٍ بمفردها لمتابعة تحصيلهم العلمي، وتقديم امتحاناتهم التي تتزامن مع فصل الشتاء، بظل ارتفاع العقار وآجار البيوت، الأمر الذي يدفع بهم للجوء إلى السكن الجامعي الذي تنعدم فيه أبسط مقومات الحياة.
فيواجه الطلبة الجامعيون الوافدون لمدينة دمشق من مختلف المدن السورية، لا سيما المنطقة الشرقية، ظروفاً إنسانية صعبة، سواءً ما يتعلق منها بالطريق، وساعات السفر الطويلة، وارتفاع أسعار تذاكر الطيران هذا أن وُجِدت، وبرد الشتاء الذي ينخر بعظامهم بوحدات السكن الجامعي.
ما الذي يحدث داخل غرف السكن للطلاب!؟
في الواحدة بعد منتصف الليل وفي مدينة دمشق، تنزل بمفردها تحمل حقيبة سفرها، وكتبها ترتجف من البرد تبحث عن سيارةٍ تنقلها للسكن الجامعي هيفين حسن، طالبةٌ من سكان مدينة قامشلو في شمال وشرق سوريا، ٢١ عاماً تدرس في جامعة دمشق كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية، منعتها الظروف الصحية من تقديم أول مادةٍ امتحانيّة لها: “وصلت بعد سفرٍ متعبٍ استمر لأكثر من عشرين ساعة، لأصل لسكنٍ لا يختلف فيه الوضع عن الجو في الخارج”.
تتحدث هيفين لصحيفتنا “روناهي”، وبالكاد تحبس دموعها عندما تتذكر كيف وصلت: “وصلت غرفتي في السكن، والكهرباء مقطوعة جلست منهارةً من البكاء فقدماي ويداي لا أشعر بهما من البرد”.
وتتابع هيفين وصف حالتها بتلك الليلة، حيث قامت صديقاتها بتغطيتها بكلّ الأغطية لدّيهن والألبسة الثقيلة، فالعجز بدا واضحاً على وجوههن بغياب الغاز، والكهرباء اللذين كانا من الممكن أن يسعفا صديقتهن، حسب تعبيرها.
غرفةً تفتقد كلّ مقومات الحياة، خاليةٌ من كلّ شيء، إلا من فتياتٍ يحركهن الطموح، والحلم بالتخرج والحصول على الشهادة، فرغم الوجع كله، الذي يسكنهن وصعوبة الظروف التي لا تساعد على الدراسة بالأصل.
 تقول هيفين: “والدي من ذوي الدخل المحدود، ويحمل هم مجيئي لدمشق، قبل أشهر ليوفر لي مصروفي”؟
فالسكن في الخارج غالٍ جداً ولا قدرة لهيفين وصديقاتها على التفكير بالآجار، فالظروف بالخارج ليست أفضل من السكن بمدينةٍ يتواصل فيها قطع الكهرباء لساعات.
“نواجه داخل السكن ظروفاً إنسانية صعبة”
جاندا علي، من ريف حلب ٢٢ عاماً، طالبة في دمشق تدرس بكلية الهندسة المعمارية لا يختلف حالها عن بقية البنات في السكن: “نحن طلاب ومن المفترض أن يكون السكن مخدمٌ بجو دراسي يوفر مقومات النجاح كله”.
وتستمر جاندا في سرد معاناتها التي لا تنتهي: “في الصيف نموت من الحرارة، بظل انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وفقدان المياه الباردة، وفي الشتاء نتجمد من البرد في ظل انعدام التكييف المركزي والكهرباء”.
هذا وتصف الطالبة وضعها أثناء دراستها وهي تغطي نفسها ببطانياتٍ وأغطية، وكأنّ البرد يعتقلها، ويمنعها حتّى من قلب الكتاب للصفحة الأخرى: “ربما يبدو الأمر مبالغاً فيه لكن هذه حقيقة أعيشها، اللحظة التي أخرج بها يدي لأقلب الصفحة أحمل همها من شدة البرد”.
خمسةٌ وأربعون دقيقة لمجيء الكهرباء بعد انقطاع خمس أو ست ساعات تستغلها جاندا وزميلاتها بطبخ طبخةٍ صغيرة يسندن بها جوعهنّ، فوقتهن لا تسمح للوقوف بطوابير الغاز والخبز لساعاتٍ طويلة.
يجمع بين الدراسة والعمل
من جهته يقول علاء الشهاب ٢١ عاماً، من مدينة حماة السورية طالبٌ بكلية الحقوق بجامعة دمشق: “والدي يعمل موظفاً راتبه لا يكفي لتغطية مصاريفي فأنا مجبر على العيش في السكن الجامعي”.
يعمل علاء إلى جانب دراسته بأحد مطاعم الشاورما القريبة من السكن الجامعي، ليستطيع تغطية مصاريفه التي يعجز والده عن حملها بالكامل: “أصل لتقديم الامتحان، وأنا لا أقوى على مسك القلم لشدة ما أعانيه أثناء عملي والوقف لساعات طويلة في المطعم، ومن البرد فحتى القاعات الامتحانية لا تتوفر بها التدفئة”.
وعن وضع السكن يعبر علاء عن استيائه: “في الصيف نتقاسم طعامنا مع الفئران والجردان ونتحسر نقطة الماء الباردة”.
ويتابع علاء سرد معاناته التي يصفها بالمأساوية، متسائلاً كيف ينجحون بموادهم، وهم أكثر من ثمانية طلاب بغرفة واحدة، وفي أيام الامتحان يزيد عددهم عن ذلك حسب كلامه.
ظروفٌ معيشية بسكنٍ متهاوٍ تنعدم فيه أسباب الحياة، لكن الظروف الحياتية، والمادية للطلاب تمنعهم من مغادرة جدرانٍ ربما سيكملون معها تحصيلهم العلمي.