سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قسد هي القدوة للجميع

حسين دلف_

ترتكز الاحترافية العسكرية على مبادئ أساسية عدة، وهي خضوع الجيش للسلطة المدنية الديمقراطية، والولاء للمجتمع، والمحافظة، والالتزام بالمبادئ، والقيم الاجتماعية، والثقافة الأخلاقية، ويتم تكريس هذه المبادئ في القيم، التي تميّز تصرفات الجندي المحترف، مثل: الانضباط، والنزاهة، والشرف، والالتزام، والخدمة، والتضحية، والواجب.
المؤسسة العسكرية في شمال وشرق سوريا أثبتت، وتثبت للعالم في أي حملة تقوم بها، أنها أكثر قوة عسكرية في المنطقة محافظة على القيم، والمبادئ، والثقافة الأخلاقية للشعوب المنضوية تحت مظلتها السياسية، في مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، وأنها هي الضامن الرئيسي؛ لتحويل المجتمع إلى مجتمع حرٍّ ديمقراطيٍّ، مبنيٍّ على أسس الأخوة، والحرية والديمقراطية، الهادفة إلى العيش بسلام، بعيدا عن الصراعات، والحروب الطائفية والعرقية، وإن قوات سوريا الديمقراطية، ومن خلال التضحيات، والبطولات، التي قدمتها تثبت أن إرادة الإنسان، وإيمانه بالسلام، وبالخير، وبالمحبة، هي التي سوف تنتصر دائما، وخير دليل على ذلك، الانتصارات، التي تحققها هذه القوات، التي جمعت بين مكونات الشعب السوري كافة، تحت راية واحدة، راية النور، والسلام في سبيل القضاء على الإرهاب.
فقبل تأسيس قوات سوريا الديمقراطية، تم تشكيل وحدات حماية الشعب YPG، ووحدات حماية المرأة YPJ، وقوات الأمن الداخلي ASAYIȘ، والتي قاومت الإرهاب، ومنعته من التوغل في شمال وشرق سوريا، وكسرت شوكته في كوباني، التي كانت نقطة البداية للقضاء على ما سميّ “دولة الخلافة”، ففي كوباني سطّرت وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة ملاحم بطولية في التضحية، والمقاومة حتى تمّ تحرير كوباني، وإخراج مرتزقة داعش من المدينة وتحريرها بالكامل.
مقاومة كوباني كانت المنعطف الأهم، والمعركة الأكثر تأثيرا في سوريا، نظرا لقوة مرتزقة داعش، وعدده، وعدته العسكرية الضخمة، مقارنة بعدد وعتاد وحدات حماية الشعب، فبعد الوحشية التي أظهرها مرتزقة داعش في شنكال، والتي تحول اسمها إلى مصدر رعب للجميع، بسبب همجية داعش، وتفننها بالقتل والترهيب بحق المدنيين، فكوباني كانت أهم نقطة تركز عليها “دولة الخلافة” المزعومة، لما تمثله من أهمية في ربط مناطق نفوذها، التي استولت عليها في سوريا.
وبعد دحر داعش، وتشكيل قوات سوريا الديمقراطية، التي كانت وحدات حماية الشعب، وحماية المرأة هي نواتها، استطاعت هذه القوات تحرير مدينة الرقة، عاصمة الخلاقة الداعشية المزعومة، وتحرير مناطق شمال وشرق سوريا كافة، من براثن مرتزقة داعش، وأسر الآلاف من المرتزقة الإرهابين، وزجّهم في السجون إلى أن يتم تسليمهم إلى بلدانهم الأصلية ومحاكمتهم، وكذلك إيواء عوائل مرتزقة داعش في مخيم الهول، وتقديم الخدمات المعيشية وعدم استغلالهم.
وإن قوات سوريا الديمقراطية على الرغم مما تتعرض له من هجمات إرهابية، من قبل مرتزقة داعش، والمجموعات المرتزقة التابعة لتركيا، والقصف المستمر من الطائرات التركية، غير أنها لم تتخلَّ يوما عن مبادئها، وعن الأخلاق، والروح الإنسانية في تعاملها مع الأسرى، ففي آخر فصول مرتزقة داعش، والاستعصاء، الذي تم داخل السجن، ومحاولة الخلايا الإرهابية في مهاجمة السجن، وتحرير السجناء، قدمت قوات سوريا الديمقراطية درساً للعالم أجمع في حسن التنظيم، والمقاومة، والمحافظة على أرواح العدد الأكبر من السجناء، وعدم التنكيل بهم كما تفعل المجموعات المرتزقة في المناطق، التي تحتلها مثل عفرين، وسري كانيه، وكري سبي، فـ”قسد” ما زالت تؤمن، وتحافظ على مبادئ وقيم وأخلاق الحرب النظيفة البعيدة عن القتل والتشريد، والترهيب.
إن شخصية المقاتل الكردي، وتضحيته اكسبته احترام العالم وثقته، ووصلت صوت رصاصة الكرد في صدر الإرهاب إلى العالم كله، وجعلت شعوب العالم كلها، تقف متعاطفة وداعمة لها، وكسبت دعم وتحالف القوى العالمية معها، فالعالم كله وجد أخيراً شخصية المحارب النبيل المحافظ على مبادئ، وقيم وأخلاق الحرب بشخصية المقاتل الكردي، وأخوته في قوات سوريا الديمقراطية من العرب، والسريان، والآشور، والتركمان، وما الأمن والأمان الذي نعيشهما الآن في شمال وشرق سوريا، إنما هما بفضل تضحيات، وبطولات القوات العسكرية لأبناء شمال وشرق سوريا، فعند كل معركة نجد الدعم والمساندة من أفراد الشعب للمؤسسة العسكرية، رجال ونساء، وما شاهدناه في الحسكة مؤخراً من خروج نساء المدينة، وحملهنّ للسلاح للمحافظة على الأمن خير مثال على ذلك.
إن سبب وقوف الشعب، واتفاقه بالإجماع مع قوات سوريا الديمقراطية، التي أجبرت حتى الأعداء على احترامها، ما هو إلا دليل على تنظيم، وإيمان هذه القوات بمشروعها، الذي تقدمه للشعب السوري في سبيل إنهاء الحرب، والعودة الي سوريا خالية من الحرب، ويسودها السلام.
فإن أي مؤسسة عسكرية كانت، أم مدنية، لا نستطيع الحكم عليها بالكمال المطلق، لكن في شمال وشرق سوريا، فإن المؤسسة العسكرية هي الأقرب للكمال، والتي كسبت ثقة الشعب كله بجميع مكوناته، لذلك على جميع المؤسسات الأخرى في شمال وشرق سوريا الاقتداء بها وتنظيم نفسها، والتضحية من خلال تقديم الخدمات للشعب، إن أي نجاح عسكري، وأي بطولة وانتصار عسكري، إن لم يقابله نجاح مماثل في المؤسسات المدنية، فإنه مع مرور الزمن سوف تفقد هذه الانتصارات الكثير من بريقها، لذلك بعد القضاء على الإرهاب، فإن المهمة الأصعب والتحدي الأكبر، يكونان أمام المؤسسات المدنية، وخاصة البلديات، فمهامها المثالية في التنظيم تكمن في تقديم الخدمات، وتوفير سبل العيش الكريم للشعب، والقضاء على البطالة، وتوفير فرص العمل، والخدمات الأساسية، ودعم التعليم، ومحاربة الفساد والفاسدين ومحاسبتهم، فمعركة القضاء على الفساد، والمخربين داخل المؤسسات المدنية، لا تقل قيمة وأهمية عن أي معركة عسكرية.
فكما أننا نملك سواعد قوية وبندقية قوية، فمن الواجب علينا، واحتراما لدماء شهدائنا أن تكون أيدينا وأقلامنا نظيفة، فإن أي أمة إن لم تكن قوة القلم، والبندقية بها واحدة، وبنفس القوة والمكانة، فإنها سوف تزول، فالبندقية التي إذا لم تكن مدعومة بقلم قوي، فسوف تُعْطَبُ.
لذلك من الواجب علينا جميعا، وجميع مؤسسات المجتمع المدني الوفاء لقواتنا، ولأرواح شهدائنا.