سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

استهداف الإرادة الحرة لشنكال وسط صمت دولي مطبق

دجوار أحمد آغا_

عندما نكتب شيئاً أو نتحدث عن الإيزيديين، وكأن العالم لا يعنيه هذا الأمر، ولا الإبادة الممنهجة، التي تعرضوا لها عبر تاريخهم الطويل، والمستمر حتى يومنا هذا، فبعد 74 إبادة تعرضوا لها، ولم يستطيعوا أن يزيلوهم عن الوجود، رغم مسالمتهم، وعدم اعتدائهم على أحد والتزامهم بعدم التدخل في شؤون الآخرين، ولكنهم كانوا دوماً عرضة للغزوات والهجمات الوحشية بحقهم.
لكن الأمر تغير بعد الفرمان، أو الإبادة الأخيرة، التي جرت في القرن الواحد والعشرين، والذي تدعي فيه “الأمم المتحضرة” أنها أضحت ديمقراطية، وأصبحت تستمع للآخر، الذي هو من طبيعتها نفسها، أي أنها أصبحت تستمع لنفسها، يا للسخرية ! فكم من الأثنيات، والشعوب والطوائف، والمذاهب، تعرضت للانقراض على أيدي هذه الأمم “المتحضرة”.
اختلف الأمر كثيراً بعد 3 آب 2014 عن قبله، لذا نرى أنه بعد هذا الهجوم الوحشي الأخير، أصبحت شنكال، وسكانها، تتعرض بشكل شبه يومي، وفق نظام ممنهج ومدروس إلى الهجمات والاعتداءات من جانب القوى، التي سمحت ودعمت مرتزقة داعش في الهجوم على شنكال، والسعي لإبادة الايزيديين، والقضاء عليهم من خلال الفظائع، التي ارتكبوها من قتل، وحرق، وسبي، وتعذيب، وتدمير، والسبب الرئيس في ذلك، يعود إلى أن الإيزيديين أصبحوا يمتلكون إرادتهم الحرة، بعد أن شاهدوا بأم أعينهم كيف هرب المكلفون بحمايتهم، وتركوهم لمصيرهم “الموت المحتوم”، ولولا تدخل قوات الدفاع الشعبي “الكريلا”، بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب “YPG”، وفتحهم للممر الآمن، الذي أنقذ حياة مئات الآلاف منهم؛ لكانوا قد واجهوا أبشع المجازر.
استمد الإيزيديون القوة والشجاعة من رحم المعاناة، التي عانوا منها، ومن قساوة وبشاعة الظروف، التي مروا بها، ومن تضحية وتفاني الوحدات، التي جاءت لمساعدتهم، والدفاع عنهم مضحية بأرواحها في سبيلهم، وهو ما أحدث الأثر الكبير لديهم، وجعلهم يسعون لتنظيم أنفسهم، وتشكيل قوة منهم تقوم بحمايتهم، والحفاظ على شنكال وحفظ الأمن فيها، إلى جانب تأسيسهم لإدارة ذاتية، تقوم بإدارة المنطقة، وهي مكونة من أبناء وبنات شنكال، يعملون من أجل إعادة إحياء هذا المجتمع، وتقديم الخدمات له، وتأمين الحياة الحرة رغم الظروف القاهرة، التي تمر بها المنطقة عموماً، لكن المتربصين بشنكال وأهلها، لم يرق لهم ذلك، فأصبحوا مثل الوحوش المفترسة، يهاجمون قادة هذا الحراك المدني، وخاصة دولة الاحتلال التركي وبمساعدة مباشرة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وسط صمت من جانب الحكومة المركزية في بغداد، وكذلك حكومة الإقليم في هولير، إضافة إلى شن دولة الاحتلال التركي من قواعد عسكرية منتشرة في مناطق باشور كردستان، هجمات بالطائرات الحربية تارة، وبالمسيرات (طائرات من دون طيار) تارة أخرى، مستهدفة البشر والحجر، حيث اغتالت مام زكي شنكالي خلال مشاركته في إحياء ذكرى مجزرة قرية كوجو، بتاريخ 15 آب 2018 ومن بعده اغتالت قائد وحدات حماية شنكال، سعيد حسن، وابن أخيه عيسى خوديدا في 16 آب 2021، وبعده بيومين  قصفت مشفى سكينة في شنكال، والتي استشهد من جراها 11 شخصاً، واللافت في الأمر أن هذا القصف تزامن مع زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى قرية كوجو في شنكال، ما يؤكد على التنسيق المباشر بين دولة الاحتلال التركي، والجهات الأمنية العراقية، وإلا كيف يمكن تفسير ذلك؟.
في الفترة الأخيرة ازدادت هذه الهجمات، والاعتداءات، حيث استهدفت طائرة مسيرة تركية بتاريخ 7 كانون الاول الجاري سيارة الرئيس المشترك للهيئة التنفيذية للإدارة الذاتية في شنكال مروان بدل الذي استشهد جراء هذا القصف، ولم تمر سوى أيام قليلة، حتى استهدفت هذه المرة دولة الاحتلال التركي بواسطة الطائرات الحربية مجلس الشعب في بلدة خانصور بشنكال، وكأنها بذلك تنتقم حتى من الحجر، ولا تُريد أن ترى اسم مجلس الشعب أبداً.
إلى ذلك أوضحت نائبة الرئاسة المشتركة لمجلس الإدارة الذاتية في شنكال “سيفي أمو”: “دولة الاحتلال التركي تهدف إلى إبادة المجتمع الإيزيدي… المكان الذي تعرض للقصف هو مبنى مجلس الشعب في خانصور، وهو مكان مدني”.
المؤكد في الأمر هو السعي الدؤوب لدولة الاحتلال التركي إلى إبادة الشعوب الأصيلة في منطقة الشرق الأوسط، منذ إبادات الأرمن، والسريان، والكرد، والعرب، في بدايات القرن العشرين الماضي، وهي تعمل من أجل صهر وانحلال هذه الشعوب، واتبعت من أجل ذلك سياسة التتريك، لكنها لم تنجح في ذلك، ومنها تحولت إلى سياسة القوة، وتطبيق ذلك بالحديد والنار، وإبادة هذه الشعوب الأصيلة، وهو ما يُفسر هجماتها المتكررة على شنكال، وعلى شعوب شمال وشرق سوريا، من أجل كسر إرادة هذه الشعوب، التي تنفست الحرية وعاشتها على وقع فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان من خلال نموذج الحل في صيغة “الأمة الديمقراطية” .
إن الهجمات المتكررة على شنكال، واستهداف القادة ورموز المقاومة، وحماية المجتمع، تندرج في إطار منع الإيزيديين من الدفاع عن أنفسهم، والسعي لإفشال المساعي الدبلوماسية، والسياسية، والاجتماعية، التي قامت بها الإدارة الذاتية لشنكال في مواجهة اتفاقية 9 تشرين الاول 2020 بين PDK وتركيا والحكومة المركزية في بغداد، هذه الاتفاقية التي تُعد استمرارًا لنهج الإبادة الجماعية، التي قامت بها مرتزقة داعش ضد المجتمع الإيزيدي، وذلك من خلال هذا الاتفاق بين حكومة بغداد، والحزب الديمقراطي الكردستاني، ودولة الاحتلال التركي، التي يتزامن قصفها وتدميرها لشنكال، مع تواجد شخصيات سياسية كبيرة من وزن وبحجم رئيس الوزراء في المنطقة، وهو ما يؤكد صحة هذه الرؤى.
الأمر الأكثر استغراباً ودهشة، هو أن الحكومة المركزية في بغداد، لم تُصدر ولا حتى بيان إدانة لهذه الخروقات الفاضحة للسيادة العراقية، واستهداف مواطنين عراقيين –من المفروض أنهم يتمتعون بحماية حكومتهم- ولكن لا حياة لمن تُنادي، وكما يقول المثل الشعبي (لا بترحم ولا بتخلي رحمة الله تنزل علينا) فحكومة بغداد، وحكومة الإقليم، لا تدافعان عن شنكال، ولا تسمح لأبنائها الدفاع عنها! .
نترك لكم التعليق.