سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أمهات السبت.. انتظار محفوف بالأمل في ظلّ ظلم السلطات التركية.. وأمهات السلام: ظلم ذوي القربى أشد مضاضة

دجوار أحمد آغا_

صورة أمينة أوجاك (85 عاماً) التي اعتقلت مرات عدة؛ بسبب مشاركتها في احتجاجات يوم السبت في إسطنبول، بعد أن اعتقلت الحكومة التركية، ابنها حسن أوجاك، عندما كان في الثلاثين من عمره عام 1995، تُختصر المعادلة كلها، وتبين مدى الديمقراطية، التي يتشدق بها أردوغان ونظامه.
السبت المنصرم كان رقمه، الأسبوع 872 في حياة أمهات السبت، فمن يزور أسطنبول يوم السبت، سوف يرى بأم عينه الآلاف من المعتصمين بشكل سلمي، معظمهم من النساء يحملْنَ بأيديهنّ القرنفل الأحمر، وصورًا لأشخاص مدنيين في ميدان “غلطة سراي” الشهير بوسط إسطنبول، على أمل أن يسمعْنَ شيئاً عن مصير فلذات أكبادهنّ.
مَن هنّ أمهات السبت؟!
مجموعة من الأمهات -معظمهن كرديات-  اللواتي تم اختطاف واعتقال أولادهن، على يد سلطات دولة الاحتلال التركي، منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت هؤلاء الأمهات تنظيم احتجاجات، واعتصامات سلمية دورية أسبوعية في كل يوم السبت من الأسبوع في ساحة “غلطة سراي” وسط إسطنبول، في الزمان والمكان المحددين لهذه الاعتصامات التي يطالبْنَ، من خلالها، الحكومة، في الكشف عن مصير أبنائهن، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال غير القانونية، والإجراءات التعسفية، التي تمت بحق أبنائهن المعتقلين، والمختطفين منذ عشرات السنين.
وتقول مجموعة “أمهات السبت:” إنهن استلهمن فكرة تنظيم هذا الاعتصام السلمي، من الأمهات الأرجنتينيات، وحركتهن المعروفة باسم، مايو دي بلازا أي “أمهات ساحة أيار” اللواتي نظمن هذه الحركة على خلفية فقدانهن لأبنائهن على يد الديكتاتور الأرجنتيني “خورخيه فيديلا” الذي ارتكب جرائم خطف، وتعذيب، لشباب ولأطفال، خلال فترة حكمه للأرجنتين (1976 – 1981)، وبهذا الشأن تتخذ سلطات دولة الاحتلال التركي وفي كل يوم سبت إجراءات أمنية مشددة، وتقيم الحواجز؛ لتمنع قيام الأمهات بالاعتصام، ولكن رغم ذلك، تجتمع الأمهات، ولا يُبالين ويقاومْنّ بشدة خراطيم المياه، والغاز المسيل للدموع، التي تستخدمها سلطات دولة الاحتلال التركي، بحق هؤلاء النسوة، وتعتقل العشرات منهنّ، وفي كل أسبوع تبرّر السلطات هذه الاجراءات والاعتقالات، بأن هذا الاعتصام جاء بناء على دعوة من حزب العمال الكردستاني PKK، ففي الأسبوع الأخير، اعتقلت السلطات  50 شخصاً، ممن شاركوا في الاحتجاجات، بمن فيهم شاباتٍ ونساءٍ مُعمِّراتٍ.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان، وعلى لسان أحد مسؤوليها، إيما ويب، اعترضت على هذا التعامل غير الإنساني بحق المعتصمين، بالقول: “إنه لأمر مخجل أن تعامل السلطات بشكل وحشي، اعتصاما سلميا يطالب بالعدالة والتحقيق في جرائم الدولة”.
بينما ذكر عبد الله زيتون، رئيس جمعية حقوق الإنسان في آمد حول هذا الموضوع قائلاً: “إن التغيب والإخفاء القسري، سياسة تتبعها الدولة؛ للتستر على المسؤولين عن خطف آلاف الأشخاص ولإخفائهم قسرياً، وإن تدخل الشرطة ضد فعالية أمهات السبت في إسطنبول، يعني حماية المسؤولين عن حالات التغيب”، فلم تكتفِ سلطات الاحتلال التركي بهذا القدر من التعسف والاجراءات المشددة، إنما حوّلت الأمهات إلى المحاكم؛ لتتم محاكمتهن بتهمة عدم الانصياع لأوامر الشرطة، لدى مطالبتها لهنّ بالتفرق وعدم التجمع!
وقالت جيان طوسون التي خُطف والدها في 1995 “هذه الساحة مقبرة، نضع فيها أكاليل الزهر تذكارا للأحبّاء (المختفين) بلا قبور”. وأضافت للصحفيين قبل الجلسة “لا ينبغي محاكمتنا نحن.. فالذين يستحقون المحاكمة، هم من تسببوا في إخفاء أبنائنا وإخوتنا وأخواتنا”.
نكتفي بهذا القدر من الحديث عن أمهات السبت، لنكمله عن أمهات الشهداء والسلام.
أمهات السلام والشهداء
مهما تحدثنا عن ظلم وإجراءات تعسفية، وقمع من جانب سلطات دولة الاحتلال التركي، فهي بالنهاية دولة تحتل أراضي كردستان، وهي تجاهر علناً، وعلى لسان كبار مسؤوليها بعدائها للكرد، أينما وجدوا، وترفض، حتى السماح لنائبة منتخبة بشكل شرعي وقانوني، التحدث بلغتها الأم داخل البرلمان، علماً أنها تدّعي دوماً، بأنها ليست ضد الكرد، لكنها ضد حزب العمال الكردستاني، فما جرى منذ عدة أيام عدة مع النائبة “عائشة سوروجو” تحت قبة البرلمان التركي، يؤكد تلك الديمقراطية الزائفة، التي لم تتحمل السلطات بضعة كلمات لنائبة تتحدث بلغتها الأم.
أما أن يكون الرفض، وعدم تسليم جثامين الشهداء من جانب قسم من الكرد أنفسهم! فهو أمر يثير الدهشة والاستغراب، وهو ما حصل، ويحصل حتى هذه اللحظة في معبر سيمالكا، حيث نصبت أمهات السلام، (أمهات الشهداء) خيمة اعتصام، مطالباتٍ الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحكومة إقليم كردستان العراق، تسليمهم جثامين الشهيدين (تولهلدان رامان، سردم جودي) وهم مقاتلون من روج آفا في قوات الدفاع الشعبي، الذين اُستُشهدا على أثر كمين نصبته قوات تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، في منطقة خليفان في باشور كردستان، بتاريخ ليلة 28/29 أب المنصرم، فهذه الخيمة التي مضى عليها ما يُقارب ثمانين يوما، ويتوافد يومياً المئات من أبناء الشعب الكردي، وشعوب شمال وشرق سوريا، من العرب، والسريان، والآشور، لم تستطع حتى الآن، أن تدفع بقوات الحزب الديمقراطي الكردستاني السماح لأمهات السلام، إيصال رسالة منهم الى حكومة الإقليم، حيث كانت الحكومة تعيق عمل الفرق الإعلامية، التي تغطي الحدث، وقد حاولت 31 امرأة من مجموعة أمهات السلام، وهنّ من أمهات الشهداء، أن يدخلْنَ عبر جسر معبر سيمالكا الفاصل بين روج آفا، وباشور كردستان، لكن قوات الإقليم منعتهنّ بقوة، رافضةً استلام رسالتهنّ ثلاث مرات على التوالي، حيث كانت تلك الأمهات يقطعن مسافة 110 كم، قادماتٍ إلى المعبر في كل أسبوع، دون الحصول على نتيجة من جانب سلطات الإقليم.
يُذكر، أنه هناك في باشور كردستان أيضاً، أمهات الشهداء والسلام، اللواتي ناشدن أكثر من مرة شقيقاتهنّ، عدم السماح لأبنائهنّ خوض حرب بين الأطراف الكردية؛ لأنها تخدم أعداء الشعب الكردي، وعلى وجه الخصوص نظام أردوغان الفاشي، كما طالبن سلطات الإقليم، وبخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، عدم افتعال وإشعال فتيل حرب أهلية كردية، يكون فيها الخاسر الأكبر الشعب الكردي، والرابح الأكبر عدوه اللدود نظام أردوغان القمعي المجرم.
ليس هناك أي فرق، بين ما تقوم به دولة الاحتلال التركي بحق أمهات السبت، وما تقوم به سلطات إقليم كردستان، والحزب الديمقراطي الكردستاني، في رفضه تسليم جثامين الشهداء، وكذلك منع أمهات السلام، من ايصال رسالتهنّ الى قادة الإقليم، وهو عارٌ على هذه السلطات، أن تكون أعمالها مشابه، لما تقوم به دولة الاحتلال التركي.
نترك لكم التعليق.