الثروة السمكية بين مطرقة الصيد الجائر وسندان شحِّ المياه

الرقة/ المهند عبد الله –

تعدُّ ضفاف نهر الفرات، المورد الأساسي لابتكار الزراعة المروية قبل عدة قرون، وفي مياه بحيرته في مدينة الرقة ترسم الأسماك بألوانها المختلفة لوحة فنية قلّ نظيرها في أنهار العالم، ونهر الفرات الذي تعد مياهه “أعذب المياه”، وتجد الكثير من أسماكه اليوم تقل باستمرار؛ بسبب ممارسات الصيادين لطرق الصيد الجائرة، وقلة المياه الواردة من دولة الاحتلال التركي.

فوائد اقتصادية وغذائية

وبهذا الصدد التقت صحيفتنا “روناهي” عضو مكتب الثروة الحيوانية، في لجنة الزراعة الطبيب البيطري خلف حسين الخلف، وتحدث لنا قائلاً: “للثروة السمكية أهمية عالمية بشقيها الاقتصادي والغذائي، وتعدّ وجبة السمك لها أهمية كبيرة؛ لاحتوائها على أحماض أمينية، والفوسفور اللذين لا يوجدا مثلهما في باقي الأطعمة مثل اللحوم البيضاء والخضار”.

وأضاف خلف حسين الخلف: “يعدّ نهر الفرات في مدينة الرقة مصدر رزق، ودخلاً اقتصاديّاً منذ القدم لأهالي المدينة من الناحية الزراعية، ومصدراً للأسماك، كون نسبة كبيرة من الأهالي يعملون بمهنة صيد الأسماك، ويعدّ صيد السمك ذا مردود اقتصادي جيد للأسرة”.

تطوير مزارع السمك

وعن تطور مهنة صيد السمك في مدينة الرقة تابع الخلف: “واكب صيد السمك تطوير وسائل إكثار الأسماك عن طريق زراعة إصبعيات الأسماك “استزراع سمكي” فالمدينة موجود فيها عدد جيد من مربي الأسماك، ولكن بسبب آلة الحرب والظروف الاقتصادية، التي مرت على مدينة الرقة، تعطلت مزارع تربية الأسماك عن العمل”.

وعن المسامك المرخصة في المدينة أكمل الخلف: “يوجد في المدينة “40 مسمكة مرخصة” عاملة بشكل أصولي، بالإضافة الى وجود مفقسين للإنتاج إصبعيات الأسماك، تفقيس اصطناعي، وتعدّ مهنة تفقيس الأسماك مهنة جيدة ذات أهمية كبيرة لزيادة عدد المفاقس، حيث تُنتج الأسماك عبر المزارع الخاصة بها”.

وأردف الخلف “والهدف من مزارع تفقيس الأسماك، ليس تزويد الأسواق الداخلية والخارجية فقط، ولكن لتخفيف ضغط الصيد على نهر الفرات، ونتيجة الحروب التي مرت على البلاد، وقلة الوعي عند بعض الصيادين، وضعاف النفوس، استغلوا مهنة الصيد بطرق غير شرعية مثل الصعق الكهربائي، والمتفجرات، والسموم، والغازات، وغيرها من أساليب مخالفة للمهنة”.

وأعقب الخلف: “يوجد في مدينة الرقة 69 صيادًا مرخصًا بشكل رسمي، يمارسون مهنة الصيد بالشباك النظامية أصولاً، ولجنة الزراعة والري، ومكتب الثروة الحيوانية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، عملوا على تأسيس مكتب، اتحاد صيادي ومربي الأسماك في مدينة الرقة، ويقوم هذا الاتحاد بتنظيم ومنح الرخص للصيادين، وأخذ الرخص النهائية من لجنة الزراعة والري، وممارسة مهنة الصيد بشكل أمن ومنظم”.

مخالفات الصيادين

وأضاف الخلف: “الغرض من منع الصيد بالكهرباء والمتفجرات، ليس حماية الثروة السمكية، ولكن الهدف منها هو حماية الصيادين من خطرها، وهي أساليب تسبب أخطارًا على البشر والأسماك معا، ويشتهر نهر الفرات بأنواع كثيرة من السمك، ومن أهمها وأندرها الفرخ، أو الجزر، ثم الكرسين، والرومي، والجري، والبني، والسلور، والمليس، والمشط، والبوري، وأنواع كثيرة أخرى”.

وطالبَ الخلف من الصيادين في مدينة الرقة الحفاظ على الثروة السمكية، باستخدام الطرق الأمنة والشرعية، حفاظًا على سلامتهم بالدرجة الأولى، كونها مصدر رزقهم، ودخل اقتصادي لكثير من العوائل.

وعن تأثير نقص مياه الفرات قال الخلف: “كل كائن حي بحاجة الى الهواء والماء والغذاء، والسمك بحاجة الى حجم متر مكعب من الماء؛ لتأمين وسط حيوي للمعيشة، وحبس دولة الاحتلال التركي مياه الفرات، وانخفاض مستوى النهر أديا إلى ارتفاع نسبة السموم؛ بسبب مخلفات المدن والمعامل وخاصة المدن الجنوبية لتركيا”.

ونوه الخلف: “ارتفاع نسبة تركيز السموم في المياه، أثر بشكل سلبي على الثروة السمكية، خاصةً وعلى الكائنات الحية عامةً، مثل البرمائيات، والأغنام، والمواشي، والبشر أيضًا، وهذا الانخفاض أدى لارتفاع النسبة السمية أكثر، وإن قساوة المياه وقلة المساحة الأحيائية أدّيا إلى قلة التكاثر ونقصان عددها، وهنا نقع بمعضلة الصيد الجائر، وانخفاض منسوب النهر، وهو السبب الأهم”.

منع الصيد في الأشهر الحرم

وأختتم الخلف: “وُضع في سوريا بشكل عام برنامج حماية المسطحات المائية، وتكاثر الكائنات الحية، وهذا البرنامج يمنع الصيد منعاً باتاً في شهر آذار ونيسان وأيار، وفي هذه الأشهر تكون أعلى نسبة تكاثر للحيوانات المائية، حيث يسمح لمربي الأسماك في هذه الأشهر دعم الأسواق المحلية بأسماك التربية؛ التي تدعم السوق المحلي بالسمك”.

ومن جهته حدثنا الصياد محمد الشهاب في مدينة الرقة قائلاً: “نعمل بشكلٍ يومي في مهنة صيد الأسماك، وذلك لأن عدد الأسماك قليل في النهر إضافة إلى تكاليف الصيد المرتفعة”.

ويبيّن محمد الشهاب أن وضعهم المادي صعب جداً، وأنه هناك انخفاض لمردودهم اليومي مقارنة بالتعب الشاق، الذي يبذلونه وسعر الأسماك التي يبيعونها، وخاصة في فصل الصيف لاستهلاكه القليل، وكثرة مصروفه، لأنه يحتاج قوالب ثلج لحفظها.

ويضيف الشهاب: “نعاني في مدينة الرقة ندرة الأسماك مؤخراً في نهر الفرات، والسبب في ذلك هو انخفاض منسوب المياه والصيد الجائر وتلوث مياه النهر، وقلة وجود أبحاث علمية لوضع حلول مناسبة وقلة مزارع تربية السمك”.

 وأردف الشهاب: “يوجد ندرة لبعض الأسماك الآن، مثل “أنواع الفرخ (الجزر) وكرسين (المغوار المرقّط) والبراق”، وتعود الأسباب إلى “الصيد الجائر في موسم تكاثر الأسماك، وعدم الاهتمام بالثروة السمكية، ويستخدم بعض الصيادون المواد السامة، والديناميت في الصيد، ما يؤدي لقتل الكثير من الأسماك الكبيرة”.

 وأشار الشهاب إلى أن نقص مياه نهر الفرات، من قبل دولة الاحتلال التركي، وزيادة تلوثه بالصرف الصحي ساهما في انقراض، ونقص بعض الأسماك من مياه النهر.

واختتم الشهاب: “إن عدم تقيد والتزام بعض الصيادين في الأشهر الحرم، التي يمنع فيها الصيد لترك المجال للأسماك، لإتمام عملية التكاثر، ووضع البيوض، له دور كبير في تراجع الثروة السمكية في الرقة”.