الإنسانيّةّ تموتّ على الحدودِ البيلاروسيّةِ البولنديّةِ

دجوار أحمد آغا_

عادة ما تكون الهجرة من بلد الى آخر، ذات دوافع مختلفة، فمنها ما تكون لتحسين الأوضاع المعيشية للأسرة، وهذا غالبا ما تتم من جانب أبناء الدول الفقيرة الى دول أوروبا، أو أمريكا، أو استراليا، وكندا، أي الدول الغنية، وأخرى تكون ذات دوافع سياسية، بحكم الأوضاع غير المستقرة في بلادها، والحروب، والصراعات الدائرة، ما دفع أبناء هذه البلدان الى الهجرة للأمن والأمان في دول أخرى، وهناك نوع أخر من الهجرة، يمكننا أن نضعه تحت بند التهجير القسري، وهو عادة ما تمارسه الدول المحتلة، أو المعتدية على دول وشعوب أخرى تدفع بأبنائها الى الهجرة؛ لتغير الواقع الديمغرافي في المناطق المحتلة (كركوك، عفرين) نموذجاً.

أما أن يهاجر الإنسان من بلد مستقر نسبياً، وذي إمكانات اقتصادية جيدة، فهو ما يُثير الريبة والتساؤل؟!. الحدث الأبرز على الساحة المحلية، والإقليمية، والدولية، هي المأساة التي يعيشها حوالي 8500 لاجئ، نصفهم من الكرد، سواء من باشور على الحدود البلاروسية – البولندية، منذ أواسط آب الماضي، يُعاني هؤلاء المهاجرون من ظروف صعبة وقاسية جداً، خاصة وأنهم بمعظمهم من العوائل التي تضم أطفالاً ونساءً، حتى تاريخه توفي أكثر من 19 شخصاً نتيجة نقص المواد الغذائية والبرد القارص.

هؤلاء المهجرين قسم كبير منهم، يأتي عن طريق الخطوط الجوية التركية، إلى مينسك العاصمة البلاروسية، ومنها عن طريق المهربين المحلين، يدخلون الغابات؛ ليصلوا الى نقطة الحدود البولونية، والتي نشرت أكثر من 15 ألف جندي؛ لحماية الحدود، وقامت بنصب أسلاك شائكة. كما هو معروف، بولونيا (بولندا) هي عضو في حلف شمال الأطلسي، وقد عبّر الحلف عن دعمه لها، في مواجهة بيلاروسيا التي يحكمها الكسندر لوكاشينكو، رجل روسيا القوي في بيلاروسيا، وهو على علاقة جيدة مع أردوغان، الذي يسعى جاهداً لإفراغ كردستان من الكرد، مثل أجداده العثمانيين، الذين هجّروا الكرد من باكور الى مناطق قونية، وكوتاهية، وغيرها في قلب الأناضول، في مسعى منه لتغيير ديمغرافي في كردستان.

من الأمثلة الحية على هذه الهجرة من باشور، نذكر هيمن جبرائيل البالغ من العمر 28 عاما، الذي يجهز نفسه لتوضيب حقائب السفر، والهجرة إلى أوروبا، بعد أن وصل إلى حافة اليأس، كما أورد لوكالة فرانس برس؛ لينضم إلى أكثر من أربعة آلاف شاب، غادروا إقليم كردستان، وكثيرون منهم عالقون حاليا على حدود بيلاروسيا مع الاتحاد الأوروبي.

في مدينة هولير، عاصمة الإقليم في باشور كردستان، يقود جبرائيل، صاحب اللحية السوداء الطويلة، سيارة الأجرة التي يعتاش منها. ويقول لفرانس برس: “هنا نرى الموت كل يوم”.

يدرك جبرائيل أن “الطريق طويل، ربما نتعرض للمصاعب لمدة عشرين يوما”. لكن ذلك أفضل من البقاء، برأيه، “فعندما تصل إلى حيث تريد، ستعيش حياة هادئة، هناك عدالة اجتماعية، وينظر الى الجميع بعين المساواة، ويمكن أن تضمن مستقبلك”. هذا نموذج مما يُعانيه أبناء باشور كردستان.

يُذكر، أنه منذ نحو ثلاثة أشهر، غادر آلاف الشباب مدن الإقليم، 1600 منهم توجهوا إلى بيلاروسيا، وفق إحصاءات جمعية اللاجئين الكردستانية، التي تقدر عدد اللاجئين الكرد الموجودين حاليا على حدود بيلاروسيا، بنحو أربعة آلاف، أغلبهم من الشباب، وبينهم أيضا أطفال ونساء وكبار في السن، دخلوا البلاد بتأشيرة سياحية. كما ذكرت وكالة فرانس برس، رداً على سؤال لمراسلها، قال القنصل الفخري في هولير فؤاد مامند: “كانت مكاتب سياحية تعمل على تأمين تأشيرات سياحية إلى بيلاروسيا، للراغبين بالحصول عليها عبر مركز في بغداد، ينسق مع السفارة البيلاروسية في أنقرة”، مشيرا إلى أن المركز والقنصليتين الفخريتين التابعتين لبيلاروسيا في بغداد وهولير، أُغْلِقَتا منذ أسبوع، بناء على طلب من الحكومة العراقية.

في المقابل نرى: أن زعيمة حزب الخضر “أنالينا بربوك” تقول: “يجب أن تتفق أوروبا بسرعة على كيفية مساعدة هؤلاء الناس، مأساة إنسانية تهدد الأشخاص العالقين في منطقة بيلاروسيا الحدودية. حالة الإمداد سيئة والبرد يصل إليهم، خاصةً لا يطاق بالنسبة للأطفال والعائلات والمرضى. المساعدات الإنسانية الطارئة، هي الآن الأكثر إلحاحا. كما يجب السماح لمنظمات الإغاثة بدخول المنطقة الحدودية المغلقة على الفور. أناشد الحكومة البولندية: أن تتيح ذلك، وتقبل عروض الدعم، التي قدمها الاتحاد الأوروبي – وكذلك فيما يتعلق بالحماية المشتركة للحدود”.

وفي مبادرة من جانب المؤتمر الوطني الكردستاني KNK، قام وفد منه، يضم الرئيس المشترك أحمد كاراموش، بزيارة اللاجئين العالقين على الحدود البلاروسية – البولونية، حيث لم تسمح لهم الشرطة البيلاروسية الاقتراب من الحدود، لمسافة أكثر من 8 كيلومترات، وفق روج نيوز التي ذكرت: أن الوفد ضم إلى جانب الرئيس المشترك، كلا من الإداري للمؤتمر مجيد حسو، والرئيس المشترك لمركز المجتمع الديمقراطي الكردي في السويد، وأعضاء مؤتمر المجتمع الديمقراطي الكردي في أوروبا، من جنوب كردستان، والرؤساء المشتركين لمركز برلين.

وقال الرئيس المشترك لمركز برلين، حسين يلماز:” لقد جاء وفدنا الى الحدود، والشرطة منعتنا من الاقتراب من الحدود، لمسافة أكثر من ثمانية كيلومترات والعبور، وأوضح يلماز، أن الدولة البيلاروسية، لم تسمح لمنظمات المجتمع المدني، والوفود المدنية بالتواصل مع اللاجئين، وكتابة تقاريرهم من المكان الذي يقيمون فيه.  وصرح يلماز: أنهم أدلوا بتصريح لوسائل الإعلام الرسمية البولونية، وبعض وسائل الإعلام الأخرى حول عودتهم إلى وارسو من المنطقة الحدودية.

وقال يلماز: “عدنا إلى وارسو، وهناك التقينا بمنظمة” هلسنكي” لحقوق الإنسان،” ومراسلون بلا حدود”.

وتعليقاً على موقف منظمات المجتمع المدني، والحكومة البولونية، قال يلماز: “بشكل عام، رحبوا بنا بحرارة، ولكن بخصوص اللاجئين، صرحت الحكومة البولونية: أنها لن تسمح لنا بالتواصل مع اللاجئين”.

كما أضاف يلماز: أنهم عرفوا سياسة بولونيا تجاه اللاجئين، وقال: “لقد فهمنا أن الحكومة البولونية لن تقبل، ونتيجة ذلك يعيش هؤلاء الأشخاص مأساة حقيقية، ويموت العديد منهم كل يوم، العديد من وكالات الإغاثة، تدلي بتصريحات، لكنها لا تسمح بوصول المساعدات إليهم.”

وحول أعمال الوفد، قال يلماز:” بالطبع سوف نتحدث اليوم أو غداً، لا زلنا نجري اللقاءات في وارسو، سنذهب مرة أخرى الى الحدود، وسنجلس مع اللاجئين.

وفي نهاية حديثه، أوضح يلماز: إنهم تواصلوا مع الهلال الأحمر، وقال: يجب إرسال المساعدات عبر الهلال الأحمر.

بينما حكومة إقليم كردستان تنام في سبات شتوي عميق.

نترك لكم التعليق.