“أمي لقد احتلَّوا مكاننا لماذا لا تطردينهم أنَّه مكاني أنا وأختي نجلس هناك دوماً، هيا قولي لهم شيئاً ليبتعدوا” فاه طفلةٍ تتفوه بمثل هذه العبارات، طفلةٌ متسوّلة تُمسك بيدِ أختها الصَّغيرة وتأتي إلى أُمِها مسرعةً وهي تلهث وكأنَّ حادثةً ما قد حصلت تقول لها تلك الجمل وكأنَّ مكان تسوّلها أصبح عرشاً لمملكتها والسّجاد الذي تجلس عليه وتنادي المارة بساط الأميرة في قصرها، وتعجبت لردِّ والدتها “هم سبقونا يا ابنتي لا عليك باستطاعتك التّسوّل في مكانٍ آخر” هنا توقفت لِبرهةٍ من الزَّمن أتعجب كيف لصغيرة أن تعيش طفولتها في هذا الواقع وأدركت بأنَّ الطفولة البريئة ضائعةٌ لا بل ميتة.
في كلَّ كم مترٍ تقريباً نرى على قوارع الطّريق المؤدي إلى السُّوق المركزي بقامشلو متسولةً تمدُّ يدها للمارّة وتنادي بهم “الله يوفقكم ساعدونا، من مال الله يا ناس، انشالله تتحقق آمالك” وهناك من المتسولات من لا تتفوه بكلمة فقط ترسم صورة للمارَّة؛ بساطٌ صغير أو في بعض الأحيان لا يوجد حتى البساط، طفلٌ صغير مغمض العينين ممدودٌ أمامها وكأنَّها تقول هذه هي حالتي فلو تملكون ذرةً من الإنسانية ستساعدونني، صنفٌ آخر من الصغيرات خاصةً تمشي وتركض أحياناً مع السَّيارات لتطب من السّائقين الذين تعوّدوا على تسوّلهن فيمتنعون عن إعطائهنَّ شيئاً لتبدأ الصَّغيرات بالطلب من الرُّكاب وكلٌّ حسب تعاطفه يقرر تقديم بعض اللّيرات لها.
مناطق شمال وشرق سوريا ليست الوحيدة في انتشار هذه الظَّاهرة ففي جميع أنحاء العالم نجد هكذا ظاهرة ولكن بصورٍ مختلفة وضمن فئاتٍ مختلفة من المجتمع, وربَّما تكون الإدارة الذاتية هي الأفضل عن الأخرى كونها خطت بعض الخطوات للحدِّ من هذه الظاهرة خاصةً بين النِّساء من الأطفال والفتيات والكبيرات في السّن في عام 2014 تقريباً على الرُّغم من الحصار على تلك المناطق واستهدافه من قِبل الكثير من الجهات التي تسعى لوضع العراقيل واستهداف المشروع الديمقراطي.
الإدارة الذاتية حُظيت بثناء لقيامها بهذه الخطوة التي بقيت قيد الدراسة ولم تُطبق شيئاً منها حتى الآن على أرض الواقع فبقي المشروع المتضمن بجمع المتسولات في مركزٍ تعليمي مهني جامداً، أو بمعنىً آخر حِبراً على ورق في ظرفٍ مختوم على طاولة المعنيين.
السِّلك الذي يتبعه الأمهات والجدات أيضاً في تعليم بناتهن مهنة التَّسول كما يحسبها البعض سلك غير حضاري عدا ذلك يعرِّضهنَّ للخطر في مجتمعٍ لا يحرم المرأة القويّة قبل الضعيفة فكيف لطفلةٍ أو فتاة تمدُّ يدها بقصدِ الحاجة، هذه الصَّغيرة لم تجد من الطفولة ما يعرِّفها بحقوقها في المجتمع، يعرِّفها بذاتها، يعرِّفها بمجتمعٍ يعنّف المرأة بشتّى الوسائل، يعرِّفها بذهنيّة تستغلُّ حاجتها بتقديم المساعدة لها في سبيل إشباع غريزيته في الكثير من الأحيان.
المرأة التي تدفع بطفلتها أو حفيدتها أو أختها إلى الهاوية والهلاك عبر التسوّل يلزمها الكثير من التوعية وذلك لن يحصل إلَّا بالتدريب الذي من خلاله ستتمكن من معرفة ذاتها وإمكانياتها كامرأةٍ تستطيع الاعتماد على نفسها والاستقلال باقتصادها دون التسوّل، هذه المهمة تقع على عاتق جميع المؤسسات والتنظيمات والمنظمات النسائيّة التي تدّعي أنَّ الهدف من تشكيلها هو الدفاع عن المرأة وحمايتها واسترداد حقوقها، تلك الجهات باستطاعتها تغيير واقع المرأة والمجتمع نفسه، تلك الأطراف بإمكانها وضع حد لكلِّ صورة تشوّه الصورة الحضارية للمرأة.
المرأة بحاجةٍ إلى دعم المرأة وبالأصل لن يدعم المرأة سوى المرأة نفسها لأنَّه كما ذكرنا آنفاً ما من رجل يمدُّ يده للمرأة إلَّا وفي جعبته هدفٌ نابع من ذهنيته الذكورية التي ترسم ملامح للمرأة وهي فريسةٌ بيده.
هذه الصورة وجدناها في قامشلو إحدى مناطق شمال وشرق سوريا التي تسعى إدارتها إلى دعم المرأة والأخذ بيدها فكيف هي حال المرأة في المناطق السُّورية الأُخرى الذي أخذ الحرب منها كلَّ سبل الحياة، فلنسعَ معاً نحو إيقاظ المرأة الجاهلة وتعريفها بمكانتها فمكانها ليس بالطرقات كمتسولة، إنَّها أعظم من ذلك وهذا الدور يجب أن تؤديه كلُّ امرأةٍ تسعى لدعم المرأة والتقدم بواقعها.
من هنا نقول المتسولات في بلاد الحرب يتعطشن للتوعية قبل كلِّ شيء فبعد ارتواء عطشهنَّ سيمتنعنَّ عن هذا الفعل بأنفسهن.
مناطق شمال وشرق سوريا ليست الوحيدة في انتشار هذه الظَّاهرة ففي جميع أنحاء العالم نجد هكذا ظاهرة ولكن بصورٍ مختلفة وضمن فئاتٍ مختلفة من المجتمع, وربَّما تكون الإدارة الذاتية هي الأفضل عن الأخرى كونها خطت بعض الخطوات للحدِّ من هذه الظاهرة خاصةً بين النِّساء من الأطفال والفتيات والكبيرات في السّن في عام 2014 تقريباً على الرُّغم من الحصار على تلك المناطق واستهدافه من قِبل الكثير من الجهات التي تسعى لوضع العراقيل واستهداف المشروع الديمقراطي.
