إن ما يقوي تأثير الروائح هو علاقتها الخاصة بالذاكرة، وذلك عندما تسمح لنا في لحظة واحدة بالانتقال عبر المكان والزمان إلى أماكن كنا قد ابتعدنا عنها لفترات طويلة، وهنا لا بد من الحديث عن “مادلين بروست” التي أصبحت رمزاً لعلاقة الروائح بذكريات الماضي، وهي التي تحدث عنها الكاتب الفرنسي مارسل بروست في روايته “في البحث عن الزمن المفقود”، حيث يروي كيف أنه عندما كان مستلقياً على سريره في أحد الفنادق ينتظر وجبة الفطور، وقُدِّمت له كعكة مادلين (وهي الكعكة الفرنسية الشهيرة) أرجعته رائحتها إلى بيت عمته الرمادي القديم في مدينة كومبراي الفرنسية، حيث نشأ، وتذكر عندما كان يذهب لتحيتها في غرفتها صباح يوم الأحد، وكانت تُقدِّم له كعكة المادلين بعد أن تغمسها في شراب الزيزفون. وهكذا، وبأسلوب أدبي أنيق، كان بروست أول من أشار إلى ظاهرة “الذاكرة اللاإرادية” التي تفسر قدرة التجارب الحسية، لا سيما حاسة الشم العميقة والمعقَّدة، على أن تعيدنا فجأة إلى ذكريات بعيدة بقيت عالقة في أذهاننا على الرغم من مرور السنين.
القادم بوست