رامان آزاد-
تحدياتٌ كبيرةٌ تواجهُ الواقعِ الصحيّ في منطقة الشهباء التي يعيش فيها نحو 250 ألف مواطنٍ من أهالي عفرين المهجّرين قسراً، فمع محدوديّة الإمكاناتِ والنقصِ الحادِّ في الأدويةِ والمستلزمات الطبيّة، بسبب حالةِ الحصارِ وقطعِ الطرقاتِ، ومواصلةِ جيشِ الاحتلال التركيّ والمرتزقة التابعين له القصفَ شبه اليوميّ، تهددُ الألغام حياة الأهالي، فيما يستمرُّ تهديدُ الإصابةِ بفيروسِ كورونا في موجته المستجدةِ.
ظروف معقدة أصعبها الحصار
في كلّ أزمةٍ يتم البحثُ عن بدائلَ تخففُ المعاناةَ عن الناسِ، وفي مقاطعة الشهباء التي أضحت للسنة الرابعة ملاذ المهجرين قسراً من عفرين، يعيشون في ظلِّ ظروف صعبةٍ للغايةِ، والواقع الصحيّ في تردٍ مستمرٍ، ما يهدد بكارثة حقيقيّة نتيجة ثلاثة عوامل أساسيّة هي: القصف شبة اليوميّ لجيش الاحتلال التركيّ والمرتزقة التابعين له، ومخاطر انتشار فيروس كورونا ومحدوديّة الإمكاناتِ الطبيّةِ والبيئةِ غير الصحيّةِ بشكلٍ عام، لذلك فإنّ البديلَ لأزمةِ الواقعِ الصحيّ يكمنُ بتأمينِ المساعداتِ والدعمِ الطبيّ من خلال تزويدِ المراكز الطبيّة بالكوادر المؤهلة والأجهزةِ والمعداتِ الضروريّة وتوفيرِ الأدويةِ اللازمةِ، وآنيةِ نقلِ المرضى في حالِ الطوارئ إلى مدينةِ حلب التي تبعد نحو 15 كم. إلا أنّ حالة الحصارِ المفروضةِ على المنطقةِ، ومنعَ دخولِ الأدويةِ والطواقمِ الطبيّة والأطباء الأخصائيين وتقاعسَ المؤسساتِ الطبيّةِ المحليّة والدوليّة ذاتِ العلاقةِ بات العاملَ الأشدَّ خطورةً.
يعيشُ في مقاطعةِ الشهباء نحو 250 ألف مواطن من أهالي عفرين المهجرين قسراً، نحو 120 ألف منهم في المخيماتِ الخمسةِ وهي (سردم، برخدان، عفرين، العودة، الشهباء)، والباقي يعيشون في منازل شبهِ مدمّرةٍ وغير مؤهلةٍ للسكنِ.
بذلتِ الإدارةُ الذاتيّة جهوداً ضمن الإمكاناتِ المتاحةِ لتجهيزِ مشفى آفرين في بلدة فافين، لتأمينِ الخدمةِ الصحيّةِ مجاناً للأهالي، إلا أنّ إمكاناته محدودةٌ في إجراءِ العملياتِ الجراحيّةِ الدقيقةِ والصعبةِ. ويتجاوز معدلُ المراجعاتِ التي يستقبلها مشفى آفرين في اليوم الواحدِ أكثر من 400 مواطن من مهجّري عفرين، في ظلِّ عدم توفرِ الأدويةِ والأجهزةِ الطبيّةِ والفحوصِ المخبريّة ومواد التحاليل وأنواع التصوير الاختصاصيّ، ما يصعّب معالجةَ المرضى.
ومن جانبٍ آخر قام الهلالُ الأحمرُ الكرديُّ بافتتاحِ ست نقاطٍ طبيّةٍ لتقديمِ الإسعافاتِ الأوليّةِ والإشرافِ على برامجِ اللقاحِ والأمراضِ الموسميّةِ. كما تمَّ تجهيزُ مشفى في بلدةِ تل رفعت، إلا أنّ كلَّ ذلك لم يلبِّ حاجةَ المنطقةِ التي عادت إليها أعدادٌ كبيرةٌ من أهلها.
وفيما كانتِ الحكومةُ السوريّة سابقاً تتخذُ إجراءاتٍ صارمةً على الحواجز، فإنّها خلال الأشهر الأخيرة شددتِ الحصارَ على مقاطعةِ الشهباء، وبخاصة في إجراءاتِ نقلِ الحالاتِ المرضيّةِ الحرجة والمصابين إلى مدينة حلب، فقد منعت سيارة الإسعاف الخاصة بمشفى آفرين من نقل المرضى وحصرت عملية النقل بالهلال الأحمر السوريّ، على أن يتم قبول النقل من قبل طبيب الهلال الأحمر وغالباً ما يحصل التأخير في حضور الطبيب أو إجراءات النقل لعدة ساعات، ما يهدد سلامة المرضى وحياتهم، بسبب إجراءات روتينيّة، وقد يؤدي منع النقل إلى حالات وفاة قبل أو أثناء النقل.
وفاة مواطن
في 26/7/2021 توفي المواطن محمد حسن موسى (43 عاماً)، بعد إصابته باحتشاء عضلة قلبية حاد. ويوم الخميس 29/7/2021 أصدر مشفى آفرين تقريراً طبياً حول سبب الوفاة، وجاء في التقرير:
“راجع المريض محمد حسن موسى مشفى آفرين في الـ 26 من الشهر الجاري في تمام الساعة الثالثة ظهراً، بعد إصابته باحتشاء عضلة قلبية حاد، وفي تمام الساعة 3:45 تم إبلاغ مكتب إسعاف حلب بأن المريض بحاجة إلى الذهاب لمشفى حلب لإجراء قثطرة قلبيّة إسعافيّة، وعلى هذا الأساس قمنا بالإجراءاتِ والموافقاتِ اللازمةِ لذهابِ المريضِ، وفي تمامِ الساعة 4:25 تحدثنا إلى الهلال الأحمر السوريّ ليتمَّ نقلُ المريضِ بسيارةِ الإسعافِ وتبيانِ حالته الحرجة، وفي تمام الساعة 5:15 وصلت سيارةُ الإسعافِ الخاصة بالهلالِ الأحمر السوريّ إلى مدخلِ مقاطعة الشهباءِ، عند دوّار الأحداثِ، ولكنَّ المريضَ كان قد تُوفي”.
وفاة ثلاثة أطفال
في 28/7/2021 أصدر مشفى آفرين تقريراً خاصاً بوفاِة ثلاثةِ أطفالٍ من مهجّري عفرين، خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة إهمالٍ وتأخرِ سيارةِ الإسعافِ الخاصّةِ بالهلالِ الأحمرِ السوريّ لنقلهم في الوقتِ المحددِ. وبخاصةٍ بعد توصيةِ الطبيبِ المشرفِ على إحدى هذه الحالات بضرورةِ نقلِ الطفلِ على وجهِ السرعةِ.
الطفلة جوانا جوان حسين
تقيم عائلتها في ناحيةِ الأحداث، تبلغ من العمر شهراً، وراجعوا مشفى آفرين بتاريخ 21 من الشهر الجاري، وتمَّ نقلها إلى وحدةِ العناية المركزيّة، لأنّها كانت تعاني من انسدادٍ في الأمعاءِ، بالإضافة إلى إقياءات برازيّة، بعد إجراء الإسعافات اللازمة لها وإبلاغ مكتب إسعاف حلب بضرورة إحالة الطفلة إلى حلب في تمام الساعة الثانية ظهراً، لكن سيارة الهلال الأحمر السوريّ وصلت مشفى آفرين في الساعة الخامسة مساء، بالإضافة إلى نفاد أسطوانة الأكسجين من تلك السيارة وهي في طريقها إلى مدينة حلب، والاضطرار إلى نقل الطفلة إلى سيارة إسعاف أخرى تابعة أيضاً للهلال الأحمر السوريّ، لتسوء حالة الطفلة وتفقد حياتها قبل وصولها إلى مشفى حلب.
الطفلة آية رشيد حمو
تقيم عائلتها في ناحية تل رفعت، وتبلغ من العمر سنة، راجعت مشفى آفرين بناحية فافين بسبب إقياءات حادة كانت تعاني منها، حيث تلقّتِ العلاجَ اللازم في تمام الساعة الثانية ظهراً، وتمّت مراقبة الطفلة ولكن دون استجابة، وتمَّ قبولها في جناحِ الأطفالِ فوراً في الساعة الثالثة، وتم إجراء تثبيط قلبيّ تنفسيّ ثم إنعاش الطفلة حسب الأصول ووضعها في وحدة العناية المركّزة، وإبلاغ مكتب إسعاف حلب بضرورة نقل الطفلة إلى حلب في تمام الساعة الرابعة عصراً، لتتأخر سيارة الهلال الأحمر السوري أربع ساعات، وتنقل الطفلة من مشفى آفرين في الساعة الثامنة مساء، لتفقد حياتها بعد تثبيط قلبيّ تنفسيّ.
محمد أمين موسى كور حمو
تقيم عائلته في ناحية احرص، ويبلغُ من العمر شهرين، راجع مشفى آفرين في 20 الشهر الجاري، في تمامِ الساعة الخامسة مساء، وكان يعاني من جرثومةٍ بالدم، بالإضافة لنزلةٍ تنفسيّةٍ، وتمَّ إجراءُ اللازم له، وإبلاغُ مكتبِ إسعافِ حلب بضرورة إحالته إلى حلب، وأنّه بحاجة لجهاز تنفسٍ اصطناعيّ بالإضافة إلى عنايةٍ مشددةٍ، ولكن لم تُوّقع الإحالةُ إلا في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً، لعدم وجودِ الدكتورة (أ ـ أ) التابعة لصحةِ حلب، ولم تصل سيارة الإسعاف للهلالِ الأحمر السوريّ إلا في الساعة 11 والنصف ليلاً ولينقلَ الطفل محمد إلى حلب متوفياً.