سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة… الحكومة السوريّة تُصدِر قوانين جديدة هدفها ملء خزينة الدولة

عملت حكومة دمشق في ظرف الأشهر الأخيرة على إصدار قوانين وتشريعات تشترك في الأهداف بقواسم مشتركة هي زيادة الضرائب على الشعب ما يشير إلى زيادة الخناق الاقتصادي الذي تعاني منه الحكومة منذ فرض قانون قيصر.
ومن أهم القوانين الصادرة بهذا الصدد قوانين البيوع العقارية، زيادة أسعار الأدوية، تعديلات نظام مسك سجلات العقارات والمركبات بأنواعها، قانون يسمح بإعادة تسجيل طلاب الإجازة المستنفذين مقابل دفع رسوم تُقدر بـ 300 ألف ليرة سوريّة كل عام.
نستعرض في هذا التقرير أبرز نصوص القوانين الصادرة عن حكومة دمشق والتي أدت بمجملها إلى زيادة العبء على المواطن السوري وفرض الضرائب حتى عند بيع أملاكه، في وقت يعيش فيه أكثر من 85% من أبناء الشعب السوري تحت خط الفقر.
ما هو مضمون قانون البيوع العقارية
 أصدر الرئيس السوري في نهاية شهر آذار الفائت «القانون رقم 15» لعام 2021، القاضي بتنظيم استيفاء ضريبة البيوع العقارية، والتي يتم تحديدها بمعدّل من القيمة الرائجة للمتر المربع استناداً إلى الوصف المالي للعقار، وفق معايير وعوامل لكل من العقارات السكنيّة أو التجاريّة أو الصناعيّة أو الزراعيّة أو السياحيّة.
وبحسب القانون الجديد، أصبحت الضريبة على البيوع العقارية 1% من القيمة الرائجة للعقارات السكنية، و2% بالنسبة إلى الأراضي الواقعة داخل المخطط التنظيمي المصدق، و1% للأراضي الواقعة خارج المخطط المصدق، و3% عن بيع العقارات غير السكنية، و1% للأسطح في العقارات السكنية.
وينصّ القانون أيضاً على تشكيل لجان مركزية ورئيسية وفرعية، مهمتها تحديد القيمة الرائجة للعقارات. وستشمل الضرائب الإيجار أيضاً، إذ ستخضع العقارات غير السكنية المؤجرة للسوريين وغيرهم لضريبة دخل بمعدل 10% من بدل الإيجار السنوي الوارد في عقد الإيجار، على ألّا تقل ضريبة الدخل عن 6 في العشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر، في حين تخضع العقارات السكنية المؤجرة لغير السوريين لضريبة دخل بمعدل 5%، على ألا تقل عن 3 في العشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر.
ولا يخفي أصحاب المكاتب العقارية تخوفهم من تسجيل ارتفاعات جديدة في أسعار العقارات تُضاف لما هي عليه في الوقت الحالي، نظراً لنقص الأبنية السكنية نتيجة دمار عدد كبير منها نتيجة المعارك فيما مضى.
وتتصدر حلب نسبة الأبنية المدمرة في سوريا بأكثر من 35 ألفًا، تليها الغوطة الشرقية بـ34 ألفًا، ثم حمص والرقة وحماة، وبعدها دير الزور، وفق أطلس الدمار الصادر عن معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب.
أحد أصحاب المكاتب العقارية بحلب أفاد لوكالة هاوار أنه تم بيع أحد المنازل في شارع فيصل الواقع وسط المدينة بمبلغ 600 مليون ليرة سوريّة وهو طبعاً رقم خيالي مقارنةً بالدخل السوري، كما ونوه إلى أن طرف المشتري من عملية البيع أصبح محصوراً بالمغتربين عن البلاد.
ولم تسلم بدلات الإيجار من الضرائب الجديدة بما فيها القديمة التي عادةً ما تكون منخفضة القيمة، ومع التعديلات الجديدة فلن تقل عن 6 في الألف من القيمة التخمينية للعقار.
الحقوقي جبرائيل مصطفى اعتبر أن الحكومة ليس لها وجود وأي انسجام أو تخطيط، بل تعمل وفق المرحلة اليومية أو الشهرية فحسب، لأنه في جميع دول العالم تعمل الدولة على زيادة الأسعار بما يتناسب مع دخل الفرد، وعند الرجوع إلى دخل الفرد بعد عشر سنوات من الحرب بسوريا، فأكثر من 85% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر.
كما نوه جبرائيل إلى أن هكذا قانون يحرم الكثيرين من حلم امتلاك بيت يأويهم مشيراً إلى أن الأوضاع ستؤدي إلى اتخاذ الخيم ملجأً في المدن السوريّة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
إِبراز إشعار الخمسة مليون
 تعتبر تعديلات نظام مسك سجلات العقارات والمركبات بأنواعها تتمة للقانون السابق بإضافة المركبات، حيث أنه إلى جانب الضريبة المفروضة وعليه يمنع فراغ أي سيارة أو عقار أو إجراء وكالة غير قابلة للعزل بخصوص ذلك قبل إبراز إشعار مصرفي يتضمن تسديد مبلغ لا يقل عن ٥ مليون ليرة سوريّة في حساب المالك أو خلفه الخاص أو وكيله عند فراغ سيارة.
وفي حال كان المطلوب فراغ أرض فيجب تسديد مبلغ لا يقل عن مليون ليرة سوريّة عبر القنوات المصرفية لعمليات بيع الأراضي وحسب القرار يجب تجميد مبلغ لا يقل عن 500 ألف ليرة سوريّة في الحسابات المصرفية المستخدمة لعمليات البيوع ولمدة ثلاثة أشهر.
المحامي جبرائيل مصطفى يُعلّق على الموضوع ويقول “في وقت يحتاج فيه الشعب إلى قوانين ومراسيم إعفاء إلى جانب مساعدات لكي يتمكن من توفير أبسط مقومات الحياة، تعمل الحكومة بسياسة معاكسة على سحب الأموال وسرقتها تحت مسميات التشريع والمصلحة العامة”.
حتى الأدوية استُغِلت لملء خزينة الدولة
 لم تسلم الأدوية المستخدمة لمعالجة المرضى من الضرائب، حيث رفعت وزارة الصحة السورية أسعار الأدوية بنسب وصلت إلى نحو 50 في المئة، وقالت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة السوريّة إن اللجنة الفنية العليا للدواء قررت في جلستها المنعقدة قبل أيام تعديل أسعار الدواء، وأرفقت قوائم تضم 11819 صنفاً دوائياً رفع الأسعار.
فالخلاف القائم بين الحكومة والمصنعين هو سعر الدواء على أساس السعر السابق للدولار وهو 1256، رغم أنه تم رفع هذا السعر إلى 2500، وقال إن أصحاب المعامل يستوردون متطلبات صناعة الدواء وخاصةً المواد الفعالة بسعر 2500 بينما تسعره الحكومة بـ 1256.
وشهدت أسعار الأدوية ارتفاعات كبيرة شأن جميع السلع في البلاد، وبلغت الزيادة في بعض الأصناف أكثر من ألف في المئة منذ بداية الأزمة.
وفي هذا السياق يقول المحامي والناشط الحقوقي جبرائيل مصطفى إن القرار الأخير لزيادة أسعار الأدوية انعكس سلباً على الأهالي نظراً لغلاء الأدوية بنسبة 50%، كما يشير جبرائيل مصطفى إلى أن القانون سبقه مرسوم جمهوري في شهر حزيران من عام 2020 تضمن إعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية وغيرها وذلك لمدة عام واحد على إصدار المرسوم.
ويشير مصطفى إلى أنه وقبل انتهاء مهلة المرسوم وهي الـ 13 من شهر حزيران عام2021 عادت الحكومة لفرض الرسوم الجمركية على كافة المستلزمات المذكورة أعلاه، مما استوجب رفع أسعار تلك المواد بالنسبة للمصنعين وزيادة أسعارها في الأسواق بنسبة 50%، وهذه النسبة يتم منحها للحكومة كضرائب جمركية.
قانون سَيُفاقم من هجرة العقول
 ولعل المرسوم الحامل للرقم 125 لعام 2020 الذي أصدره الأسد والقاضي بالسماح لطلاب مرحلة الإجازة المستنفدين فرص التسجيل المحددة، لقاء رسوم لا تقل عن مثل الرسوم المحددة للطلاب المقبولين وفق مفاضلة التعليم الموازي بالنسبة إلى الطلاب المقبولين وفق المفاضلة العامة، أي حوالي 150 ألف ليرة سوريّة سنوياً ولا تقل عن مثلي الرسوم المحددة للطلاب المقبولين وفق مفاضلة التعليم الموازي بالنسبة إلى الطلاب السوريين أي 300 ألف ليرة سوريّة سنوياً، سياهم في انخفاض معدل مرتادي الجامعات وتفضيلهم للهجرة.
القانون جدد الالتزام به في عام 2021، وكان محط ترحيب من قبل شرائح المجتمع لأنه يعطي فرصة ثانية للمحرومين من مقاعد الجامعة نتيجة ظروف مروا بها منذ بدء الأزمة السوريّة.
إلا أن تحويل العبء إلى عبء مالي يضاف إلى تكاليف الدراسة الباهظة في هذه المرحلة الصعبة جعل الكثير من الشباب يفكرن بالهجرة فبدلاً من تحمل تكاليف الدراسة والتوجه نحو الخدمة الإلزامية إلى جانب عدم وجود تكافؤ للفرص والمساواة في التوظيف وانتشار الفساد واضمحلال الوضع المعيشي، يمكن للشباب الهجرة عبر البحر نحو الخارج عبر جمع مصاريف تلك الأعوام والتخلص من الكوابيس التي يعانون منها.
مصطفى يقول بأن مثل هكذا تصرفات صادرة عن الحكومة تقتل الروح الوطنية لدى الشباب السوري وبالتالي لا يفكرون بخدمة وطن لا يشعرون بالانتماء إليه، وهو مؤشر خطير لهجرة العقول إلى الخارج.
قرارات لا تُمثِل الواقع
 يصف جبرائيل مصطفى جميع المراسم والقرارات بأنها قرارات متناقضة لا تمثل الواقع ومعاناة الشعب السوري والهدف منها هو إطالة عمر الحكومة ومؤسساتها فقط.
ويقول بأنه لا يمكن أن يتم إطالة عمر النظام عبر هذه المراسيم التي تسرق لقمة عيش المواطنين، فلا يمكن مقارنة أنظمة فرض الضرائب العالمية بنظام الضرائب في سوريا ففي الدول الأوروبية على سبيل المثال يكون دخل الفرد عالياً جداً إضافة لوجود ضمان صحي واجتماعي لجميع شرائح المجتمع ولا ننسى الرفاه، لكن في سوريا دخل المواطن معدوم ورغم ذلك تزيد الحكومة العبء بقراراتها وتخنقه.
كما ينوه جبرائيل مصطفى إلى أن مرور 10 سنوات على الأزمة واتخاذ القرارات الخاطئة أدى إلى هجرة أكثر من 12 مليون سوري داخلياً وخارجياً وفقدان مليون مواطن سوري لحياته، ويشير إلى أن هذه المراسيم تزيد من العبء المعيشي على هؤلاء الذي فضّلوا البقاء.
وينهي المحامي والناشط الحقوقي جبرائيل مصطفى حديثه بأن المراسيم الصادرة هي تعبير عن حصول عجز كبير في الموازنة العامة وفشل الحكومة في إدارة المرحلة الراهنة، لتلجأ إلى تغطية هذا العجز عبر سحب الأموال من المواطنين والتستر عبر القانون والمراسيم الصادرة.
وكالة هاوار