سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

إدلب…. بين مخططات دولية وأطماع إقليمية

تحقيق/ فيروشاه أحمد –
منذ أشهر والمجتمع الدولي يُحذِّر العالم من كارثة إنسانية في إدلب إذا ما نشبت معارك فيها، كونها امتلأت بكل أشكال المرتزقة الذين صنعتهم أجندات محورية إقليمية ودولية، تركيا قلقة من أمرها، روسيا لا تستطيع البدء والنظام مقبل مدبر في أمره، الكل ينتظر أمريكا كي تُوزِّعَ المهام.
مخططات ومؤامرات

إدلب بلغة ومفاهيم متعددة كانت قبل وبعد الأزمة السورية تتعرَّض للمظلومية، وهي المحافظة ذات الموقع الاستراتيجي في الشمال السوري والتي تتمتَّع ببوابة حيوية مع جنوب تركيا التي هي لها منفذٌ إلى أوروبا، وهي في الوقت نفسه سلة غذائية زراعية لسوريا، وتعيش الآن كمعقل من أكبر وآخر المعاقل التي تضم الفصائل المسلحة والسياسية ضد النظام.
من هذا المنطلق الحيوي يسعى النظام لاستردادها من خلال جسر الشغور القريبة من جبال اللاذقية والتي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة، تركيا من جهتها سوف تجعل من نفسها المُنسِّق والعرَّاب مع روسيا كي تجد حلاً سلمياً لهذه الفصائل بشرط أن تتعاون روسيا والنظام بحسم ملف الكرد في الشمال السوري.
 يرى المهتمون أنَّ الثورة السورية تعرَّضت لانكسارات متعددة ولهذه الانكسارات أسبابها السياسية الإقليمية منها والدولية، فمنذ استسلام مقاتلي الزبداني 2015م مروراً بالغوطة وحمص حتى آخر محطة في درعا من قبل النظام وحلفائه تم استقدام وتجميع كلِّ الفصائل إلى إدلب، وكأن تجمعهم في هذه المدينة من ضمن شروط الاستسلام، تخمة سكانية في المدينة إلى جانب أزمة في تواجد الفصائل المتنوعة والمتناقضة ولكل فصيل دعمه المادي واللوجستي، على أن يحارب بالوكالة عن سياسة دولة إقليمية أو دولية.
فبات من المعلوم أنَّ هناك توجهاتٍ بين الدول المتصارعة على سوريا، وهذه التوجُّهات سوف تجعل من إدلب (قميص عثمان) الكل ينادي بها “يا لثارات هزائمنا”. وفي المرحلة الحاسمة لم تبق للمبادئ قيمها فهاهي تركيا تنعت جبهة النصرة بالإرهاب، وكأنَّها لم تكن في يومٍ ما ربيبة أنقرة، هذه التقلُّبات في الآراء لم تأتِ صدفة، بل نتيجة طبيعية للعلاقات غير المتوازنة بين روسيا وتركيا وبين روسيا وإيران، كون الروس سيطروا على دمشق من الباب للمحراب، هذه التصادمات تأتي نتيجة تشابه وتوافق الرؤى السياسية بين واشنطن وموسكو.
وبذات السياق لا يخفى على أحد أنَّ سياسة تجميع ما يسمى بالمعارضة السورية في إدلب هي من سلوكيات روسيا لأنَّها اتَّبعتِ السياسيةَ نفسها في غروزني والشيشان، حين جمعت كل المقاتلين في جغرافية صغيرة واحدة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تستطيع روسيا أن تجدد عقدها مع الزمن وتطيله أكثر حين تلجأ إلى خلطة سياسية جديدة بعد أن تبعثر أوراق اللعبة في أكثر من مكان، بكل المقاييس روسيا تتعامل مع الإرهاب وفق التعرفة الدولية، وتلعب مع تركيا بمقاييس أخرى (اقتصادية) ولعل في جعبة روسيا أمرٌ آخر من تجميع المعارضة في مكانٍ واحد وهو إبعاد أنظار المهتمين عن دمشق وما يحدث فيها من عقِد صفقات سياسية واتفاقات اقتصادية، كل الغاية هي استثمار واستغلال النظام وتركيا في الوقت نفسه.
ضرب المشروع الديمقراطي في شمال سوريا هدف الاحتلال التركي
مما تقدَّم ومما هو مُخبَّأٌ في دهاليز البنتاغون والكرملين قد يذكرنا بأسواق النخاسة التي كانت تهتم ببيع البشر علناً، ومن السخف أن المعارضة والنظام يدركون تماماً قواعد هذه اللعبة، لكن كونهم يدركون أنَّ ما يجري هو ضربٌ لقدرات الخصم وليس بمقدور روسيا أو أمريكا أن تحمي السوريين، بل باستطاعتهم أن يحققوا اتفاقاتهم بأقل نسبة من الخسائر.
أما (الرجل المريض) فقد قبل بكل هذه التسويات بشرط أن يستفرد بإدلب ويحتل عفرين وغيرها من البلدات في شمال حلب، ويكبح جماح المشروع الديمقراطي في الشمال السوري؛ هذه المتاجرة السياسية والعلنية من قبل النظام التركي مع الأنظمة الإقليمية والدولية والنظام السوري هي فقط كي لا تقوم للكرد قائمة، هذه الهمجية التركية الطورانية وبعد احتلالها لعفرين أسقطت آخر ورقة توت عن عورة المجتمع الدولي الذي أباح لتركيا العبث بشعب وبأرض ليست أرضها.
من جهة أخرى تساوم أنقرة مع دمشق بكل جدية وبخاصة بعد بلورة الحوار السوري ـ السوري بين مجلس سوريا الديمقراطي والنظام السوري والاتفاق على نقاط التوافق وتقليص نقاط الخلاف، من هنا لجأت إلى المساومة والمقايضة مع النظام دون مقابل، ففي الأمس نعتت طفلها المدلل جبهة النصرة بالإرهاب وتنازلت عن بعض امتيازاتها كي تستثمر وتستغل النظام بتوقيف عجلة الحوار مع مجلس سوريا الديمقراطية، وتتلاعب بمصير الشعب السوري سلباً، وبمثل هذه الألاعيب تلجأ دولة الاحتلال التركي إلى أسواق المتاجرة مع العدو قبل الصديق لتعيق وتفشل مشروع الأمة الديمقراطية في شمال سوريا.
ثمَّة حلول افتراضية تنتظر إدلب منها أن تركيا تحاول إقناع روسيا وأمريكا أن تستوطن هذه الفصائل والمرتزقة في (جرابلس، الباب) القريبتين من منبج وعفرين كي تستخدم هذه الفصائل في قتال الكرد في الوقت الذي ترغب فيه تركيا، لكن روسيا قد تختلف في البداية مع  الرؤية التركية، بل تريد ضرب تلك الفصائل في إدلب وكسر شوكتها واستسلامها ورضوخها للنظام بحيث لا تستهدف الأهداف والمواقع التركية، حينها من الممكن أن تبيع هذه الفصائل في أسواق النخاسة وبأسعار بخسة.
ما يؤكد هذه المقايضة كلام شاويش أوغلو: “إن تركيا لا يمكن أن تسيطر أو تحمي تلك الفصائل”، بهذه التباينات في مواقف النظام وتركيا وروسيا من الممكن أن تصبح معركة إدلب بوابة للقاءات جديدة في آستانا وغيرها تكون سبباً لمخرجات جديدة لحل الأمة في سوريا سياسياً، من جانب آخر تستعد قوات النظام بالتمركز حول إدلب وتنتظر ساعة الصفر من موسكو، وقد خرقت هذه القوات للهدنة الروسية التركية المعلنة في بعض القرى في إدلب، روسيا من جانبها تحاول أن تصطاد في المياه التركية وتجبرها على توقيع اتفاقات اقتصادية من خلال تقليص عمل النظام العسكري في إدلب، واعطائها مساحة أفضل للتصدي للمشروع الديمقراطي في شمال سوريا.
في ظلِّ هذا الخلط في أوراق اللعبة من قبل الروس صدرت وثيقة أممية (إعمار سوريا مرتهنٌ بالانتقال السياسي) ولا يمكن التعويل عليها إذ لم توافق أمريكا التي أكدت على بقائها في سوريا لمدة أطول، كونها الشريك الأكبر في تقاسم النفوذ (الكعكة السورية)، فهي أيضاً لها خارطة طريق تعتمد على استراتيجية طويلة الأمد، ولها تحالفاتها وعلاقاتها على الأرض سواء مع الروس أم مع  الكرد علناً ومع اسرائيل سراً، ومؤخراً بدأت ببناء قواعد عسكرية جديدة وشرعت بتوسيع القواعد القديمة التي قد تصبح بديلة عن قاعدة أنجرليك، وتعمل في الوقت نفسه مع روسيا لسحب زمام المبادرة من تركيا وتهميش دور ايران أيضاً، وتُتابع مع حلفائها في أوروبا الضغط على طهران وتفرض عليها حزمة عقوبات اقتصادية، لإملاء شروطها وشروط اسرائيل.
اللامركزية في الإدارة حل للأزمة السورية

تركيا ولتلتقيَ بمواقفها مع الروس والنظام أعلنت مؤخراً أنَّها تنوي نشر نقاط مراقبة بموافقة روسيا وإيران، وهذا الإعلان هو بيان عن عجز تركيا عن تحقيق أجنداتها لوحدها في سوريا، وفي جانب آخر أكَّدت تركيا على لسان خارجيتها أنَّ هدفهأ تخفيف مخاوف الروس والتخلُّص من الإرهابيين في تلك المنطقة، وأكثر احتمال يقلق أنقرة فهو دعمها للمرتزقة أو العودة لحضن واشنطن والمساهمة معها في معركة إدلب.
والقلق الأكبر في تركيا المنجزات التي تعمل عليها الإدارة الذاتية في الشمال السوري، والتحالف الذي يضم قوات سوريا الديمقراطية مع الأمريكان.