سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

 30 حزيران 2013 ونهاية التأسلم السياسي

د. علي أبو الخير_

سيظل يوم الثلاثين من حزيران 2013، يوماً فارقاً في تاريخ الدولة المصرية، ففي هذا اليوم خرج الملايين من أبناء الشعب المصري في تظاهرات تفوق بكثير من مظاهرات ثورة كانون الثاني 2011، وكانت التظاهرات ضد الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، بعد حكمهم لمصر لمدة عام واحد فقط، بعد أن ظلوا في المعارضة طوال حوالي ثمانين عاماً، اصطدموا خلالها بكل الحكومات في مصر الملكية والجمهورية، تعاطف معهم الكثيرون من المصريين وغير المصريين، انتشروا في البلاد المختلفة، واصطدموا بالحكومات، حتى في داخل البيت السعودي الذي احتضنهم، ولأن المسلمين رأوهم مظلومين بسبب خطبهم من فوق المنابر وفي الإعلام الداخلي والخارجي، وبسبب هذا التعاطف الشعبي فقد سيطروا على النقابات العمالية والمهنية، ولكن هذا التعاطف تلاشى خلال عام واحد من الحكم، وهو من أغرب الأمور في الساحة الشعبية الإسلامية عندما تصطدم بالإسلام السياسي الجماعاتي، وعن أسباب الانهيار السياسي السريع والمفاجئ للجماعة المتأسلمة، نجد أسباباً كثيرة أهمها أن أعضاء الجماعة أوصلوا رسالة إلى الشعب المصري بأن مجرّد انتمائهم إلى الجماعة “جهاد في سبيل الله”، وإن الحفاظ على هذه الجماعة هو هدف وغاية في حدّ ذاته.
بداية انهيار الإسلام الإخواني
لقد تحول هذا المفهوم بعد وصولهم إلى السلطة إلى عنصر ضعفٍ؛ لأن القناعة أصبحت عامل انغلاق وعزلت أعضاء الجماعة عن باقي أفراد المجتمع، وتحوّلت في فترة قليلة إلى عاملٍ رئيسي في كراهية الناس لهذا التنظيم، الذي رأوه يحرص على مصلحة أعضائه قبل المجتمع،  كما تحوّلت الرابطة التنظيمية والتربية الدينية لدى الجماعة إلى شعورٍ بالتميز والتفوّق على الآخرين، أي هي عنصرية إخوانية، ثم تحوّلت الطاقة الدينية، التي حافظت على تماسك الجماعة حين كانت في المعارضة، إلى طاقة كراهية وتحريض على المنافسين والخصوم، وتسبّبت بانغلاق الجماعة وعزلها عن باقي المجتمع.
هذا بالإضافة إلى اصطفاف القوى السلفية الوهابية والداعشية إلى جانب الجماعة، فظهر إرهابيون سابقون على الملأ فخورين بأنهم قتلوا الرئيس أنور السادات، كما قتلوا الأقباط في الصعيد ورحلّوهم من المدن الكبرى ومنهم من قال “إن الحضارة الفرعونية حضارة نجسة وعفنة”، ومنهم من طالب بهدم أضرحة أهل البيت في مصر، وهشّم بعضهم تمثال الدكتور طه حسين في مدينة “المنيا” في الصعيد، ومنهم من وضع نقاباً على وجه تمثال “أم كلثوم” في مدينة المنصورة، ومنهم ألقى تماثيل مصرية قديمة في نهر النيل بحجة أنها أصنام.
كما بدأت الفتن الطائفية بين المسلمين والأقباط في مدن مختلفة، ونادى الإخوان بتفعيل المجالس العرفية بدلاً من المحاكم، أي العودة بالدولة إلى العصور القبلية، فخلص الضمير المصري إلى أن السلفية والإخوان لا يمثلوهم، في وسطية الأزهر والمزاج المصري المتسامح.
وفي يوم السادس من تشرين الأول 2012 وفي عناد وتحدٍ منسوب لمكتب إرشاد الجماعة، وفي ذكرى نصر تشرين الأول 1973 تم دعوة من شارك في قتل الرئيس السادات، عبود الزمر، طارق الزمر، عاصم عبد الماجد، محمد عبد المقصود، أشقاء عمر عبد الرحمن، وهم من أعضاء الجماعة الإسلامية التي قتلت أنور السادات، وقتلت أكثر من مائة بعد مصرع السادات في مدينة أسيوط، وقد شكّل وجودهم صدمة للوجدان الشعبي المصري، الذي في كل بيت منه شهيد في الحرب ضد العدو الصهيوني، ولذلك غضب المصريون وغضب معهم الجيش المصري وعوائلهم، وهم بالملايين يُمثلون كل طوائف الشعب المصري.
ومن هنا بدأ الرفض المبكر للجماعة ثم توالت الأمور، حيث بدأت شبه جزيرة سيناء تمتلئ بالإرهابيين من كل دول العالم، ودخل سلاح متنوع من ليبيا المنهارة وقطاع غزة المحتل، وانتشرت الفوضى، وكان من المتوقع أن ينتشر الإرهاب شرق قناة السويس بما يهدد الملاحة فيها، ومنها وجود عناصر إرهابية تنتقل بأزياء عسكرية مشابهة لملابس الجيش المصري من ليبيا إلى شمال غرب مصر، والسيطرة على مدينة السلوم في الحدود الغربية، واعتبارها مدينة محررة وأنهم الجيش المصري الحر.
سقوط التأسلم السياسي
كان لانتشار هذه الأخبار عامل يأس، فطالب الجميع الإعلام والقضاة، المفكرون والسياسيون، إنهاء حكم الإخوان، وطالبوا الجيش بالتدخّل، مع اليقين أن الجيش المصري لم يحدث أن تدخل وضرب النار في الشعب، لم يحدث على الإطلاق، ولذلك يجله المصريون كثيراً، فلا هو جيش ديني أو عرقي أو طائفي، ولكن رأى المصريون مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع يصف هذا الجيش بالفأر، كما سمعوا الرئيس محمد مرسي وهو يحط من قيمة الرئيس جمال عبد الناصر ومن شعبيته المستمرة، كل هذا جعل المصريين يرتابون في حقيقة الجماعة، ومن ثم انساق الجميع في حملة “تمرد”، التي بدأها شباب ثائر، ففتحت الأحزاب والنقابات والنوادي والجمعيات أبوابها للتوقيع على استمارة تمرد، ووصل عدد الموقّعين عليها أكثر من ثلاثين مليوناً، وطالبوا بالخروج الشعبي يوم 30 حزيران 2013، وهو اليوم الأخير في عام حكم الجماعة ومحمد مرسي.
في يوم 26 حزيران 2013، انتشر الجيش المصري في كل المدن والساحات، أي سيطر على الدولة بالفعل، وحاول الإخوان والسلفيون السيطرة على الميادين في المدن المختلفة، ولكنهم فشلوا بسبب قلة عددهم، هذا إلى جانب تصدي الجماهير لهم، وبعد أربعة أيام، خرج الملايين ورفضوا العودة إلا بعد سقوط الجماعة، وليس الرئيس فقط، وانتصرت إرادة الأمة، وجاء يوم 3 تموز 2013 ليكون بداية مرحلة متفائلة للدولة المصرية، وهي التي نعيشها اليوم رغم كل المشكلات والأزمات الداخلية والخارجية.