سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​الميثاق الملّي.. سيف تركيا على رقاب الشعوب

يطل أردوغان على شاشات التلفزة في كل مرة، متحدثاً عن حبك المؤامرات وتعرض أمنه القومي للخطر، ملوحاً بالميثاق الملّي كسيف، مهدداً الجميع “ستدفعون الثمن باهظاً”، متناسياً تعريض الأمن العربي والكردي واليوناني للخطر، ومن جديد عرضت تركيا الخرائط لاحتلال سوريا والعراق، خلال استضافتها مؤتمر للتركمان على أراضيها.
وقف الكرد ومعهم شعب المنطقة كسدّ منيع أمام مشروع أردوغان التوسعي في إعادة العثمانية الجديدة ورسم خرائط (الميثاق الملّي) المزعومة، ويلجأ اليوم أردوغان إلى حيل أخرى من خلال استضافته مؤتمر التركمان في سوريا والعراق مؤخراً.
وظهرت فيه خريطة تضم أجزاء واسعة من سوريا والعراق، يقطنها خليط من الكرد والعرب والسريان والآشوريين والأرمن والتركمان وغيرهم من القوميات الأخرى، في بادرة توضح النوايا التركية في استمرار جر المنطقة إلى حرب لا هوادة فيها.
مع قرب انتهاء صلاحية اتفاقية لوزان المشؤومة، تستفيق الأوهام التركية بإعادة طرح والترويج للميثاق الملّي الغليظ الذي يغيظ الشعوب التي سلبت وفقدت أراضيها، يتحرك النظام التركي مشرّعاً لنفسه هذا الاتفاق لإحياء تاريخ العثمانيين قبيل الذكرى الـ 100 لتوقيع معاهدة لوزان.
إن أي محاولة لفهم التحركات العسكرية التركية الخطيرة، لا يمكن أن تتم شرحها بمعزل عن التاريخ، فقد بات الميثاق الملّي (Misak-i Milli) سيفاً يلوّح به أردوغان لتهديد دول الجوار، ولا يوفر خطاباً وفرصة للحديث عنه.
وجاء في نصوص اتفاقية سيفر 1920 إقامة دولة كردية وأخرى أرمنية، لكن أتاتورك تنصل من بنود الاتفاقية ودفع الغرب إلى اتفاقية لوزان متخلياً عن حدود ميثاق الملّي بعد توقيعه على معاهدة لوزان 1923 ورسم الحدود التركية الحالية.
وشكّلت الخطوط العريضة للميثاق الملّي في مؤتمر أرضروم 1919، ومؤتمر سيواس 1919، والميثاق الملي، وهذه الوثيقة لخطوط جغرافية صادرة عن العثمانيين المؤسسين للجمهورية التركية.
إن الحديث عن مشروع عثماني في المنطقة كان ينفيه الأتراك، وكان عبد الله غول الذي انتخب نائباً في البرلمان عن حزب الرفاه 1991، أول من تحدث عن هذا الميثاق عام 1992، وقال: “أرى أن هذه النقاشات حول المفاهيم، مثل الجمهورية الثانية أو العثمانية الجديدة، صحية جداً”.
في مطلع 2011 كانت تدور في منطقة الشرق الأوسط رحى أحداث دامية وفوضى عارمة، استغلت تركيا هذه الثغرة الحاصلة كفرصة عمر ذهبية لا تتكرر للتدخل في سوريا.
بدأت أنقرة بتنفيذ الخطة، احتلت عبر وكلائها داعش وجبهة النصرة، المدن السورية، (إدلب، وعفرين، وإعزاز، الباب، وجرابلس، وسري كانيه، وكري سبي)، وذلك على مراحل، وعينها مصوّبة على الموصل وكركوك، هذه الجارة المزعجة والتي تسبب رأب الصدع للآخرين تتحرش وتضايق ليبيا واليونان بين كل حين وآخر.
وسبق وأن طالب أردوغان خلال زيارته لليونان، أواخر عام 2017 بتحديث اتفاقية لوزان، وسبق الزيارة تأكيده: “لوزان كانت خسارة لبلاده”، عندما قال: “يريد بعضهم أن يقنعنا بأن معاهدة لوزان انتصار، أين الانتصار فيها؟ لقد خسرنا بعض جزرنا في بحر إيجه لمصلحة اليونان”.
لتنفيذ هذا المشروع، دأبت تركيا على دعم جماعات الإخوان المسلمين ذراع أردوغان الطويلة في ضرب وتهديد دول الجوار. وحوّلت الجماعات المتطرفة إلى مرتزقة تحت الطلب يقاتلون في سوريا وليبيا، وأدوات لتعزيز دور تركيا في الشرق الأوسط.
أفشى أردوغان سر مخططاته علناً، وأوحى أنه بصدد إصلاح ما أفسده أتاتورك، في تشرين الأول 2016 أبرز عضلاته بعدما تم استبعاده من المشاركة في حملة تحرير الموصل من مرتزقة داعش.
رد أردوغان بغضب وقال: “في الموصل التاريخ يكذب علينا، وإذا رغب السادة الأفاضل (في إشارة منه إلى الحكومة العراقية) في التحقق من ذلك، فعليهم بقراءة الميثاق الملّي ليفهموا معنى الموصل بالنسبة لنا، الموصل كانت لنا، لنا حقوق تاريخية في كركوك”.
كان أردوغان قد أطلق تصريحات خطيرة للغاية بالتزامن مع التحضيرات للإبادة الجماعية ضد سكان مدينة عفرين المحتلة 2018، وادعى: “شمال سوريا كانت ضمن حدود الميثاق الملي، حدود الميثاق هي حيث يوجد الآن (الإرهاب) في شمال سوريا والعراق”.
لا تتوقف أنقرة عن التكشير عن أنيابها في استعادة العثمانية، فبعد احتلال المدن السورية، أعلن أردوغان أنه سيعيد مليون لاجئ إلى ما يسميها “المنطقة الآمنة”، لتوطين غرباء محل أكثر من 300 آلف مهجر قسراً من السكان الأصليين، وبذلك ترسم جزء من خارطة الميثاق الملّي.
وغيّر الاحتلال من معالم وهندسة وديمغرافية المناطق السورية المحتلة وهويتها، من حيث تغيير أسماء المدن والساحات والقرى فضلاً عن رفع أعلامها فوقها، وفرض عملتها ولغتها عل الأهالي.
من سوريا إلى العراق، الاحتلال مستمر والذريعة (محاربة الإرهاب)، لم تتعظ السلطات في باشور “جنوب كردستان” من التجارب السابقة ورهنت نفسها لتركيا، كان أردوغان قد هدد السلطات في 2017 بإنزال العلم الكردي الذي رُفع في مدينة كركوك، محذراً: “لا تبدأوا في الزعم بأنها لكم، أي كركوك، وإلا سيكون الثمن باهظاً”.
وفي أيلول 2017 وصف أردوغان الاستفتاء الذي جرى في باشور كردستان بأنه عمل من أعمال الخيانة، وهدد باتخاذ إجراءات اقتصادية وخطوات عسكرية برية وجوية ضدها.
لكن السلطات في باشور “جنوب كردستان” اتخذت نهجاً معاكساً فخسرت كركوك، وبدلاً من أن ترسل قوة لاستعادتها، وجهت قوافل جهاز استخباراتها “الباراستن” إلى مناطق مقاتلي الحرية لمساعدة تركيا في محاربتهم، وهكذا تقاس معايير الوطنية لديهم.
في سبيل تحقيق أهدافها الاقتصادية يشرعن الحزب الديمقراطي الكردستاني التدخلات التركية تحت مسمى الأمن القومي التركي وحقه في محاربة مقاتلي حركة حرية كردستان.
حاصرت تركيا مؤخراً وبمساعدة من الديمقراطي الكردستاني محيط مدينة كركوك والموصل بقواعد عسكرية، استعداداً للانقضاض على المدينتين.
إذاً؛ الخطر قادم لا محالة، والمخطط واضح وصريح ويعد أخطر مخطط، وكل المؤشرات والمعطيات تشير إلى أن تركيا تسعى لإيجاد ثغرة للبدء في احتلال كركوك والموصل، وحلب وشمال وشرق سوريا، عام 2023 للاحتفال بمرور 100 عام على اتفاقية لوزان.
يخوض أردوغان سباقاً للحصول على موافقة تمكنه من مواصلة خططه الاستعمارية، ويعقد محادثات سرية وعلنية مع روسيا، وأمريكا، وإيران، معلناً عن رغبته الملحّة في الحصول على موافقة تمكّنه من الإقدام على عملية عسكرية جديدة.
تصطدم المحاولات التركية التوسعية بجدار شعوب لم ينصفها العالم وأنكر جهودها في اتفاقات مشؤومة، عقدت قبل 100 عام، تسلحوا معاً بعدما فرقتها الطرق تحت سقف قوات سوريا الديمقراطية لكبح جماح العثمانية الجديدة.
مناطق الإدارة الذاتية الصغيرة بجغرافيتها والكبيرة وباستراتيجيتها، جزء لا يتجزأ من المعادلة السورية، تقف وحدها سداً شامخاً منيعاً أمام أطماع دولة الاحتلال التركي الهادفة لإعادة العثمانية الجديدة والميثاق الملّي الذي يعرض الأمن القومي العربي ـ الكردي للخطر.
ولعبت تركيا دوراً هو الأخطر في سوريا، حيث دعمت المتطرفين بالمال والسلاح بحجة إسقاط حكومة دمشق، وساهمت بشكل كبير في تسهيل عبور المتطرفين المنضمين إلى داعش عبر أراضيها إلى سوريا، حوّلت المناطق السورية المحتلة إلى أكبر بؤرة وتجمّع للقيادات الأولى في صفوف مرتزقة داعش وتغيير هويتها ومعالمها.
مع قرب الانتخابات التركية، كان أردوغان قد سعى لتصفير مشاكله مع دول الخليج، بعد جولة من العبث بالمنطقة وتهديد الآخرين، لكن ذلك مرهون بفك أردوغان ارتباطه مع جماعة الإخوان المسلمين والانسحاب من المناطق التي احتلتها.
أردوغان فشل في إيصال الإخوان إلى سدة الحكم في مصر وتونس، لينتقل الآن إلى الترويج للميثاق الملّي، الأمر الذي يغضب الخليج والعرب ويشكل تهديداً مباشراً على الأمن القومي العربي.
وكان ظاهراً التحدي التركي هذا قبيل يوم واحد من انعقاد القمة العربية، حيث كشف وزير داخلية الاحتلال التركي سليمان عن مخططهم المقبل، وقال: “سنهاجم المنطقة، حلب تقع في الميثاق الملّي” كذلك أشار انهم سيحتلون الحدود السورية العراقية.
ويبدو أن فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، أنعشت آماله بالاستمرار في مشروع بناء الدولة العثمانية الجديدة.
وبعدها بيوم، هاجم بشار الأسد أردوغان خلال مشاركته لأول مرة في القمة العربية واصفاً إياه: “يحمل فكراً توسعياً مستمداً من العهد العثماني المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”.
يتطلع أردوغان أن يكون عام 2023 مصبوغاً وممزوجاً بالدم، خاصة أننا نقترب من مئوية لوزان المصادفة في 24 تموز ، فالنزعة الاستعمارية حية في ذاكرة القوميين الأتراك، واحتلال لواء اسكندرون وعفرين وجرابلس والباب وإعزاز وإدلب وسري كانيه وكري سبي ماثلة أمام أعين من يريد معرفة أهداف أردوغان.
وكالة أنباء هاوار