سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

يسعون لضرب قدسية وجوهر الإيزداتية

سيبان سلو

لطالما بقي الإيزيديون في حالة دفاع مستمرة عن معتقداتهم وتعاليم ديانتهم، في وجه كافة حملات الإبادة الثقافية والعسكرية التي تعرضوا لها، وظلوا محافظين عليها لكن أعداء المجتمع الإيزيدي والذين يحاولون إبادتهم لم يكتفوا بالقتل، بل سعوا ويسعون لضرب جوهر الإيزداتية، في محاولة لاستهداف جذور الكرد من العمق.
ساعات ما بعد منتصف ليلة 3 آب 2014، لن تنسى من ذاكرة التاريخ الإيزيدي الذي لطالما سجّل بين طياته قصص حملات الإبادة (الفرمانات) التي تعرضوا لها، ثلاثون فرماناً لم تكن سهلة أبداً بالنسبة لمجتمع عريق، عانى ويعاني ليومنا هذا ملايين الضحايا على مر التاريخ، وآلاف المختطفات والمفقودين، وكل ذلك جرى بهدف الإبادة التي لا يزال مخططها قائماً إلى يومنا هذا.
الجميع يعلم ما حصل في 2014، من قاوم ومن ترك وفرّ هارباً، ومن خان الوعد وترك مئات الآلاف من الإيزيديين بين مخالب قوى الظلام (داعش)، التي عاثت في شنكال خراباً ودماراً وقتلت حتى الأجنة في أرحام أمهاتهن. هنا، ولأنه مرت ثماني سنوات على “الفرمان الأخير” كما يتداوله الإيزيديون، قد تبدو إشارة إلى أنهم من الآن وصاعداً لن يسمحوا بتكرار المجازر بحقهم، ولن يسمحوا لأحد بأن يتدخّل في أمور مجتمعهم كما حصل في السابق، وكان ذلك سبب كل حملات الإبادة التي تعرضوا لها.
ففي شنكال الذي يعدّ مركز ثقل الديانة الإيزيدية وخزينة الحفاظ على الثقافة الكردية المتجذرة، تكررت الهجمات على سكانه منذ مئات السنين، لتكون مجزرة آب 2014 على يد مرتزقة داعش منعطفاً تاريخياً بالنسبة لهم، ونقطة تحول مهمة في تنظيم المجتمع الإيزيدي ورصّ صفوفه وخاصةً بعد حالة الشتات الكبيرة التي عاشوها نتيجة سياسات الديمقراطي الكردستاني والحكومة العراقية الاتحادية التي أبقت على المنطقة في حالة نزاع، حيث حرم أهلها من العديد من حقوقهم المدنية والسياسية وحتى الدينية لكن ما يمكن الإشارة إليه فيما حصل ما بعد 2014، أن الإيزيديين أيقنوا أنهم يجب أن يكون أصحاب تلك القوى التي يجب أن تحميهم وأن يكونوا أصحاب تنظيمهم الخاص، لذلك كانت خطوات إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في شنكال وتشكيل وحدات مقاومة شنكال وأسايش إيزيدخان نقاط فاصلة في التاريخ الإيزيدي.
لكن على الرغم مما حققه الإيزيديون بعد “الفرمان الأخير”، فإن محاولة الإبادة لم تتوقف، فأعداء الإيزيديين يحاولون الآن إبادة قوى الإيزيديين وتنظيمهم وثقافتهم وضرب جوهر الديانة الإيزيدية من الداخل. هنا لن نتطرق إلى الهجمات العسكرية التي شنها الجيش العراقي وقوات الحزب الديمقراطي الكردستاني التي أفشلت بفضل القوى العسكرية للإيزيديين ولا عن هجمات الاحتلال التركي بالطائرات المسيّرة والحربية التي استهدفت القادة البارزين في المجتمع الإيزيدي والذين كان لهم دور كبير في تنظيم المجتمع الإيزيدي في شنكال قبل وبعد فرمان 2014 ” الأخير”.
هنا سنتحدث عن محاولة إبادة ثقافة الإيزيديين واستهداف جوهر الإزداتية ومحاولة خلق الفتنة بين أبناء المجتمع الإيزيدي داخل شنكال. لبابا شيخ والأمير في الديانة الإيزيدية قدسية كبيرة لدى معتنقي الديانة الإيزيدية ولهما مكانة روحية خاصة في نفوسهم. وكيل الإمارة الإيزيدية أثناء فترة الهجوم على شنكال، والأمير الإيزيدي الحالي حازم تحسين بك، وآل ششو “قاسم وحيدر ششو” الذي كان من الموالين للاتحاد الوطني الكردستاني سابقاً، كانوا من هؤلاء الذين أخلصوا للديمقراطي الكردستاني وفضّلوا مصالحهم على مصالح شعبهم بعد فرمان 2014. وكانت وفاة الأمير تحسين بك والشيخ خرتو إسماعيل “بابا الشيخ” عام 2020، فرصة للديمقراطي الكردستاني كي يستفيد من موضوع إيجاد البديل وانتخاب أمير جديد وبابا شيخ جديد، لإحداث المزيد من الشرخ في المجتمع الإيزيدي، وذلك من خلال خلق رأي معارض بين قاسم وحيدر ششو من جهة، وحازم تحسين بك وعلي بافي شيخ “بابا الشيخ الجديد” من جهة أخرى.

وبالنظر إلى مرحلة ما بعد توقيع الاتفاقية الثنائية بين بغداد وهولير في 9 تشرين الأول 2020، فإن الحاجة إلى خلخلة المجتمع الإيزيدي، وضربه في أهم مراكزه الدينية (الإمارة وبافي شيخ) حتى لا يكون للإيزيديين أي مرجعية موحدة ومقدسة وبذلك يمكن السيطرة عليهم بسهولة، ويجعل الديانة الإيزيدية فارغة من مضمونها الديني والثقافي، ويضرب بكافة التقاليد والعادات الدينية المتجذرة عرض الحائط، ليتحكم بها أشخاص موالون له، ويفقد المجلس الروحاني الإيزيدي قدسيته التي يعرفها الإيزيديون.
وبالعودة إلى مراسم تنصيب بابا شيخ خرتو إسماعيل “المتوفى” في لالش صيف 1995 نجد أن الحاضرين هم أعضاء المجلس الروحاني والأمير آنذاك وبعض رجال الدين الإيزيديين فقط، إلا أن الحشد الغفير من الموالين للديمقراطي الذي تجمّع في لالش والوسائل الإعلامية التابعة له التي نقلت حدث تنصب علي بابا شيخ، يؤكد ما ينوي إليه الحزب الديمقراطي الكردستاني.
حتى أن رجالات وشيوخ جبل شنكال لم يكونوا حاضرين في مراسم التنصيب، في لعبة سعى من خلالها الديمقراطي الكردستاني لضرب العلاقة بين الإيزيديين في جبل شنكال وفي مناطق شيخان وباعدري القريبة من معبد لالش. مزار شرف الدين مستولى عليه من قاسم وحيدر ششو بعد تمكن الآلاف من الإيزيديين من الخلاص عبر المنحدرات الصخرية لجبل شنكال، ظل 18 رجلاً بأسلحتهم الخفيفة لمواجهة داعش والدفاع عن مزار شرف الدين، ثاني أقدس المزارات لدى الإيزيديين بعد معبد لالش، وعلى الرغم من هجمات داعش المتكررة على المزار بالأسلحة الرشاشة الثقيلة وقذائف الهاون إلا أن الرجال الإيزيديين لم يسمحوا له بالاقتراب منه وتدميره، كما العشرات من المزارات الدينية المتوزعة في شنكال والتي دُمرت.
كان من يدير الموجودين للدفاع عن المزار هو قاسم ششو وابن شقيقه حيدر ششو اللذين خرجا في الأيام الأولى من الفرمان، وأكدا أن قوات الديمقراطي الكردستاني تركت شنكال، وأن من يدافع هم قوات الكريلا ومتطوعو شنكال، لكن سرعان ما تبدّل موقفهما وحديثهما عكس ما قالاه عندما خرجا لأول مرة على فضائية روناهي. قاسم ششو قال في فيديو مصور له “حتى يوم الفرمان كنت مسؤولاً في الفرع 17 للحزب، لكن اليوم مسؤولو التنظيم والعسكر كلهم هربوا، شنكال مرة أخرى لن يكون بيد هؤلاء عديمي الأخلاق القذرين، ما بين 8 -10 آلاف بيشمركة كانوا في شنكال، الجميع يعمل على فتح الطريق للمدنيين، حيث نشكر بشكل رئيس PKK (….).

حيدر ششو قال بعدها، وبالتحديد في شهر تشرين الثاني من عام 2015 “ليس من حق أي طرف أن يطالب بخروج حزب العمال الكردستاني من شنكال”، مبيناً أن قوات حزب العمال الكردستاني تقاتل داعش في شنكال” لكن ما حصل بعد ذلك، أن حيدر وقاسم أصبحا من أكثر الشخصيات التي هجماً على حزب العمال الكردستاني وعلى الإدارة الذاتية لشنكال، وأصبحا دميتين بيد الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد كشفوا في تسجيل له أنه يتقاضى شهرياً 60 ألف دولار من الديمقراطي.
عندما كانت الأعمال تجري لتأسيس المجلس التأسيسي للإدارة الذاتية لشنكال على “قناة روداو” وقال: “لن نسمح لأحد بتشكيل مجلس للإيزيديين، وأن من دافع عن شنكال هو مسعود البرزاني”، ومنذ ذلك الوقت، بقي ششو مع العديد من الشبان الإيزيديين الذين استمالهم الحزب الديمقراطي الكردستاني باسم “قوات بيشمركة شنكال” موجودين في مزار شرف الدين وحوّلوه إلى مقر عسكري لهم دون الأخذ بعين الاعتبار قدسية المكان لدى الإيزيديين، وبات ششو يُعرف “بقائد بيشمركة شنكال”. وبصريح العبارة، أصبح مزار شرف الدين مستولىً عليه من قبل الموالين للديمقراطي الكردستاني الذي يحاول استهداف قدسية المزار.
الخلاصة: الإبادة بحق الإيزيديين مستمرة والمتآمرون على المجتمع الإيزيدي يحاولون بشتى الوسائل استهداف جوهر الدين الإيزيدي وإفقاده جزءاً كبيراً من قدسيته في إبادة ثقافية دينية يتعرض لها المجتمع الإيزيدي ويقاوم في وجه ذلك.