سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

يحيا العبقري في قلوبِ الأجيال

م. إبراهيم داود كرد_

إن العامل الأخلاقي مهم جداً وقوة ضرورية، وتأثير الأخلاق على الفلسفة ولأيديولوجيا أحد العوامل الأساسية لانتصار الثورة والتي تخضع للقيم والعلاقة المتبادلة بين العامل الأخلاقي والحقوق، والفن والعلم، وبين الظواهر الاجتماعية وأشكال الوعي والإدراك.
 فالعامل الأخلاقي إنسانية في فلسفة زارادشت، ونظريته التي تتطابق مع العلوم الاجتماعية والفلسفة المادية المعاصرة، وفي قوله المشهور (الوجود المادي هو محل صراع بين قوتين) أي بين الحقيقة والكذب.
وفي جدلية الواقع المادي والفكري، أي صراع الأضداد، للسير في الطريق العلمي في التفكير، لمعرفة الفرد وعلاقته بالوجود المادي الموضوعي، فالمعرفة والثقافة لتحرير العقل من الأوهام، وكانت غاية زارادشت أن يمتلك البسطاء  ناصية المعرفة للوعي والإدراك، واستيعاب قوانين تطور المجتمع، وأدرك بأن القيم الأخلاقية أساسها ومصدرها المجتمع، والمصلحة الاجتماعية، وفي نضاله لا يعرف اليأس والاستسلام، لإصلاح عقيدة “أهورا مزدا” وتعاليمه للقبائل الآرية وعندما سأله /حكيم/ ماذا أنت فاعل بالناس البسطاء، فأجاب “سأناضل لأرفع مستوى البسطاء إلى مستوى المتفوقين للوعي، ولن أتركهم للمصيبة، التي قدرت عليهم الجهل، ويتجرعون من سمها الخرافات والأوهام، التي تفسد العقول”، وفي قوله المشهور “تحطيم ألواح الوصايا جميعها وإقامة شرعنة جديدة / كالنهر الذي يجدد مياهه”.
 ومن الضروري أن نتسـم بالقيم الأخلاقية – وأسسها الصدق والحياة الصائبة، فالعبقري الثائر وعاشق الحرية الثابت على المبدأ، مميز في عصره وتأثيره على البسطاء في المجتمع، وفي الجوانب المعرفية وأطروحاته – ثنائية الجانب “النور-الظلام، الفضيلة والرذيلة -الصح والخطأ –-الحقيقة والكذب) هذه الثنائية تتطابق وقانون وحدة وصراع الأضداد الديالكتيكي، وكأنه كان يحيا بولادة ديالكتيك مبكر ضد الأوهام، وضد الفهم الميتافيزيقي للتاريخ، ودوافعه وأيديولوجيته.  هذا الموقف يتطابق مع المادية التاريخية وعلم التاريخ للمنهج “مادي- مادي” واقعي، وذكر المفكر عبد الله أوجلان “زارادشت تناول التاريخ بمنوال ديالكتيكي وقوانينه أي القوة المادية المحركة وبالمطلق التي تصنع التاريخ، وثقافته وفلسفته”، ولها تأثير قوي على الكتب المقدمة الثلاثة فكانت حركته تنطلق من أرضية القيم الأخلاقية والتحلي بالشخصية الرزينة، في العلاقات الاجتماعية، هذه الثقافة، والشريعة الجديدة إحدى الشرايين الأولية والركيزة للحضارة والديمقراطية، والتي أثرت تأثيراً في سير الحضارة الثقافية في الشرق الأوسط، وحتى على فلسفة الإغريق وأوروبا، هذه الثقافة والمعرفة لدى زارادشت بمثابة مدرسة قائمة بذاتها، ذات منهج علمي مقبول ومستساغ، بشكلٍ كبير وبكل وضوح  في نسخ الكتب المقدسة الثلاث، مما أدى إلى تأثير بتواجد اليهود في ساحة الهيمنة الأيديولوجية زمناً طويلاً، ومارسوا وظائف كثيرة، أظهرت مهارة في التجارة بين الشعب الكردي، والتأثير المتبادل بين الثقافات، لا يملك أحد تجاهل هذا التأثير الجسور بالصدق والدور العظيم لهذه المعرفة والثقافة وفي أساس الإمبراطورية –الميدية والساسانية، هذه الثقافة والمعرفة بمثابة الحكمة في العدالة والمساواة، ورفض العبودية ورؤية الثقافة للحياة الاجتماعية والعلاقة السليمة بين الأرواح، والتكافؤ بين الزوجين، وصف زارادشت الكذب والهرمية المخادعة والأثنية بـ “أشنع الأخلاق”.
  لقد اهتم بالأرض كوسيلة للإنتاج والخيرات المادية وشجع الناس للاهتمام بالأرض “أنتم منها وإليها” وكذلك بالزراعة وتربية المواشي المفيدة بشكلٍ خاص، وهي متكافئة مع العبادة، من جهة  نظر زارا في جبال “زاغروس” هذه الشخصية العبقرية الميدية الكردية، أو وصفه “آمد” بأنه كالجمرات المحمرة في موقد النار، تشع نوراً، لذلك حارب الفرس هذه الثقافة والمعرفة والبعض من المسيحين خوفاً من أن تؤثر هذه الثقافة على الكثيرين من الناس في سلوكهم، لأنها ألسنة من النور، وسمو في التفكير والثقافة الواقعية، المتطورة، تنير العقول نحو الحرية وتسلط الأضواء على الظلم الاجتماعي، خاصةً الكهنة والمجوس، وكذلك الغزوات الإسلامية التي حاصرت هذه الثقافة والمعرفة، بالتحرر الاجتماعي والفكري وخاصةً في العهد الأموي والعباسي والثيوقراطي، لأن هذا المناضل الكبير المتنور كان شعاره إقامة شرعنة جديدة كالنهر المتجدد ماؤه.
 هذا التراث التقدمي الكبير للشعب الكردي العظيم، أشار باستمرار أيضاً بأن الأرض كرويّة على شكل بيضة أليس من الواجب والضرورة السياسية والحياتية والفكرية إحياء هذا التراث الكبير، وربطه بالثقافة العلمية المعاصرة، إحدى خصائص تاريخ الشعب، والتخلص من الفكر الإرهابي الذي لا يزال يؤثر على الغالبية العظمى، وكشف دور الرجعية والرجعية الكردية خصوصاً، ودجل البرجوازية الميتافيزيقي الطفيلي، وبناء العقول العلمية الديالكتيكية، ومن قواعد المادية التاريخية كمنهج مادي موضوعي علمي.
إن المعرفة والثقافة للشعب الكردي والمتمثلة في نظرية وثقافة زارادشت الحياتية والفكرية، لا ولن تموت أبداً، رغم أنف الطغاة والنازيين الجدد والشوفينية العفنة، وكما قال /جبران/ يحيا العبقري في قلوب الأجيال، مهما تطورت الحياة لأنها ثقافة إنسانية مرتبطة بحياة الناس.